عبد الرفيع حمضي: مغرب الألتراس

عبد الرفيع حمضي: مغرب الألتراس عبد الرفيع حمضي
كم هي جميلة ملاعبنا عندما ينتصب فيها شبابنا، بنظام وانتظام. واقفون كرجل واحد،لمدة لا تقل على تسعين دقيقة -ما لم تكن هناك أشواط إضافية -يؤدون أناشيدهم وشعاراتهم خلف مايسترو يسمونه في لغتهم "بالكابو " وبلباس متناسق، فيحولون الملعب، إلى أوبيرا ينشطها جوق جميل وكورال رفيع يطلق عليه الألتراس .
 
يعرف الأستاذ أكرم خميس الألتراس ULTRAS بأنها " كلمة يونانية تعني الشيء الفائق أو الزائد، وهي فئة من مشجعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها".
 
والالتراس ظاهرة عالمية،شبابية بالدرجة الأولى لا يخلو منها أي بلد. تعود بوادرها الأولى لأمريكا اللاتينية،وبالضبط البرازيل حيث تكونت أولى المجموعات المشجعة في مدينة ساو باولو سنة 1939.وأطلقت على نفسها اسم TORCIDA،لكن هناك من يعيد جدورها إلى سنة 1899 بدولة المجر .
بالعالم العربي فقد كانت تونس هي أول دولة يؤسس بها الألتراس تحت اسم "الأفريكان وينرز "سنة 1995 ،تشجيعا للنادي الإفريقي التونسي قبل أن ينتقل إلى فريق الترجي.
 
أما بالمغرب فنفس التباين في وجهات نظر حول جدور ظاهرة الألتراس. فالخلاف قائم بين ULTRAS ASKARI لفريق الجيش الملكي بالرباط و Green Boys لنادي الرجاء البيضاوي. لكن الاتفاق حاصل على أن 2005 كانت بداية الظاهرة بالمملكة المغربية.
 
الآن و2030 على الأبواب وبعد 20 سنة من تنشيط الألتراس للفضاءات الرياضية على امتداد الوطن .حيث تجاوز عددها 50 وإن كان أهمها وأنشطها حوالي 20 إلتراس.يحق لنا التساؤل، أية علاقة تم نسجها مع الظاهرة ؟سواء من طرف الإدارة المغربية؟ أو مسؤولوا الفرق الرياضية ؟أو الفاعلين المدنيين، من جمعيات وغيرها؟ أو من طرف المجتمع برمته؟
 
ما هي حصيلة جامعاتنا في مجال البحث حول الموضوع ؟كيف تناولت وسائل إعلامنا العمومية والخاصة الموضوع ؟مع حذرها الشديد .فهل هو حذر ناتج عن رقابة ذاتية صرفة؟أم عن خط أحمر وهمي وسريالي لا وجود له في الواقع؟
 
الإلتراس ظاهرة لا يمكن تدبيرها إذا لم يتم تحديدها وقياسها وتحليلها .ليس في المختبرات المغلقة، ولكن في فضاءات فكرية مفتوحة مدنيا وإعلاميا وبمشاركة وانخراط فعلي للمعنيين مباشرة. ماعدا ذلك سيستمر الخلط في أذهان الجمهور الرياضي وغير الرياضي.
 
سيستمر الخلط بين الألتراس كحركة سلمية والهوليغان كمجموعات عنيفة. سيستمر الخلط بين الألتراس، وشغب الملاعب.
 
وبينها وبين الحركات الاحتجاجية. بل هذا الغموض وهذا الحذر المبالغ فيه،يشجع بعض المليشيات في الفضاء الأزرق الترويج للأكاذيب والمغالطات.
 
إن مغرب المؤسسات أصبح له الآن من القدرة والكفاءة وسعة الصدر ما يمكنه من استيعاب كل الظواهر الاجتماعية،بل كل الحركات الاجتماعية بما فيها الاحتجاجية .مع تدبير الاختلاف حولها في غالب الأحيان بشكل حضاري.
 
إن البناء الرياضي ببلادنا يتقدم بخطوات ثابتة سواء على مستوى البنية التحتية أو الموارد البشرية أو النتائج حتى، وفق استراتيجية طموحة تسعى إلى الارتقاء بالرياضة وكرة القدم خاصة، إلى صناعة وطنية،من شأنها المساهمة في التنمية .
 
بخلاف زمن الدكتور المهدي المنجرة رحمه الله حينما كانت "الشعوب المتخلفة ترى في الكرة كل شيء وهي في الأصل لا شيء".
 
فلا يعقل أن لا يواكب هذا المجهود ،عمل مواز على مستوى المكونات الأخرى للصناعة الرياضية .
أولها الجمهور، وذلك بتوفير محيط قانوني وتنظيمي يؤطر ويستوعب حماس الشباب وإصرارهم على التضحية من أجل فريقهم المفضل.
 
ـ ثانيا: لا بد من إعلام رياضي مهني يساهم في تربية الجمهور بتفكيكه للفعل الرياضي دون السقوط في التحريض وإذكاء نزعة الكراهية بين الجماهير الرياضية،التي يحركها في العالم كله أحاسيسها وعواطفها بالأساس.
 
ـ ثالثا : إن الظواهر المرتبطة بالرياضة، ومنها الألتراس ليست"لعب عيال" إنها ظواهر مركبة وتفكيكها من مسؤولية الجامعة والباحثين. حتى يسهل التعامل معها عوض، تركها وجها لوجه مع الإدارة الأمنية فقط .التي تبقى وفية لدورها الرئيسي وهو المحافظة على الأمن العام.
إن الألتراس الذين يمنحون "لأتاي السبت والأحد" نكهة خاصة لمن يتابع المباريات الرياضية وأخبار البطولة عبر الشاشة .يشكلون لا محالة قيمة مضافة لعالم الرياضة والفرجة. وإقحامهم بجرة قلم من طرف البعض، مع الحركات الاحتجاجية بخلفية سياسية -وإن كانوا يتفاعلون من حين لآخر مع بعض الأحداث الوطنية القومية أو العالمية -هو من باب أحكام القيمة ومن باب الاختصار Raccourcis في تحليل الألتراس ولهذه الحركات الاجتماعية، في تعبيراتها الجديدة .والتي يؤكد أحد كبار السوسيولوجيين الأمريكيين CHARlES Tilly على ضرورة توفرها على ثلاثة عناصر أساسية محددة لها ، وهي البرنامج والهوية والموقف.
 
وفي الأخير فإن الألتراس الذين وضعوا لأنفسهم (نظام عدم وجود نظام) فإنهم تؤطرهم قواعد ومبادئ يلتفون حولها،أهمها الاستقلالية والتمويل الذاتي والولاء والتضامن.
 
أما تلك اللوحة الفنية التي يطلقون عليها "التيفو" ستبقى تزين المدرجات والملاعب الرياضية في جمالية تعكس إبداع وتنافس الألتراس .