في المعرض الوطني للكبار بأسفي "بَكَّانِي رْكُوبْ الْخَيْلْ.. الْحَبَّةْ مَغْشُوشَةْ وَالْبَارُودْ قْلِيلْ"

في المعرض الوطني للكبار بأسفي "بَكَّانِي رْكُوبْ الْخَيْلْ.. الْحَبَّةْ مَغْشُوشَةْ وَالْبَارُودْ قْلِيلْ" محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري

خلف المعرض الوطني لِلْكَبَّارْ بمدينة أسفي في دورته السادسة، والذي نظم هذه السنة من يوم 3 إلى 7 يوليوز 2024، جرحا عميقا، ونقاشا ساخنا وحادا بين مجموعة من المتدخلين والمنظمين والمشاركين والمساهمين، إلى جانب الجمهور الغفير المتعطش للاستمتاع بلحظة فرح تمنحه جرعة من الطاقة الإيجابية للتخفيف من عبء الصراع مع إكراهات العيش في زمن الغلاء وتوالي الضربات الموجعة على جميع المستويات.

جريدة "أنفاس بريس" تنقل للقراء أجواء هذا الحدث الوطني، وبعض الأسئلة التي تلاحق الجهات المنظمة للمعرض الوطني لِلْكَبَّارْ، الذي افتتحه وزير الفلاحة والصيد البحري، وغاب عنه عامل إقليم أسفي، أسئلة يتداولها مراقبون ومهتمون إلى جانب الرأي العام المحلي والوطني، من قبيل كيف تمت صياغة فقرات برنامج المعرض الوطني لِلْكَبَّارْ؟ وما هي القيمة المالية لميزانية صفقة الدورة السادسة للمعرض؟ وما هو نصيب عروض التبوريدة من هذه الميزانية /الصفقة؟ ومن قرر استدعاء علامة الخيل لحضور التكريم والتتويج داخل القاعة بعيدا عن محرك الخيل والبارود؟

ـ المعرض الوطني للكبار يشكل نقطة ضوء اقتصادية واجتماعية ولكن؟

كل المتتبعين والزوار وضيوف المعرض الوطني لِلْكَبَّارْ أشادوا بجمالية فضاء وأروقة المعرض، من حيث تنوع المنتوجات المعروضة سواء ذات الصلة بالْكَبَّارْ أو مختلف النباتات العطرية والزيوت وما إلى ذلك من مستخرجات صناعية تتعلق بتثمين سلاسل بعض المنتوجات الزراعية، فضلا عن استقطاب عدد مهم من التعاونيات والجمعيات العارضة لمنتوجاتها المجالية من مختلف أنحاء المملكة. ولن نجامل أحدا إن أكدنا على أن فضاء معرض الْكَبَّارْ كان يغري بالتجوال بين أروقته والتسوق بكل حرية وأمان، وإرواء عطش سؤال الباحثين عن حاجاتهم داخل المعرض، بعد أن تم تأثيثه بكل شروط الممرات والزرابي ووضع الأغراس والورود عبر جل أبواب مداخله ومخارجه. وعند مدخل بابه الرئيسي كانت كل معالم الزينة تحيط به من أعلام ولافتات ومجموعات موسيقية تستقبل الوفود والزوار والضيوف. وهذا هو المفروض في مثل هكذا معارض وطنية تشجع المنتوج الوطني.

ـ تمييز مكشوف بين فضاء معرض الْكَبَّارْ وفضاء عروض التبوريدة؟

لكن للأسف الشديد، وبدون زيادة أو نقصان فإن الحالة البئيسة التي كان عليها فضاء محرك عروض التبوريدة، لا، ولن، ولم تشرف فرسان قبيلة عبد وأحمر المشاركين في هذه النسخة، الحاملين لمشعل الطريقة الناصرية، علما أن فضاء معرض الْكَبَّارْ غير بعيد عن فضاء عروض التبوريدة إلا بأمتار قليلة جدا، بل أن أبوابهما متقابلة وكانت معبرا للآلاف من الجمهور الذي حج من مختلف مناطق المغرب للاستمتاع بسنابك الخيل والبارود، لكنه صدم بفعل غياب العناية والاهتمام والحرص على إعطاء المكانة العالمية التي تستحق فنون ورياضة التبوريدة المغربية. فما هي أسباب هذا التمييز بين فضاء المعرض الوطني لِلْكَبَّارْ وفضاء عروض التبوريدة؟ وكيف تعاملت إدارة المعرض مع فرسان وخيول التبوريدة؟

