عبد الصادقي بومدين: التدبير الاستباقي والتدبير التأجيلي

عبد الصادقي بومدين: التدبير الاستباقي والتدبير التأجيلي عبد الصادقي بومدين
ثمة مقاربتان في التدبير الحكومي للشان العام،مقاربة استباقية بناء على دراسات وتحليلات وتوقعات، ومقاربة "تأجيلية" -إن صح التعبير- مبنية على تدبير الحاضر دون توقع المآلات المستقبلية للقضايا المطروحة تأجيل تدبير هذه المآلات إلى حين وقوعها ( قريب من التعبير الشعبي) "حتى يزيد ونسميوه بوزيد".
 
ففي المجال الفلاحي -مثلا- يعتمد التدبير الاستباقي على احتمالات الجفاف في السنة او السنوات المقبلة ويتم تهيء الإجراءات والآليات التي تمكن من مواجهة الجفاف أن حصل، بينما التدبير التأجيلي ينتظر حصول الجفاف فعلا لمواجهة انعكاساته وبلورة إجراءات على عجل ودون ما يكفي من زمن لتكون هذه الإجراءات فعالة ومجدية.
 
في الشهور الماضية عشنا نموذجا للتدبير التأجيلي لمشكلة كبيرة ولها تاثير على كل الأسر المغربية وهو الاحتقان الشديد في مجال التعليم، كانت هناك مبادرات من أطراف فاعلين في هذا الحقل لتدبير استباقي لما سيؤول اليه الوضع في الساحة التعليمية ومعالجة المطالب المشروعة لاسرة التعليم ، الحكومة في مقاربتها التأجيلية اصمت اذانها ولم تتفاعل بالجدية اللازمة مع مطالب الأسرة التعليمية وتركت الاحتقان يتواصل دون اي مبادرة جدية للحد منه، اي انها أجلت الحل الى ان يصل الاحتقان الى درجة الانفجار. وما حدث ان المتمدرسين والمتمدرسا ت اضاعوا شهورا من التحصيل الدراسي لا يمكن تعويضها، وهو ضياع مهول بالنظر لانعكاسته السلبية على مستوى ودرجة التكوين.
 
ماذا كان مبرر الحكومة لرفض كل الحلول المقترحة لأنهاء الاحتقان؟ الإمكانيات المالية للدولة لا تسمح بالرفع من أجور وتعويضات الاسرة التعليمية. ثم عندما وصل الاحتقان الى مداه توفرت الاموال لتلبية المطااب المادية، بل ان التكلفة المالية اصبحت اعلى بكثير من التكلفة التي كان يتطلبها التدبير الاستباقي.
اليوم يطرح اشكال مشابه في قطاع الصحة ولم تاخذ الحكومة اي درس مما حدث في التعليم وما تسبب فيه تدبيرها التأجيلي من ضياع شهور من التكوين للتلاميذ.
 
المشكلة في قطاع الصحه اتخذ مسارا أخطر، فقد تم توقيع اتفاق رسمي بين القطاع الحكومي ونقابات القطاع بتوافق ينهي الاحتقان فورا ومنذ بداية السنة الجارية، كان ذلك نموذجا جيدا للتفاعل الإيجابي بين مكونات القطاع ،كل مكوناته. والذي حدث ان الحكومة تملصت بكل بساطة من التزاماتها ومما وقعته مع النقابات وذلك بتجاهل الاتفاق كانه لم يكن ولم يبذل جهد كبير سواء من طرف الوزارة او من طرف نقابات القطاع للوصول اليه.
 
ماذا يعني ذلك؟
يعني اولا طعنا علنيا في مصداقية وزير الصحة، ويعني ثانيا نزع المصداقية والثقة في النقابات من طرف موظفات وموظفي القطاع، ومن ثمة الثقة في العمل النقابي وكل عمل منظم ومسؤول. فهل تدرك الحكومة مخاطر ذلك وما يمكن ان يؤدي اليه مستقبلا من اشكال احتجاج بدون تاطير ولا أفق واضح، لقد حدث مثل هذا السلوك في التعليم وكان الثمن باهضا على مستوى التكوين من جهة وخزينة الدولة من جهة أخرى. علينا ان نتساءل هل الحكومة تسعى من خلال هذه السلوكات المتخبطة الى تبخيس العمل النقابي وكل عمل منظم ومسؤول؟ وحتى في المجال السياسي فتصور التبخيس حاضر كذلك من خلال الرغبة في حصر العمل السياسي في البرلمان، بل حتى في هذا الأخير اعتبر رئيس الحكومة ان رأي نواب الأمة لا يهمه!!! ماذا يهم إذن، لا رأي النقابات ولا رأي الأحزاب ولا رأي ممثلي الأمة؟
 
من غير المقبول ولا المعقول ان لا يدعم رئيس الحكومة وزراءه في مساعيهم لتدبير قضايا قطاعاتهم ويسمح بنزع المصداقية عن التزاماتهم وحتى اتفاقاتهم مع الأطراف الاجتماعية. فقدان واضح لاي نفس سياسي ولاي رابط حقيقي سياسي وحزبي بين مكوناتها.
 
إلى أين، أيها السيدات والسادة في هذه الحكومة العحيبة، تسيرون بالمغرب؟
لابد من وقفة قوية وصارمة من طرف كل الفعاليات الوطنية، بالمعنى السياسي وليس الجغرافي، لوضع حد لهذا التخبط في الخطاب والتدبير والسلوك ولتقويم هذا المسار الأعوج.
 
القضايا المطروحة بحاجة الى تدبير استباقي وليس تأجيل الحلول الى حين حدوث احتقان وحدوث أضرار واشتعال النيران، فاذا بدأ حريق صغير في غابة يلزم الاسراع باطفائه فورا وليس التأجيل حتى احتراق الغابة.