عبد الرفيع حمضي: فرنسا … ساعة المجد

عبد الرفيع حمضي: فرنسا … ساعة المجد عبد الرفيع حمضي
منذ أن أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية سنة 2017، عن فوز باريس باحتضان الألعاب الأولمبية الصيفية 2024 في مواجهة مدينة قوية مرشحة هي لوس أنجلس الأمريكية بعد انسحاب هامبورغ الألمانية وروما الإيطالية، وعاصمة الأنوار ووراءها الفرنسيون وفرنسا بمؤسساتها الإدارية والرياضية والسياسية، تستعد على قدم وساق لهذه المناسبة الكونية، التي ستشد أنظار العالم اليها من 26 يوليوز إلى 17 غشت.وهي ثالت ألعاب أولمبية صيفية تحتضنها باريس حيث كانت الأولى سنة 1900 إبان حكم الرئيس Emil loubet باسم التحالف الديمقراطي والثانية سنة 1924 في ظل ولاية الرئيس Gaston Doumergue عن الحزب الرايكالي -الاشتراكي .
 
وبعد قرن من الزمن هاهي نفس الألعاب تنظم بنفس العاصمة لكن هذه المرة تحت سقف ولاية غريبة يقودها امانويل ماكرون . التي اجتهد علماء السياسة ليجدوا لها تصنيفا ملائما هو، الشعبوية populisme وهي التعبير السياسي عن مرحلة التفاهة la médiocrité . ولعل أجود ماكتب في الموضوع هو كتاب بنفس العنوان للفيلسوف الكندي Alain Deneault .
 
أولمبياد صيف 1924 انطلقت يوم 5 يوليوز قبل الانتخابات الرئاسية ب21 يوما فقط .أما أولمبياد صيف 2024 ،التي سيشارك فيها 10500 رياضي ورياضية ، نصفهم نساء سيتبارون في حوالي 32 نوع رياضي .فستقام 20 يوما كذلك، بعد الجولة الثانية للانتخابات التشريعية .
 
إنه مكر التاريخ الذي لا يعيد نفسه وإن تشابهت الأحداث والمعطيات والسياقات .
فالسياق السياسي لرئاسيات 1924 كان أبطاله رجال دولة les Hommes d’Etat
أما قطار التشريعيات الحالية فيقوده لاعبوا السياسة Les politiciens والبون بينهما شاسع .
 
"وقد قرأت أخيراً حكمة وجيزة وجديرة تفوه بها رئيس الجمهورية الفرنسية رينيه كوتي Rene Coty في التمييز بين الشخصيتين. ذكر له أحد وزرائه اسم زعيم بارز من زعماء الحياة السياسية في فرنسا. فاستخف الرئيس كوتي به وقال: «آه! إنه ليس سوى رجل عادي بسيط من رجال السياسة». فسأله أحد الحاضرين: ولكن يا حضرة الرئيس ما الفرق بين السياسي ورجل الدولة في رأيك؟ أجابه قائلاً: الفرق بسيط جداً. رجل الدولة يريد أن يعمل شيئاً من أجل بلاده. والرجل السياسي يريد من بلاده أن تفعل شيئاً من أجله! "ويضيف الصحفي والكاتب العراقي خالد الشنقيطي أن "من مميزات رجال السياسة أن يعدوا أنصارهم بكل شيء وأي شيء. ولكنهم عندما يتسلمون الحكم تنتهي النشوة وتبدأ الصحوة".
 
الصحوة على واقع انتخابي بفرنسا الآن حيث لا تتصارع فيه البرامج الانتخابية ولا نسبة النمو ولا ساعات العمل ولا حتى حكايات الضرائب والتغطية الاجتماعية والموقف من المثليين.
 
إن ما يدعو اليه تحالف اليمين الذي تقوده ماري لوبان وصغيرها Jordan Bardella يمس أساسا قيم المجتمع الفرنسي وثوابته التي يستمدها من الثورة الفرنسية لسنة 1789 .يمس كذلك هوية فرنسا وتاريخها .
 
قيم المساواة ونبد الكراهية وعدم التمييز هي جزء لا يتجزأ من منظومة حقوقية حضارية متكاملة يعتز بها المجتمع المتمدن، بمفهومه الثقافي وليس الجغرافي، ما دونها ستسقط فرنسا في براثين المجتمع الهمجي مع ما يميز هذه المجتمعات من خصائص ومخاطر لعل أهمها إذكاء نار الفتنة بين الناس التي قال عنها الرئيس ماكرون- وان كان هو الذي أوقدها - ستجر البلاد إلى حرب أهلية . فهل اللعنة على من أوقدها ام على من سيقودها ؟
 
إن العنصرية الواضحة التي يدعو لها Bardella ومن معه ليست رأيا يعبر عنه وإنما جريمة يعاقب عليها .
 
فهل سيعود الفرنسيون اليوم إلى مطلع نشيدهم الوطني المعروف ب لامرسييز La Marseillaise والذي كتبه كلود جوزيف روجي دي ليزلي. سنة 1792 وأعتمد رسميا في عهد الجمهورية الثالتة سنة 1830 حيث يقول مطلعه :
 
انهضوا يا أبناء الوطن
فقد دقت ساعة المجد
بعد أن رفعت في وجهنا
رايات الاستبداد المدممة.