محمد عزيز الوكيلي: مرة أخرى.. الله يهديكم على بلادكم!!

محمد عزيز الوكيلي: مرة أخرى..  الله يهديكم على بلادكم!! محمد عزيز الوكيلي
إلحاقاً بالمقال السابق، والذي ضمّنتُه مؤاخذة هادئة، ولكنها معبّرة، لمثقفينا الذين أبدوا تأثراً واضحاً، وأحياناً مفرطاً، تجاه ما كان يقع في "فرنسا المنافقة" قبل نحو أسبوع أو أسبوعين، بمناسبة إجراء الدورتين الأولى والثانية لاستحقاقاتها التشريعية السابقة لأوانها، والتي اتضح أنها مجرد لعبة سمجة يمارسها المراهق ماكرون لحلحلة بعض معارضيه وتعريتهم أمام الملأ، ونحن نعلم علم اليقين بأنها "لن تُغنينا نحن ولن تُسمننا من جوع"... أقول: إلحاقاً بذلك، نعود اليوم لنُعيد الكَرّة، ولنخاطب نفس المثقفين والمؤثرين واليوتيوبر، المهتمين حالياً ومن جديد، وإلى درجة الهوَس، بما يدور في الولايات المتحدة الأمريكية، من صراع ذي أبعاد جد مختلفة وعاتية لأنها أمريكية بكل المقاييس، من خلال العنف المفرط الذي يعتريها بين كل تجربة انتخابية رئاسية وأخرى، ولا ريب أننا جميعا مازلنا نذكر الأحداث التي تلت نجاح الرئيس بايدن وتغلبه على سابقه ترامب بطريقة هوليودية، لا شك أنها كانت تفوح منها رائحة التدخل الخفي لمخابرات ذلك البلد القوي ودولته العميقة، لأسباب يدركها دهاقنتهم هم، ولا نملك نحن إلا متابعتها ومحاولة الوقوف على ما تقدمه لنا من دروس وعِبَر، وليس أكثر...
 
مناسبة الإلحاح على هذه العودة، إلى هذا الموضوع من جديد، أنه منذ أن بدأت الحملة الانتخابية الراهنة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ معها التدافع بين الجمهوريين والديمقراطيين في بلد العم سام، بدأنا نشاهد مرة أخرى عددا غير قليل من مؤثرينا ورواد وسائل التواصل الاجتماعي، في مغربنا البعيد كل البعد عن أمريكا خريطةً ومآلاً، "يَحيضون ويبيضون" كَرَّةً أخرى، وهم يُمنّون النفس بعودة مدوّية للرئيس السابق دونالد ترامب، بدعوى أن عودته ستحسم ملف وحدتنا الترابية، وتُنهي تَنَمُّر الجزائر وحلفائها، في جنوب إفريقيا وإيران على الخصوص، وتجعلنا نطوي ملف هذا النزاع المفتعل بصورة نهائية وقطعية، كما يقول بعضهم، وكأن الرئيس ترامب سيتبنّى مغربيتَنا ويتحول إلى "مغربي أكثر من المغاربة"، وسيضعنا بالتالي في مقدمة كل اهتماماته وأولوياته الوطنية هناك في بلاده، وربما حرّك من أجلنا بالمناسبة أساطيله البحرية وحاملات طائراته ليطوّق الجزائر ويرغمها على رفع الراية البيضاء، وبذلك، كما تقول الروايات التي قرأناها في طفولتنا الأولى، "نعيش في ثبات ونبات ونخلّف صبياناً وبنات"... فهل بلغت السذاجة بنا إلى هكذا مستويات مثيرة للسخرية، بل وللرثاء أيضاً؟!!
 
قبل ساعات من ساعة الله هذه، تعرض الرئيس المرتقب ترامب لمحاولة اغتيال فَتحت الأبواب على احتمالات لا حصر لها، ولكنها كلها رفعت من منسوب الالتفاف الجماهيري حول شخصه المشاغب والمثير للجدل، فما الذي حصل عندنا نحن بالذات، وهنا مربط فرس هذه العودة إلى الموضوع ذاته؟ لقد انقسم المتابعون والمعلقون عندنا إلى فريقين لا ثالث لهما، كما كان قد حدث بالتمام والكمال أثناء احتدام الصراع في الاستحقاقات التشريعية الفرنسية:
 
- فريق أول، ربما كاد يُغمى على مكوّناته، بسبب هلعه من مجرد فكرة تعرّض ترامب للقتل، لأنه يعتبر قضيتنا خاسرة في غياب هذا الأخير، وكأن ترامب هو الممسك بأزمة السياسة والدبلوماسيا المغربيتيْن، اللتين أثبت الواقع، بالمناسبة، أنهما "قادرتان وزيادة" على ربح كل التحديات التي وضعها اعداء وحدتنا الترابية في طريقنا، والتي دَاوَموا على وضعها أمامنا ومِن حولنا منذ أزيد من نصف قرن؛
 
- وفريق ثانٍ، تنفس الصعداء وتعالت أدعيته إلى الله "أن يحفظ السي دونالد من كل سوء"، ثم شرع من الآن يُجري حساباته الرياضية المعقدة جاعلا في نهاياتها نتيجة واحدة، ألا وهي اندحار أعداء وحدتنا الترابية، وأقصد على الخصوص، الجزائر وإيران وجنوب إفريقيا، وشيئا آخر شديد الضعف والصِّغَر اسمه "تونس قيس سعيّد"، ومن ثَمّ لم نجد صعوبة في تَبَيُّنِ صياحات هذا الفريق من شدة الغبطة والبهجة لنجاة السي دونالد من "محاولة اغتياله الآثمة"!!
 
