عبد اللطيف أعمو: نحو تعزيز بنيات معرض دولي للفضة بتيزنيت

عبد اللطيف أعمو: نحو تعزيز بنيات معرض دولي للفضة بتيزنيت عبد اللطيف أعمو
مهرجان الفضة، رهانات المرحلة والغايات الفضلى 
المهرجانات ظاهرة للتعبير عن التحولات التي تعرفها المجتمعات. وفي توسعها، بدأت تتجه نحو إثبات الذات وتعزيز الهوية وتصحيح مظاهر طمس معالمها المهمشة على مدى عقود. أكيد أنها ظاهرة إيجابية. وفي نفس الوقت، يتعين الاهتمام بتأطيرها وهيكلتها باستمرار، لتكون مرتبطة بالأهداف المستقبلية التي هي أهداف تنموية مستدامة بامتياز، بعيدا عن الاحتفالية الموسمية  لوحدها.
 
فظهر خلال العقدين الماضيين، أن هناك مجالات حققت جزءا كبيرا من أهدافها في الهيكلة كمؤسسات مجتمعية واقتصادية وثقافية، كما هو الحاصل في مهرجانات كبرى: كالمهرجان الدولي للموسيقى الروحية بفاس ومعرض الفرس بالجديدة ومهرجان كناوة لموسيقى العالم  بالصويرة والملتقى الدولي للسينما بمراكش والمهرجان الدولي للرحل بمحاميد الغزلان...، وغيرها وفي هذا الدرب، سارت مهرجانات عديدة، وما زالت أخرى تشق طريقها نحو أهدافها التنموية، بتأكيد شخصيتها وتفردها، كما هو الحال بالنسبة لمدينة تيزنيت، التي اختارت أن يكون مهرجان الفضة مناسبة لتعزيز وتحسين ظروف المعيشة والظروف الاجتماعية والاقتصادية لمحترفي صناعة الفضة والصناعة التقليدية عموما،  وفي نفس الوقت، أن يكون منارة للاستقطاب والترويج السياحي والجذب، بهدف تعزيز مكانة المدينة والإقليم في الجهة، التي تعتبر منفذا نحو المحيط (الواجهة الأطلسية) ونحو الأقاليم الصحراوية وما وراءها (الواجهة الأفريقية)، وذلك بتشخيص هدف إقامة هذه المنارة في أفق برمجة تحويل المهرجان إلى معرض دولي للفضة، يكون منخرطا في شبكة المدن الفضية عبر العالم، كما هو الأمر في عدد من الدول القريبة منا والبعيدة .
 
فمن المنتظر أن تنظم بمدينة تيزنيت خلال الفترة من 24 إلى 29 يوليوز 2024 فعاليات الدورة الـ 12 لمهرجان ''تيميزار'' للفضة تحت شعار:"الصياغة الفضية .. هوية، إبداع وتنمية". هذا الشعار الذي يعكس بالفعل الأهداف البعيدة والمتوسطة المدى، المتوخاة من المهرجان، الذي لا بد في يوم ما، أن يتحول إلى معرض دولي للفضة.
 
ولا يشك أحد في أن هذه التظاهرة تندرج في إطار إحياء الموروث المادي واللآمادي المحلي من خلال تشجيع الصانع التقليدي وتمكينه من فرص جديدة للعرض والتسويق، وتطوير قدراته الإبداعية والرقي بالمستوى التنظيمي للتظاهرة، كإحدى السبل الكفيلة بتثمين الصناعة التقليدية وخدمة الصانع التقليدي. وما ترمز  إليه من عمق تاريخي وحضاري تراثي، كما أن من أبرز أهداف هذه التظاهرة تشجيع الحرف اليدوية المحلية، خاصة صياغة الفضة، التي تعتبر موروثا ثقافيا وتاريخيا وحضاريا، ورمزا لقيم الجمالية والإبداع بالمنطقة، ورافدا تنمويا يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المحلية والجهوية والوطنية.
 
ولن يجادل أحد بالتأكيد في كون هذه التظاهرة تساهم بشكل كبير في تحريك الدينامية الاقتصادية والثقافية والفنية، وخلق حركية تجارية تساهم بشكل كبير طيلة مدة المهرجان في الرواج السياحي والتجاري والإقتصادي للمدينة وللإقليم، كما تنشط محليا العديد من المهن المرتبطة بنشاط المهرجانات في مجال الاستقبال والإيواء والاشهار والتواصل والنقل... وغيره... 
 
