هذه حصيلة ترافع المجلس الوطني واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان من أجل تحصين التراث المادي بأقاليمنا الصحراوية

هذه حصيلة ترافع المجلس الوطني واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان من أجل تحصين التراث المادي بأقاليمنا الصحراوية مشاهد من اللقاء

في سياق اشتغال المجلس الوطني لحقوق الإنسان على ملف حماية وحفظ التراث بربوع المملكة المغربية، ومراكمته لعدة مخرجات ومخططات وتوصيات ذات الصلة، فقد تفاعلت وانكبت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الداخلة وادي الذهب على القيام بكل التدابير لتنزيل الآليات والبرامج والمخططات التي من شأنها حفظ التراث وصونه، وتطوير سبل مراقبته وحمايته من التدمير، أو القرصنة.

ولتقريب المهتمين والمراقبين لحقل التراث المادي واللامادي تتقاسم جريدة "أنفاس بريس" أهم المبادرات التي قامت بها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بأقاليمنا الصحراوية.

في اشتغالها على هذا الملف الذي يعد من كنوز المغرب التاريخية والحضارية، ركزت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، على رهانات تعزيز حفظ التراث وتطويره بجهة الداخلة وادي الذهب، على اعتبار أن "التراث المادي جزء لا يتجزأ من حياة الشعوب وهو ذاكرة تنقل حضارة هذه الشعوب من جيل الى جيل". بعدما لاحظت ذات اللجنة "أن هذا التراث يتعرض للاندثار والتخريب يوما بعد يوم بسبب عوامل عديدة منها ما هو تدخل بشري (حروب، سرقة ممنهجة، اعمار عشوائي، ...( والآخر يوعز للطبيعة وتغيراتها )فيضانات، زلازل،...(. حيث خلصت اللجنة بالقول: "في ظل هذه الإكراهات تبقى قضية الحفاظ على التراث المادي هو مسؤولية الجميع وحق وجب الدفاع عنه".

ـ التعريف بمصطلح التراث الثقافي المادي

في إطار الاهتمام بدراسة التراث المشترك للإنسانية بغرض الإعتراف به والتأكيد عليه لصالح أجيال الحاضر والمستقبل، بادرت اليونسكو بتعريفه في اتفاقيتي حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، واتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي، باعتباره: ميراث المقتنيات المادية وغير المادية التي تخص مجموعة ما أو مجتمع لديه موروثات من الأجيال السابقة، وظلت باقية حتى الوقت الحاضر ووهبت للأجيال المقبلة.

 

إن كان التراث الثقافي يتفرع إلى شقين بناء على تقسيم اليونسكو، الأول يخص شق التراث المادي، والثاني يتعلق بالتراث غير مادي، فإننا سنركز في هذه الورقة على الشق المادي، على اعتبار أنه التراث الثقافي المادي يشمل: القطع الأثرية، والمعالم، والمباني، والأعمال، واللوحات الفنية، والزخارف.

في هذا السياق يمكن تقسيم التراث المادي بدوره إلى ما يلي:

ـ التراث الثابت: كالمباني والمواقع الأثرية، والنقوش، والرسوم الصخرية، والمتاحف، والمراكز التاريخية، ويشمل التراث الأثري الذي يحتوي على آثار الأنشطة الإنسانية كافة، الموجودة ضمن المواقع الأثرية، مع كل ما تحتويه من مواد ثقافية منقولة.

ـ التراث العمراني: ويعد عنصراً مهماً من عناصر التراث الثقافي، وهو من أهم المصادر المادية التي تعبر عن النشاطات الإنسانية، والاجتماعية، والثقافية، لأناس عاشوا ومارسوا النشاطات في عهود سابقة، وذلك من خلال تتبع الحياة الإنسانية، والاجتماعية وتطورها.