ـ من المسؤول عن هذا الخصاص المهول في فضاء محرك التبوريدة؟

حين تجولت جريدة "أنفاس بريس" داخل فضاء محرك عروض التبوريدة يوم 2 يوليوز الجاري، تبين لنا أن الوضع لن يستقيم في غياب مدرجات تستقبل جمهور عشاق التبوريدة، وفي غياب مساحات واسعة تخصص لمرابط الخيول أمام خِيَّمِ عَلَّامَةْ الْخَيْلْ حتى تبقى بعيدة عن ممرات الزوار والضيوف وتفسح المجال لهم للتجوال والاستمتاع بأمن وأمان، والأغرب من ذلك أن الخيم الرسمية التي ستتقبل الوفود لم تكن كافية، وغير لائقة بحجم المعرض الوطني لِلْكَبَّارْ، دون الحديث عن غياب الحواجز الحديدية التي تحمي محرك التبوريدة من الاقتحامات المباغتة لبعض الأطفال الأبرياء وأمهاتهم وضمان أمنهم وسلامتهم.

أمام هذا النقص الفظيع من التجهيزات واللوجستيك الأساسي، مقارنة مع فضاء المعرض، كيف يمكن إنجاح حدث اقتصادي اجتماعي وطني في علاقة بعروض التبوريدة التي تستقطب آلاف المواطنات والمواطنين، في حين أن تغطية الإنارة ونقط الماء الشروب غير كافية نهائيا أمام مشاركة 27 سربة ومرافقيها؟

ـ لجنة توزيع البارود لم توفق في أسلوب وطريقة توزيع حصصه على العلامة

الأغرب من هذا وذاك، فالطريقة البائدة التي تم بها توزيع حصص البارود على علامة الخيل منذ اليوم الأول من فعاليات التبوريدة، والتي فرضتها اللجنة المكلفة بتوزيع مادة البارود كانت حقيقة عملية تقنية "متخلفة" ساهمت بشكل كبير في إفشال وتعطيل عروض التبوريدة في الزمان والمكان، وتتجلى في إلزامية إحضار بنادق "مْكَاحَلْ" التْبَوْرِيدَةْ من طرف "الْعَمَّارْ" وحشوها أمام مكونات لجنة البارود مما عطل عروض الفرجة، وخلق نوعا من العشوائية في التنظيم داخل المحرك، بحيث أصبح العلامة ينتظرون مدة زمنية طويلة لانطلاق العروض.

في هذا السياق، انتصبت أسئلة أخرى تتعلق باحترام كرامة ومصداقية الْعَلَّامَةْ وفرسان التبوريدة، على اعتبار أن كل مهرجانات التبوريدة بربوع الوطن، تتبع طريقة توزيع حصص البارود، كل يوم على العلامة حسب عدد البنادق وبعملية حسابية لا لبس فيها، حتى يتفرغ الفرسان لترتيبات ترتبط بطقوس وعادات التبوريدة داخل خيمهم وخارجها، خلاف ما وقع بأسفي حاضرة المحيط والتي تبوأ العلامة شرف البحراوي العبدي ممثل مُولْ الْبَرْﮜِي، يا حسرة الرتبة الثانية وظفر بالميدالية الفضية بجائزة الحسن الثاني بدار السلام هذه السنة.

ـ كانت الفرجة وغابت الحكمة والتبصر

رغم كل هذه المشاكل، تحدى فريق العمل المساند للجمعية العبدية للفروسية التقليدية، واستطاع العَلَّامَةْ والفرسان المشاركين في عروض التبوريدة بمهاراتهم وشجاعتهم، خلق الفرجة وصناعة الفرحة وانتزاع التفاعل المبهر مع الجمهور الغفير المتعطش والعاشق للتراث اللامادي وللموروث الثقافي الشعبي بأرض عبدة الشامخة، وسط المحرك الذي ينقصه الشيء الكثير، إلا أن النقطة التي أفاضت الكأس تتعلق صراحة بقرار توزيع شواهد المشاركة على علامة السَّرْبَاتْ بفضاء المعرض الوطني للكبار مساء يوم الأحد 7 يوليوز2024؟