لكن، وجب التذكير، بخصوص الإشارة إلى نقطة تشجيع الصانع التقليدي وتمكينه من فرص جديدة للعرض والتسويق، والرقي بالمستوى التنظيمي للتظاهرة، خصوصا بعد فترة نضج وصلت فيها هذه التظاهرة إلى نسختها الثانية عشرة ( 12)، بعد توقف دام سنتين بسبب جائحة كورونا، إلى الفكرة الأساسية والجوهرية وراء ميلاد مهرجان للفضة بتيزنيت، كواجهة تواصلية للتسويق لفكرة أكبر تتبلور بشكل عملي في تنظيم معرض دولي للفضة. ونحن مقتنعون، بأنه "حلم ! ؟" يمكن أن يتحقق على أمد متوسط. وواثقون بأن مدينتنا تستحق هذا الطموح المشروع، وتستطيع رفعه.
 
لقد مرت قرابة 18 سنة. ونحن ما زلنا مقتنعين بنفس الفكرة التي مفادها أولا أن تيزنيت لديها جميع المؤهلات لربح هذا الرهان. فمن أكبر العناصر الأساسية لهذا المشروع الطموح، هو إعادة الاعتبار للتراث المادي واللامادي وإعادة تثمين صناعة الصياغة الفضية.
 
ولأننا نتوفر على مهارات، ومدارك مهنية ثمينة، ليس فقط داخل الجماعة الحضرية لتيزنيت، ولكن في إقليم تيزنيت ككل (منطقة أنزي (إمي أكني) وإداوسملال نموذجا، ...).
فكيف سنعيد الاعتبار لهذا الموروث؟ ... رغم أننا أضعنا الكثير من الوقت..!
لا بد من أن ندافع على ثقافة مفادها أن منتوج الصناعة التقليدية الممتاز والرفيع الجودة مطلوب الآن، بحيث أصبح عنصرا أساسيا في مجال التنمية والإشعاع الثقافي.
 
فتحضير وصناعة المجوهرات هي من المهن الفنية، التي تتموقع على مفترق الطرق بين ما هو اقتصادي - تجاري وما هو ثقافي - تراثي، وتتميز بالتنوع الكبير في مجالات نشاطها (الفنون النارية، والمنسوجات، والخشب، والحرف اليدوية، وترميم القطع التراثية، وما إلى ذلك) كما تتميز بالملامح الاقتصادية والاجتماعية لممتهنيها (حرفيون، فنانون مستقلون، مصانع، صناع في ورشات، ...). إلا أن قاسماً مشتركاً يجمعهم جميعا، وهو التميز في الخبرة والاشتغال في وظائف عالية المهارة.
 
لذلك، تم إدماج هذا العنصر التراثي، منذ سنة 2008 ، في برنامج شمولي تحت عنوان ''إعادة الاعتبار للتراث''، ونعني بذلك كل ما هو تراثي (المادي منه واللآمادي والطبيعي) مع الشروع في فتح حوار مع مصالح الصناعة التقليدية، التي بدأت تستشعر منذ ذلك الوقت مدى أهمية هذه الثروة، ومدى أهمية تثمينها وإعادة تأهيلها تنظيميا وتقنيا. فبدأ المهنيون يتنظمون وقتها على شكل تعاونيات وجمعيات مهنية.
 
وتم الانخراط الفعلي في مشروع دار الصانع بهدف رد الاعتبار لهذا الموروث التراثي والحرفي من أجل خلق ظروف مثالية لتطوير الصياغة الفضية كمهنة فنية راقية، وفي نفس الوقت، العمل على بناء متحف للمجوهرات بمدينة تيزنيت في قلب منطقة العين الزرقاء في قصبة أغناج، بتعاون مع الفاعلين المؤسساتيين ومع التعاونيات المهنية، ليكون وعاء لاستقبال وحدات المعرض ومختلف عروض المجوهرات وورشاته، ولوضع تيزنيت في أحسن ظروف التأهيل وأفضل تموقع للوصول إلى هذه الغاية.
 