ـ التراث المنقول: كالقطع الأثرية في المتاحف، والعملات، والأختام المحفورة، واللوحات، والرسوم، والصور المنحوتة، أو المنقوشة، والمخطوطات، والطوابع، ويشمل إلى جانب ذلك، التراث الوثائقي، الذي يمثل نسبة كبيرة من التراث الثقافي، والذي يرسم صورة للتطور الفكري للمجتمع الإنساني. ويضم كافة الأعمال سواء المكتوبة، أو المطبوعة بمختلف اللغات، كما هو الحال في المخطوطات.

 

جهود من أجل توثيق الآثار بجهة الداخلة وادي الذهب كتراث وطني

وحسب التقرير الذي توصلت به الجريدة، فإن اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الداخلة وادي الذهب، كانت قد عقد عدة اتفاقيات مع المديرية الجهوية للثقافة بمدينة الداخلة لتسجيل وتوثيق الآثار المتواجدة بجهة الداخلة وادي الذهب كتراث وطني من أجل صيانته وتثمينه.

ومن المعلوم أن رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان كانت قد قامت بزيارة لمحافظة النقوش الصخرية والمواقع الأثرية في العام 2021، في إطار الجهود والشراكة بين ذات المجلس ووزارة الثقافة والشباب والتواصل ـ قطاع الثقافة ـ التي تهدف إلى صيانة وحماية الموروث الثقافي والتراث المادي واللامادي.

وقد عجلت هذه الزيارة بانخراط الشركاء في برمجة وإقامة وتنفيذ مجموعة من الفعاليات التي نظمتها اللجنة الجهوية لحقوق الانسان بشراكة مع المديرية الجهوية لقطاع الثقافة، علاوة على انخراط المجلس في تمويل إحداث متحف الداخلة ومركز للتعريف بالتراث غير المادي بجهة الداخلة وادي الذهب.

وسيرا على نفس المخطط، وبوثيرة تصاعدية متزنة، تم تنظيم لقاء دراسيا في العام 2018، حول موضوع "المواقع الأثرية بالأقاليم الجنوبية بين البحث العلمي والبعد التنموي" من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجھوية الثلاث بالأقاليم الجنوبية بمدينة الداخلة المنظم بشراكة مع مجلس جھة الداخلة وادي الذھب، والمجلس الإقليمي لأوسرد، وجمعية "الطبيعة مبادرة" إلى جانب مؤسسات أخرى.

في سياق متصل عرف اللقاء الدراسي نقاشا مركزا ومهما حول مواضيع ذات الصلة تهم بالأساس محور "التراث الثقافي والطبيعي بإقليم أوسرد: بين البحث العلمي وسبل التثمين" فضلا عن موضوع "التراث الأثري بالجھات الجنوبية الثلاث وآفاق المحافظة ورد الاعتبار" علاوة عن ملف "التراث الأثري بين الحماية المؤسساتية والقانونية ومخططات التنمية الجھوية".   

حصيلة توثيق مواقع جديدة للمجمعات الجنائزية الأثرية

ومن نتائج الدينامية المتواصلة للجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالداخلة، فقد تم تسجيل خلال شهر مارس من العام 2022، إثنى عشرة موقعا جديدا للمجمعات الجنائزية الأثرية، والنقوش الصخرية، المتواجدة بالجهة، من طرف المديرية الجهوية لقطاع الثقافة بالداخلة وادي الذهب، بتنسيق مع المصالح المركزية المختصة ضمن قائمة التراث الوطني، وذلك من أجل المحافظة على هذا التراث وتثمينه. وتتواجد هذه المواقع بتراب جماعة تيشلا بإقليم أوسرد وهي "الرك لحمر" و "أرجكمة" ثم "أم الرواكن" و "أمرصيط، تلكلاكت1 و 2 و 3 " وموقع "خشم العي" بالإضافة إلى موقع "أم لحياض". أما في جماعة بئر كندور، التابعة لإقليم أوسرد، فتتواجد مواقع أثرية هامة ونقوش صخرية نذكر منها موقعي "الشيارات 1 و 2 ". إضافة إلى موقع "أمزيزات السعدان" بتراب جماعة العركوب.

