في السنوات الأخيرة صار مطلوبا البحث عن بدائل أخرى للكهرباء من أجل المساهمة في خفض تكلفة تحلية مياه البحر، لأنه كما نعلم بأن معضلة التكلفة هي الرهان الكبير التي تحد من انتشار محطات التحلية. المغرب في السنوات القليلة الماضية أصبح في حاجة ماسة إلى استراتيجية تحلية المياه للحد من التأثيرات المناخية، وكذلك إيجاد هاد المادة الحيوية التي يبنى عليها الإقتصاد الوطني وكذلك الحياة البشرية.
ومعلوم أن الطاقة الكهربائية التي تولد من الطاقة النووية تعتبر رخيصة بالمقارنة مع باقي المصادر الأخرى سواء المصادر المتجددة أو المصادر الأحفورية، إلا أن الطاقة النووية للأسف لا تعتبر ضمن المصادر المتجددة.
وقد تأخر المغرب في استعمال الطاقة النووية، خصوصا في إنتاج الكهرباء الضرورية لتحلية مياه البحر.
وهذا يرجع لعدة أسباب: منها أسباب موضوعية داخلية، وأسباب دولية خارجية. من بين الأسباب التي دفعت المغرب إلى عدم التفكير جديا في استعمال الطاقة النووية من أجل إنتاج الكهرباء الضرورية لتحلية مياه البحر، وهو أن المغرب كان قد سطر برنامجا وطنيا واستراتيجية وطنية طموحة للطاقات المتجددة التي تروم إلى إنتاج أكثر من نصف الحاجيات الكهربائية الوطنية في السنوات القليلة المقبلة، في أفق 2023.
وعندما وضع المغرب اللبنات الأولى لهذه الاستراتيجية منذ سنة 2009 لم يكن الإكراه المائي ذو أولوية، والإجهاد المائي لم يكن يعني بالحدة التي يعرفها المغرب حاليا. إلا أنه في السنوات الست الأخيرة عرف المغرب فترة جفاف غير مسبوقة، مما جعل الإكراه المائي ذو أولوية كبرى.
وأصبحت حتى سياسة السدود التي كان يتميز بها المغرب، لم تعد كافية على اعتبار أن السدود يعني ترتكز أصلا على التساقطات التي بدورها قلت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وبالتالي أصبح المغرب مطالبا بالبحث على مصادر كهربائية أخرى جديدة للإستثمار، يعني في محطات تحلية مياه البحر.
على الرغم من أن المغرب يحظى بثقة كبيرة لدى المنتظم الدولي، خاصة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهناك عدة اتفاقيات أبرمها المغرب مع الوكالة الدولية، إلا أن من بين الأسباب الخارجية التي من المحتمل أن تكون سببا في تأخر المغرب على الاستثمار في الطاقة النووية، خصوصا في إنتاج الكهرباء الضرورية للمياه، تحلية مياه البحر، وهو احتمال تحفظ الدول الغربية بصفة عامة وحلفائهم عن إستعمال دول شمال إفريقيا بالخصوص للتكنولوجيا النووية.
حتى وإن كانت هذه الاستعمالات استعمالات سلمية، وهذا راجع بالأساس إلى التخوفات الموجودة لدى الدول الغربية من احتمال الإنتشار النووي في المنطقة، وكذلك من مدى التأثيرات المحتملة لهذا الانتشار سواء على الأمن الإقليمي وكذلك على التوازنات الجيوإستراتيجية.
هذا من جهة، من جهة أخرى فالإتفاقيات الدولية والمعاهدات الدولية خصوصا معاهدة عدم انتشار الأسلحة المعروفة اختصارا بال إم بي تي، تفرض قيودا كبيرة على نقل التكنولوجيا النووية الحساسة، سواء كانت للاستعمالات السلمية، أو كذلك الاستعمالات البحثية، أو الاستعمالات حتى العسكرية أو استعمالات أخرى. هذه مسألة مهمة جدا، قد تكون من العوامل التي تعيق استعمال الطاقة النووية في تحلية مياه البحر.
