إذا كانت الديمقراطية بشكل عام تهدف إلى اتخاذ القرارات التي تمس المصالح الجماعية للمجتمع ككل، حيث يكون للأفراد حق المشاركة فيها بشكل متساو. فإن الانتخابات هي الآلية التي تمنح للمواطن هذه الفرصة للمشاركة في صناعة القرارات وبلورة السياسة العامة ، الاقتصادية منها والاجتماعي.
وبذلك تكون الانتخابات عملية سياسية بالدرجة الأولى لم يغفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في مادته 21 " إن لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون اختيارا حرا".
ولهذا استقر المجتمع الدولي على معايير دولية قوامها :
ـ انتخابات حرة عادلة و دورية .
ـ ضمان حرية الاقتراع وسريته.
ـ الالتزام بمبدأ شخص واحد صوت واحد.
وحسب الأجندة الدولية للانتخابات، فإن سنة 2024 هي السنة التي تشهد أكبر عدد من الانتخابات في تاريخ العالم .حيث هناك 76 بلد من أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا معنية بالانتخابات هذه السنة سواء رئاسية أو تشريعية أومحلية. حيث يقدر عدد المشاركين في هذه الانتخابات أربعة ملايير مصوت أي نصف سكان العالم الذين بلغ ثمانية ملايير في يناير 2024،لتبقى الهند البلد الذي يعرف أكبر عملية انتخابية حيث تتم عبر سبع مراحل ويشارك فيها حوالي مليار مصوت.
أما القارة الإفريقية في هذه السنة وفي هذا العدد الوافرمن العمليات الانتخابية تأتي بعد أوروبا.
ووجب التذكير هنا أن الانتخابات رغم أنها عرفت مند عهد اليونان والرومان فإن الطفحة الكبرى سجلت في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وخاصة بعد انهيار حائط برلين. إلا أن التحدي الأكبر الذي واجه عددا من الدول ولازال هو النقص الحاد في الخبرة الإدارية لإدارة الانتخابات بعدما تتوفر الإرادة السياسية الصادقة طبعا. وبذلك تكون الانتخابات هي كذلك عملية إدارية صرفة لتبقى شرعية الانتخابات مرهونة بنجاعة إدارتها ضمانا للاستقلالية والحياد والنزاهة والشفافية والكفاءة والمهنية.
ولهذا عندما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ليلة 9 يونيو عن حل الجمعية الفرنسية الوطنية وتحديد يوم 30 يونيو لإجراء الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها ويوم 7 يوليوز الدورة الثانية .لم يكن أحد يشكك في قدرة الإدارة الترابية الفرنسية على تنظيم هذه الانتخابات المفاجئة التي حددها رئيس الدولة وفق الصلاحيات التي يخولها له الدستور رغم أن البلاد بأتمها غارقة في الاستعدادات للألعاب الأولمبية لصيف هذه السنة والتي ستنطلق يوم 26 يوليوز.
وهكذا لم يتساءل أحد هل اللوائح الانتخابية محينة ؟ وهل المنصات الالكترونية للتصويت جاهزة ؟ ولا هل الصناديق موجودة؟ وأقفالها محكمة ؟ كما لم يتساءل أحد هل المراقبون تم اختيارهم ؟ وهل استفادوا من الدورات التكوينية ؟ولا هل حددت مكاتب التصويت ؟وخانات تعليق صور المرشحين.؟
كما لم يتساءل أحد هل تم إعداد بطاقات التصويت ؟ ولا هل الحكومة تتوفر على ميزانية الضرورية لهذه العملية الانتخابية أم لا.؟
على ذكر الميزانية، تفاجأت وأنا أراجع تكاليف الانتخابات لبعض الدول القريبة حيث استوقفني رقم 330 مليون دولار قيمة الاعتمادات المالية التي خصصتها الحكومة الجزائرية للانتخابات الرئاسية المقبلة في الوقت الذي كلفت الانتخابات الإنجليزية 177 مليون دولار و بلغت 150 مليون دولار قيمة التكاليف الانتخابات التشريعية بالمغرب (1,5 مليار) درهم سنة 2021. أما الانتخابات الرئاسية الأخيرة للجمهورية الموريتانية فلم تتجاور تكاليف تنظيمها 2,5 مليون دولار.
فلكم أن تتخيلوا لو أن الرئيس الجزائري عبد المجيد، فضل توزيع المبلغ على السكان في (ديمقراطية ) مباشرة، فكم سيكون نصيب كل فرد؟ أكيد الخير والبركة وما يساهم في اخراج الجزائريين من الحاجة الجماعية.
ومن حكايات الانتخابات أنه في سنة 2016 شاركت في مراقبة الانتخابات التشريعية الأردنية ضمن وفد يضم 140 مراقب دولي وكان من نصيبي منطقة البثراء والنواحي ورغم ان المملكة الأردنية الهاشمية تقع في منطقة جد حساسة فقد عرفت حياة نيابية منذ 1947 تاريخ انتخاب اول مجلس نيابي .لتكون الحصيلة إلى الان 18 مجلس منتخب
وكنت كلما دخلت إلى مكتب للتصويت مع مرافقي إلا وأول ما تقع عليه عيني هو إعلان بمنع حمل السلاح داخل المكتب. وقد اعتبرت الأمر عاديا رغم غرابته خاصة أنني لاحظت أن الإدارة الانتخابية لم تجهز مداخل مكاتب التصويت بمعدات كشف الأسلحة ولو في حدها الأدنى. لكن في أحد المكاتب في منطقة شبه حضرية ما أن وطأت قدمي باب مركز التصويت حتى سمعت صوت إطلاق النار في محيط المركز لينتصب أمامي سؤال محير هل فشلت الديمقراطية في إخماد صوت الرصاص ؟