 

تسليط الضوء على الإكراهات وطرح البدائل

وفي أحدث لقاءات اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالداخلة بتاريخ 10 يونيو 2024، الذي كان عبارة عن ورشة تفاعلية بتعاون مع المديرية الجهوية للثقافة بالجهة حول نفس الموضوع المتعلق بحماية وصيانة وتثمين التراث المادي واللامادي بأقاليمنا الصحراوية، تم النقاش حول موضوع: "الإطار المرجعي القانوني لحماية التراث المادي"، والتي شارك فيها ممثلين عن قطاع السياحة، والدرك الملكي، والامن الوطني، حيث ركز النقاش حول بعض المشاكل التي يجب الوقوف عليها وإيجاد الحلول لها وهي كالتالي:

ـ جمع بعض الأحجار من المناطق الأثرية من طرف السياح كتذكار دون العلم بقيمتها التاريخية.

ـ أخذ عينات من بعض المناطق الاثرية من طرف الباحثين قصد الدراسة دون الابلاغ بذلك.

ـ رصد ممارسات لأنشطة سياحية بطريقة خاطئة في بعض المزارات السياحية المصنفة بالنادرة كسبخة أمليلي.

ـ عدم الدراية الكافية للساكنة بأهمية الإبلاغ عن أي شخص يخرب أو يحمل البعض من الأثريات.

ـ ملاحظة وجود فراغ قانوني في ما يخص كيفية تعامل الأمن قانونيا مع من يحتمل أن يكون حاملا لبعض الاثارات في النقاط الحدودية برا وجوا.

ـ تطور وسائل التواصل الاجتماعي ساعد في سرعة التهريب وسرقة الموروث المادي. 

ـ انتشار ظاهرة التنقيب العشوائي عن الذهب في اقليم أوسرد.

ـ عدم المعرفة التامة من طرف الأجهزة الأمنية المراقبة لنوعية المنقولات الأثرية الممنوعة من النقل.

 

مخرجات وتوصيات

ومن مخرجات هذه الورشة، العمل على برمجة وعقد مواعيد أخرى في المستقبل القريب من أجل أن يشمل التأطير في مجال حفظ التراث المادي وتطوير سبل التعريف به وضبط المخالفين في استغلاله كل شرائح المجتمع بما فيهم الناشئة. وفي هذا السياق تراهن اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الداخلة وادي الذهب كثيرا على شركائها، خصوصا المديرية الجهوية للثقافة والمجتمع المدني في إنجاح هذا الورش الوطني الكبير.

وقد تم التأكيد من خلال توصيات ورشة اللقاء الدراسي على أهمية تحظير ملصقات وكتيبات ودليل توضيحي، كوسائل يستعان بها في المطارات والفنادق ولدى المرافقين للسياح للمساعدة في الحد من عمليات السرقة. فضلا عن ضرورة تكوين مختلف المتدخلين في مجال حماية التراث الصخري وتثمينه، مع أهمية تحسيس وتوعية الجمهور العريض بأهمية هذا الموروث. من جهة أخرى تم التأكيد على ضرورة تطوير أجهزة المراقبة الأمنية في النقاط الحدودية التي تساعد على ضبط المنقولات التراثية الممنوعة من النقل خارج أو داخل الوطن. والعمل على تدريب التقنيين الأمنيين على ضبط المنقولات التراثية الممنوعة من النقل.

ومن بين التوصيات التي انبثقت عن الورشة في هذا اليوم الدراسي، ذات الأهمية البالغة على مستوى التنسيق والتواصل ترتبط بأهمية خلق خلية جهوية تضم أعضاء يمثلون كل القطاعات المعنية ومن بينهم الدرك الملكي والأمن الوطني والسلطة القضائية.