نجيبة قسومي: مدونة الأسرة بين الحفاظ على القيم الدينية وتعزيز العدالة والمساواة في المجتمع

نجيبة قسومي: مدونة الأسرة بين الحفاظ على القيم الدينية وتعزيز العدالة والمساواة في المجتمع نجيبة قسومي
منذ إصدارها في عام 2004، شكّلت مدونة الأسرة المغربية خطوة هامة نحو تحسين حقوق الأسرة، خصوصاً حقوق النساء والأطفال. ومع ذلك، بات من الضروري اليوم إعادة تحديدها وفق  المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الذي يعيشها المغرب كخطوة لتعزيز العدالة والمساواة بين الجنسين من جهة وتحصينا للأسرة المغربية من جهة أخرى .و في هذا السياق، أثار قرار طرح التعديلات المقترحة في مدونة الأسرة على المجلس العلمي تساؤلات مهمة  تتطلب نقداً وتحليلاً منطقيا.

وكنوع من التفاعل مع الموضوع الخاص بإحالة التعديلات للمجلس العلمي قصد تقديمها وفق التوجه الديني للدولة وجب علينا تسليط الضوء عن دور المجلس العلمي وعلاقته بالتشريعات الداخلية التي من شأنها أن تساهم في رقي المجتمع .
 
يعتبر المجلس العلمي الأعلى في المغرب هيئة استشارية رئيسية في القضايا التي تمس الشريعة الإسلامية، ومن ضمنها الأحوال الشخصية والأسرة. و يستند دور المجلس إلى مكانته كهيئة تضم علماء الدين المتخصصين في تفسير النصوص الشرعية. غير أن هذا الدور يواجه تحديات كبيرة في السياق المعاصر الذي يعيشها المغرب اليوم ، خاصة في معالجة التشريعات التي تتطلب توازناً بين القيم الدينية والمتطلبات الحقوقية والاجتماعية الحديثة.

مما يطرح عدة إشكاليات كبرى حول مدى جاهزية المجلس العلمي بتركيبته التقليدية للفصل او التقويم في النقط المطروحة أمامه والتي يفترض أن تعالج بحكمة بعيدا عن أي نزعة مذهبية معينة .
 
فمن وجهة نظري تقويم النقاط الخلافية في تعديل مدونة الأسرة يتطلب تحقيق توازن دقيق بين النصوص الشرعية ومتطلبات العدالة والمساواة المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب. كما يمكن أن يشكل الاعتماد الكامل على المجلس العلمي لتقديم آراء حول التعديلات المقترحة عقبة أمام تحقيق هذا التوازن، خاصة إذا ما أصر العلماء على تفسيرات تقليدية قد لا تتماشى مع المبادئ الحديثة لحقوق الإنسان  .
 
خاصة وأن المجتمع المغربي شهد تغيرات اجتماعية وثقافية كبيرة تتطلب تحديث التشريعات لتتماشى مع هذه التغيرات.
 كما يجب أن تراعي التعديلات المقترحة التحولات في دور المرأة، والتغيرات في بنية الأسرة، وزيادة وعي المجتمع بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. 
 
كما أنه يجب ان تحظى هذه التعديلات بتوافق مجتمعي لضمان فعالية التعديل التشريعي،فبغير  هذا ست هذه التعديلات  إلى تباعد  وجهات نظر مهمة بين  المجتمع المدني، والمنظمات النسائية، والحقوقيين. مما يمكن يؤدي إلى ردود فعل سلبية ويقلل من المصداقية والتأييد المجتمعي للتعديلات.
لهذا وجب على المجلس العلمي أن ياخد بعين الاعتبار النقاط التالية قبل أي تقويم يتخده في حق التعديلات المقترحة. 

1. الحوار الشامل والمتعدد الأطـــــــراف
يجب أن تكون عملية تعديل  وتقويم النقط الخلافية بمدونة الأسرة ، شاملة وتضم جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك علماء الدين، والنشطاء الحقوقيون، والمنظمات النسائية، والمجتمع المدني. هذا الحوار يجب أن يكون مبنياً على مبدأ التوافق والسعي لتحقيق توازن بين القيم الدينية والحقوق الإنسانية.
 
2. تعزيز التوعية والبحث العلـــــــــمي
من المهم تعزيز التوعية حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين من خلال الاجتهادات الفقهية التي تصب في منحى حماية هذه الحقوق وكذا تنظيم حملات تعليمية وإعلامية. كما ينبغي دعم الأبحاث والدراسات التي تسلط الضوء على الأثر الاجتماعي والاقتصادي لتعديلات مدونة الأسرة وعلاقتها بروح الدين الاسلامي وليس الاسلام السياسي . 
 
ختامـــــــــــــــــا 
تعديلات مدونة الأسرة المغربية ضرورية لمواكبة التغيرات الاجتماعية وضمان حقوق النساء والأطفال بعيدا عن النزعة الايديولوجية . ومع ذلك، فإن طرح تعديلاتها على المجلس العلمي قصد التقويم  يجب أن يخلق  التوازن بين الشريعة والحقوق الإنسانية، والتحديث الاجتماعي ، والتوافق المجتمعي  تماشيا مع كل ما تنشده الدولة من تحديث على جميع المستويات . لذا وجب على الدولة فرض  تحقيق التوازن المنشود  بين الحفاظ على قيمها الدينية وتعزيز العدالة والمساواة في المجتمع.
نجيبة قسومي، طالبة باحثة، عضو المجلس الوطني لحزب فدرالية اليسار