نقطة مهمة أخرى، وهو نقص التكنولوجيا والخبرة اللازمة للإستثمار، يعني في البنية التحتية الضرورية للإنتاج النووي في المحطات النووية، كما هو معلوم يعني تتطلب مجموعة من التكنولوجيات الخاصة ومجموعة من الخبرات الضرورية، وكذلك التمويلات الكبيرة. لأن الاستثمار في الطاقة النووية ليس سهلا، وقد يعتبر من بين أولى التحديات، وأولى العوائق التي تحد من الاستثمار في الطاقة النووية باعتبار المخاوف البيئية من تسرب النفايات النووية وتأثيرها السلبية على الطبيعة والإنسان والسلامة، خصوصا أن العالم عرف مجموعة من الكوارث جراء هذه المحطات النووية، كتشرنوبيل في روسيا ومحطات نووية في اليابان. وهذه الدول من الدول الرائدة في امتلاك التكنولوجيا النووية، وبالرغم من ذلك وقعت هذه التسربات والكوارث التي لازال التاريخ يذكرها.
كل ذلك قد يكون من بين العوائق التي تأخر بها المغرب عن العزم الحقيقي في الاستثمار في الطاقة النووية.
ولكن هناك مؤشرات أخرى تدل على أن المغرب يحظى بثقة مهمة مقارنة مع مجموعة من الدول الأخرى في امتلاك الطاقة النووية السلمية التي قد يفكر في استعمالها مستقبلًا في إنتاج الطاقة الكهربائية الضرورية لتحلية مياه البحر.
وللتذكير فقط، فإن المغرب منخرط تقريبا في جل المعاهدات الدولية والمواثيق الدولية المتعلقة بالسلامة وبامتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، نذكر من بينها، على سبيل المثال أنه عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ سنة 1957 وهو من بين الأعضاء المؤسسين للوكالة بالإضافة إلى أنه كان قد وقع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في أواخر 1968.
وأصبح طرفا في هذه المعاهدة في 1970، بالإضافة إلى أن المغرب كان قد وقع البروتوكول الإضافي لاتفاقية الضمانات الشاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شتنبر 2004، وهو الشيء الذي عزز موقع المغرب وعزز التزامه بالشفافية في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية.
نذكر كذلك أن المغرب كان من بين الدول التي وقعت على اتفاقية الأمان النووي سنة 1994، والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 1996.
بالإضافة إلى أن المغرب كان قد انخرط في عملية تأهيل العنصر البشري، في إطار استعمال الطاقة النووية للأغراض السلمية، إذ تعاون مع فرنسا من خلال إتفاقية التعاون النووي السلمي التي كانت سنة 1989 والتي بموجبها تمكن هذا الاتفاقية من التدريب وتبادل الخبرات في مجال الطاقة النووية.
وفي سنة 2014، وقع المغرب اتفاقية أخرى تتعلق بالتعاون مع روسيا لتعزيز التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، سواء إنتاج الكهرباء أو إجراء الأبحاث العلمية الضرورية باستعمال الطاقة النووية.
والمغرب في الحقيقة، عمل على تطوير بنيته التحتية النووية منذ سنوات، إذ باشر إلى إنشاء مركز خاص وهو المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية، سنة 1986، وهذا المركز يعهد إليه كل ما يعنى بالبحث والتطوير والتدريب في المجال النووي.
والمغرب بالفعل امتلك مفاعلا نوويا للأبحاث العلمية، وهو مفاعل صغير يوجد بمنطقة المعمورة بالقرب من الرباط، والذي تم تشغيله فعليا سنة 2007، وكان تحت إشراف ودعم مباشر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
المغرب من بين الدول التي هي واعية باستعمال التكنولوجيا النووية في ظل الإكراهات الطاقية الحالية. الإجراءات التي قام بها مع عدد من الدول كالصين او روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا في إطار تبادل الخبرات كلها تصب في أن المغرب عازم فعليا ومستقبلا للانخراط في إنتاج الطاقة الكهربائية على الخصوص من مصادر نووية واستعمالها في تحلية مياه البحر، اعتبار أن تحلية مياه البحر من الاستراتيجيات التي يركز عليها الإقتصاد الوطني.