مع العلم أن هناك تقدم وتراكم فعلي في هذا المجال، بحكم أن تيزنيت عرفت نماذج للصناعة التقليدية في مجال الحلي ذات طابع استهلاكي سياحي، بماركات مسجلة، إذ تطورت هذه الإبداعات الجديدة، وتم خلق فضاءات ملائمة لعرض المنتوج، والشروع في تكوين مجموعات collections de bijoux anciens، لتغذية هذا المتحف التراثي والحفاظ على تراثنا المادي واللآمادي لكي لا يضيع، مع تنمية الثقافة لدى الصناع بأهمية التحف الفنية والحرص الشديد على عدم تذويبها، في ظل شح المادة الخام وصعوبة الحصول عليها، والحرص على مد الصناع التقليديين قدر الإمكان بحاجياتهم بأثمنة مقبولة، مساهمة في تطوير المهنة وضخ دماء جديدة في المجال عن طريق التكوين والتأهيل التقني والفني والهيكلي النظيف والصحي.
 
هذا، مع دراسة إمكانية استخدام الآليات الحديثة والتنظيم العصري في مجال المقاولات الصغرى والصغيرة جدا، لإدماج حاجياتهم وتطوير قدراتهم على الإبداع والخلق والإنتاج، وجعل الحرفيين والمهنيين يندمجون في تطوير وضعهم الاجتماعي كمقاولين يستفيدون من كل حقوقهم الاجتماعية، بما فيها الصحة والتكوين والسكن والتقاعد، ... ولكي لا يبقوا دائما مجرد صناع مهملين في دكاكين ضيقة.
 
وقصة هذا الحلم المتمثل في وجود عدد من التجارب الناجحة في هذا المجال بمختلف المدن خارج البلاد. وقد سبق لي أن زرت عدة مناطق ومدن في أوروبا، وهي مدن صغيرة أقل حجما من مدينة تيزنيت، استطاعت بطموحها، وبعد نظر مسؤوليها، أن تخلق طـفرة نوعية، يسمح لها اليوم أن تثبت وجودها وترسخ شهرتها، من خلال مثل هذه اللقاءات الدولية التي تنظمها كل سنة في فضاء مهيئ لذلك، ومجهز بكل شروط الاستقبال، بفضل هذا النوع من المبادرات، أضحت مثل هذه اللقاءات الدولية أساسية للتنمية المستدامة ولرفع هذا التحدي والارتقاء بسقف الطموح.
 
وغير بعيد عنا ، نورد كنموذج مدينة سانت أمون مونغون، Saint-amand-montrond بجهة الوسط بفرنسا، عدد سكانها  9.459نسمة، تعتبر مدينة الذهب، وهي المركز الفرنسي الثالث لصناعة المجوهرات الذهبية بعد باريس وليون. وشيد بها متحف للذهب. 
 
وانخرطت مدينة سانت أمون في شبكة "المدن والمهن الفنية "Ville et Métiers d’Art  التي تم إحداثها في سنة 1992 بمبادرة من المنتخبين المحليين، وتضم 106جمعيات محلية (مدن كبرى ومتوسطة وصغيرة). وهي تجمع الآن حوالي 610 بلدية. وتهدف الشبكة إلى تشجيع تطوير ونقل هذه المعرفة الفنية الاستثنائية. وحصلت الشبكة على علامة مميزة Label يمنحها خبراء ومهنيون مرموقون لمدة 5 سنوات.
 
لدينا في تيزنيت قدرات لتنظيم هذا الصالون الدولي للصياغة الفضية، وتعزيز موقع هذا المركز المخصص للعروض الدولية، ولو لمدة أسبوع من كل سنة، بقدراتنا الذاتية. مما سيضمن لنا تسجيل تيزنيت كمدينة للفضة بين قريناتها في العالم، وكذلك ضمان انخراط مدينتنا في شبكات المدن المتخصصة في تلقي العروض ونقل المعارض في عملية تبادلية مع مثيلاتها في العالم.
 
وهذه أنشطة إشعاعية كبيرة، تضمن القدرة على الاستقطاب والتنظيم والتأهيل وتحسين المردودية المادية منها والرمزية. مما سيجعلنا في وضع أحسن وأفضل مما نحن عليه اليوم.
فهل ستبقى عجلتنا تدور على فراغ، أم سنرفع من سقف طموحاتنا؟