ـ حين أحس علامة الخيل بالإهانة والحكرة وسط معرض وزارة الفلاحة

كانت ترتيبات توزيع شواهد المشاركة وتكريم بعض العارضات والعارضين بالمعرض الوطني للكبار محسومة ومرتبة، داخل قاعة أطلق عليها اسم "قاعة الندوات والعروض" وانطلقت عملية التكريم وتوزيع الشواهد، دون إعطاء المكانة اللائقة والمحترمة التي يستحق فرسان التبوريدة وخيولهم التي استقطبت الجمهور الغفير، حيث شعر أغلبهم بالغبن والْحُـﮜْرَةْ وكأنهم دخلاء ومتطفلين وسط فضاء تابع لوزارة الفلاحة، مما دفع البعض منهم للاحتجاج واستنكار المشهد البئيس ثم الانسحاب واتخاذ قرار جماعي بعدم إتمام عروض التبوريدة يوم الاختتام وهذا ما كان فعلا وتتبعت جريدة "أنفاس بريس" تفاصيله.

ـ أسئلة مقلقة في الحاجة إلى إجابة بعيدا عن لغة الخشب

بعد وقوفنا على بعض الاختلالات التي ساهمت فيها إدارة المعرض الوطني لِلْكَبَّارْ بأسفي بمواقفها السلبية والمحرجة إزاء فضاء عروض التبوريدة والاستهتار بسربات الفرسان والخيل الوافدة من منطقة أسفي وعبدة وأحمر، يمكننا أن نوجه بعض الأسئلة للقائمين على ترتيب فقرات برنامج هذا الحدث الوطني وهي كالتالي:

ـ هل بهذا الأسلوب وبهذه الطريقة سنعزز مكانة تراثنا غير المادي، والمرتبط بفنون ورياضة الفروسية التقليدية والصناعة التقليدية ذات الصلة بعدما أوصلنا فرسان التبوريدة للعالمية؟

ـ لماذا لم يقم وزير الفلاحة والصيد البحري بزيارة خاصة كالعادة لمحرك التبوريدة وتقديم التحية لفرسان التبوريدة والإطلاع على حالهم وأحوالهم؟

ـ ما هي الأسباب الحقيقية التي وقفت حاجزا أمام حضور ومتابعة عامل إقليم أسفي لكل ترتيبات المعرض الوطني لِلْكَبَّارْ، وتجهيزات فضاء عروض التبوريدة كعادته السابقة؟

ـ كيف يمكن معالجة هذه الأخطاء القاتلة التي عمقت جراح فرسان التبوريدة الذين حافظوا على هذا الموروث الثقافي الشعبي وخصوصا على مستوى كل ما يتعلق بالطريقة الناصرية التي رفعت من شأن التبوريدة على يد العلام شرف البحراوي ممثل إقليم أسفي بدار السلام؟

 ـ لماذا لا يعطي المسؤولون بحاضرة المحيط الأهمية والعناية اللائقة بتراثنا اللامادي، ولم يفكروا نهائيا في توفير فضاء ومحرك التبوريدة بمواصفات هندسية وجمالية تليق بهويتنا وموروثنا الثقافي والحضاري إسوة بما تقوم به الجامعة الملكية المغربية للفروسية سواء بدار السلام بمدينة الرباط أو بمعرض الفرس بمدينة الجديدة؟

ـ هل وزارة الفلاحة تعوزها الإمكانيات لتوفير العلف للخيول والجوائز والهدايا للفرسان، وهل تستطيع إدارة المعرض الوطني للكبار أن تفصح عن ميزانية الصفقة وما هو نصيب عروض التبوريدة منها؟

على سبيل الختم: تثمين وتحصين وضمان نجاح مهرجان التبوريدة بأسفي يتطلب المصداقية والنزاهة واستقامة بعض المتدخلين المحسوبين على المؤسسات المنتخبة، وإبعاد كل من يريد الركوب على صهوة الفرسان وخيولهم للوصول إلى كراسي المسؤولية، لأن ظاهرة  استغلال تراثنا اللامادي أصبح سلوكا وطريقا عابرا لتحقيق الريع الإنتخابي كما هو الحال في أندية كرة القدم.