بونهير بومهدي: الحجام والراديولوݣ.. حكاية أمي

بونهير بومهدي: الحجام والراديولوݣ.. حكاية أمي الدكتور بونهير بومهدي
تتذكر والدتي دائمًا تلك الليلة المؤلمة.. كان المهدي الصغير فتىً مفعماً بالحيوية والفضول، عيناه تتلألأ بالذكاء وابتسامة مبهرة.
 
عندما كان صغيرا جدا، كانت حياته تدور بين الألعاب في الحقول وفي الأزقة المتربة في حيه وكذلك في الاكتشافات المدرسية التي سكنت خياله.
 
لكن في أحد الأيام، أوقف ألم لا يطاق حياته اليومية.
كان يعاني من ألم حاد ومزعج في أسنانه، جعله طريح الفراش، وخديه مبتلتين بالدموع.
 
بعد ساعات من المعاناة، قرر والده، رغم مرضه ومعاناته، ولكن كرجل ذي مبادئ بسيطة وقرارات سريعة، أن يستعين بحجام الدرب سي قاسم، وهو رجل ذو يد قاسية ونظرة غير مطمئنة للغاية
 
في هذا الحي المتواضع، كان الحجامة يقومون بما هو أكثر بكثير من مجرد حلق اللحى وقص الشعر؛ كانوا أيضًا صناع الأسنان وقاطعي القلفة: الختان التقليدي.
 
كان مهدي ممسكاً بيد والده وينظر بخوف إلى الأدوات التي يحملها الحجام..أشار الأخير له بعدم التحرك بعد الآن.
 
لقد كانت لحظة من الهلع.
 
اعتقد الحجام بأنه تعرف على السن المذنب، فسلحه بالكماشة بطريقة عنيفة.
 
صرخ المهدي من قاع حنجرته، ومزقت الصرخات الصمت.
مذعورة، انسلت والدة مهدي وشقيقته خلف الستار (الخامية).
 
وبعد الكثير من الصراخ والخلع المؤلم، يتوصل الحجام إلى قلع أحد الأسنان التي اعتبرها مريضة.
 
ولكن للأسف، أخطأ الهدف.
ازداد الألم، وشعر مهدي، الذي أنهكه البكاء والخوف، بموجة جديدة من المعاناة تغزوه.
 
الكابوس لم ينته بعد.
 
وبعد أن تفطن الحجام لخطئه، اضطر للعودة للبحث عن الجاني الحقيقي.
 
وقد كانت عملية الاقتلاع الثانية بنفس القدر من الفظاعة واكثر.
 
وأخيرا، تم خلع السن الإجرامي، وترك مهدي في حالة من السبات والارتياح.
 
بعد سنوات، أصبح مهدي طبيب أشعة، بعد جهد جهيد من الدراسة والخبرة.
 
في ذلك اليوم، بينما كان يساعد طفلاً صغيرًا على الدخول إلى جهاز الأشعة السينية لإجراء تصوير بانورامي لأسنانه، لم يستطع إلا أن يتذكر هذه الحادثة المؤلمة من طفولته، التي روتها له والدته، ودائمًا مع القليل من الدموع في عينها
 
عاد إليه وجه الحجام ويداه الخشنتان والألم الحارق الناتج عن التمزق.
 
نظر الحكيم للمريض الصغير بحنان خاص، متذكرًا خوفه وألمه.
 
التفت مهدي " الطبيب" إلى الأم وتقني الأشعة،أ لكي يساعده وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة.
 
همس للصبي ببعض الكلمات المطمئنة، مؤكدا له أن كل شيء سيكون على ما يرام.
 
هذه الذكرى الأليمة، عززت تصميمه على ممارسة مهنته بأكبر قدر من العناية والتعاطف.
 
يستحق كل مريض، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، اهتمامًا دقيقًا ومحترمًا.
 
في هذا اليوم، مع هذا الطفل الصغير في جهاز الأشعة السينية، شعر مهدي بحلقة تنغلق، وتحول الألم القديم إلى قوة ودرس حياة.