العجيب أن هؤلاء المغاربة المحمومون لم ينتبهوا إلى أشياء أخرى صغيرة قد تبدو تافهة، ولكنها يمكن أن تفسر لنا ما حدث في أقوى دولة في العالم... فكيف ذلك؟!
 
أولاً: إنّ محاولة اغتيال ترامب لم تكن لتُضيع حقه في كل الأحوال، سواء نجحت أو فشلت... ذلك أنها في حالة فشلها، كما صارت عليه الحال في هذه الأثناء، فإنها ستخدم ترامب، بالذات، وتمنحه تذكرة الولوج السريع والكثيف إلى قلوب أمريكية وفيرة كانت قبل ساعات من محاولة الاغتيال مترددة في تغليب الكفة بينه وبين غريمه بايدن، الذي بدا عليه خلال مقابلتهما الإعلامية الأولى ضعفٌ ووهنٌ شديدان وتَشَتُّت واضح في الحركة والقول، وهذا ينقلنا إلى القول إنّ الذين خططوا لهذه المحاولة كانوا أغبياء إلى أقصى الحدود!!
 
فماذا كان سيحدث لو أن هذه المحاولة انتهت إلى نجاح، وصار ترامب على إثرها في عِداد الأموات؟ بكل تأكيد، كان ذلك سيشعل حرباً أهلية قد يكون لها أوّل ولكن قد لا يكون لها آخر، ولا ريب أننا جميعاً نتذكّر ما فعله المتعاطفون مع ترامب غداةَ انهزامه غير المتوقع في الرئاسيات السابقة أمام بايدن، حيث خرج هؤلاء وهم مدججين بالأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية فاحتلوا مبنى الكونغرس مهددين بإشعال تلك الحرب الأهلية في أي لحظة!!
 
نفهم من هذا أن مدبري محاولة اغتيال ترامب أبانوا عن غباء أشد وأفظع مما أظهروه بمجرد إقبالهم عليها، لأن النتائج المحتملة في حال نجاحها كانت ستودي بالولايات المتحدة بالكامل، ومعها كل البورصات والأسواق العالمية، وكل موازين القوى في العالم، والتي كانت أمريكا الحارس العنيد والعتيد عليها منذ سقوط جدار برلين وإلى غاية يومه!!
 
ثانياً: لقد اتضح من المعطيات الإخبارية الأولى، التي أمكن استخلاصها من الإدارة والإعلام الأمريكيَيْن، أنّ الذي نفّذ محاولة الاغتيال شاب في العشرين من عمره، سبق له أن بث هو نفسُه فيديوهاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يُعلن فيه بالصوت والصورة حقدَه الدفين على الرئيس ترامب، دون أن يبيّن الأسباب، ولكنه كان في غاية الاحتداد والاحتدام والغضب، مما يبرر انتقاله بعد ذلك بحقده الكلامي إلى حقيقة الفعل وسُدَّةِ الواقع الملموس... بيد أنه بإمعان النظر إلى نوعية السلاح المستعمَل، وعيار الرصاص المستخدم فيه، يتبيّن أن الأمر يتعلق بفتى هاوٍ ربما كان تحت تأثير مخدر أو غيره، ولكنه أبعد ما يكون عن القتلة الاحترافيين، الذين تتوفر عليهم أو تستعين بهم الوكالة الأمريكية للمخابرات، السي آي إي، التي لو كانت ترغب في اغتيال ذلك المرشح الرئاسي لفعلت بإحدى أكثر من مليون طريقة، وبأسلوب أقل استعراضاً وسينمائية!! ثم إن أجهزة تلك المخابرات، بالذات، إنما تعمل على الدوام لمافيه مصلحة وطنها، وبالتالي لا يمكن لها ان ترتكب فعلا كهذا بكل ما ذكرناه من الخطورة على البلد وأهله، وعلى حاضره ومستقبله، وخاصة على موقعه الريادي في كل تراب المعمورة!!
 
ومرة أخرى نعود، لنُعيد القول لمؤثّرينا بأن دونالد ترامب أو غيره لن يغيّر شيئا من مسار قضيتنا الوطنية الأولى، لأننا نمسك بكل حزم وقوة وكفاءة بأزِمّتها، سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً، وكذلك على الصعيدَيْن الاقتصادي التنموي والاجتماعي الإنساني... فليذهب كل ما عدانا في هذا الملف بالذات إلى الجحيم... لعلمنا بأن أي دعم يمكن أن يصلنا من أي رئيس أمريكي سواء كان ترامب أو بايدن أو غيرهما لن يتعدى مستوى القشور والسطوح، أما العمق فقد حسمنا فيه بعقولنا وأيدينا وقواتنا المسلحة الملكية منذ زمن... والأيام بيننا!!!
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي