اعتاد اليمين المتطرف الفرنسي في مختلف مشاركاته السياسية في الانتخابات التي تعرفها الجمهورية الخامسة استغلال موضوع الهجرة ووضعه في صلب الحملة الانتخابية، بل استطاع ان يفرضه على باقي الساحة السياسية باعتباره موضوع يغطي به عن عجزه في اقتراح حلول اقتصادية واجتماعية للفرنسيين، ويقوم من خلال هذا السلوك السياسي بمسح كل المشاكل في ظهر المهاجرين باعتبارهم أضعف حلقة في المجتمع. المفارقة ان هذه السياسة يقودها شباب من أصول مهاجرة مثل زعيم الحالي لليمين المتطرف المعادي للإسلام والهجرة الذي ينحدر من خارج فرنسا.
وهو موضوع أصبح أساسيا في كل انتخابات تعرفها فرنسا وباقي البلدان الاوربية وكما صرح أحد أساتذة العلوم السياسية البارزين بيرتران بديع للجريدة: "الطبقة السياسية تراهن على الفوز بالانتخابات من خلال طرح قضية الهجرة بشكل زائف في السوق الانتخابية."
وحسب مختلف الاستطلاعات الراي التي تمت مؤخر بمناسبة الانتخابات التشريعية كان الخوف من الهجرة أحد اهم انشغالات الفرنسيين بالإضافة الى القدرة الشرائية. ويقوم اليمين المتطرف بتغذية هذا الخوف لدى الفرنسيين من الأجانب امام عجز الطبقة السياسية على حل مشاكل الفرنسيين اليومية.
في استطلاع أجراه معهد "ايبسوس" في السادس والسابع من يونيو حول العوامل الحاسمة للتصويت في الانتخابات الاوروبية التي حقق فيها اليمين المتطرف فوزا كبيرا، شكلت الهجرة "الموضوع الرئيسي" لدى 23 في المئة من الفرنسيين الذين أكدوا نيتهم التصويت، متقدمة على القدرة الشرائية (18 في المئة) واعتبر 43 في المئة من المستطلعين أن هذا العنوان هو واحد من ثلاثة أسباب تدفعهم الى التصويت.
تاريخيا، جعل التجمع الوطني من ملف الهجرة أحد عناوينه المتقدمة. ويواظب رئيس الحزب جوردان بارديلا، الأوفر حظا لتولي رئاسة الحكومة في حال أحرز التجمع الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية، على انتقاد "هجرة كبيرة خارجة عن السيطرة بفرنسا "حسب ادعائه، آملا خصوصا بإلغاء حق من يولدون على الأراضي الفرنسية في الحصول على الجنسية. وهو ما يسمى حق بلد المولد كما يضمنه الدستور الفرنسي .
الجبهة الشعبية الجديدة التي تتشكل من الحزب الاشتراكي ، الحزب الشيوعي وحزب الخضر وحزب فرنسا الأبية في برنامجها المشترك اتفقت على عدد من الإجراءات في برنامجها الانتخابي ووعدت بتصحيح هذا الوضع منه الغاء قانون الهجرة الذي تبنته اغلبية الرئيس ايمانويل ماكرون هذه السنة كما قالت في برنامجها المشترك انها ستطالب اوروبا بمراجعة ميثاق الهجرة الأوربي وكذلك تسوية بعض فئات في وضعية غير قانونية والحفاظ على المساعدة الطبية التي تقدمها فرنسا للمهاجرين بدون إقامة .والتي يريد اليمين المتطرف الغاءها في حالة فوزه.
أصدرت فرنسا عددا قياسيا من تراخيص الاقامة السنة الماضية بلغ 323 الفا و260، في ارتفاع بنسبة 1,4 في المئة مقارنة بالعام 2022، وذلك في موازاة ازدياد عمليات الترحيل بشكل ملحوظ (أكثر من 17 الفا بزيادة نسبتها عشرة في المئة)، بحسب أرقام وزارة الداخلية.
ويستغل هذا اليمين المتشدد الصدى الذي يخلفه خطاب متشدد وعدائي تجاه الهجرة من اجل جلب اكبر عدد من الناخبين. كما يستغل الماضي الاستعماري لفرنسا من اجل ممارسة الميز على أبناء المستعمرات القديمة الذين يشكلون اغلبية الهجرة الوافدة على فرنسا حسب معهد الإحصاء.
اظهرت ارقام المعهد الوطني للإحصاء (اينسي) أن سبعة ملايين مهاجر كانوا يعيشون بفرنسا في عام 2022، أي 10,3 في المئة من اجمالي عدد السكان. وحصل 35 في المئة من هؤلاء على الجنسية الفرنسية (2,5 مليون).
أقل من نصف هؤلاء المهاجرين (48,2 في المئة) ولدوا في إفريقيا، في حين ولد 32,2 في المئة في أوروبا. وتتصدر الجزائر (12,5 في المئة) والمغرب (11,9 في المئة) والبرتغال (8,2 في المئة) وتونس (4,7 في المئة) وايطاليا (4 في المئة) الدول التي ولد فيها المهاجرون، بحسب المعهد المذكور.
منذ سنة 1980، صدر 29 قانونا عن الهجرة في فرنسا، أي بمعدل قانون واحد كل سبعة عشر شهرا، بحسب متحف تاريخ الهجرة.
وتذكر جمعيات لمساعدة المهاجرين على الدوام بأن تهميش هؤلاء والتشدد في إجراءات توطينهم في فرنسا بهدف ثنيهم عن المجيء، يؤدي ذلك الى تأثير معاكس ويتسبب باندماج بطيء. وهو مسار يؤدي الى عدد كبير من المشاكل التي تؤثر على استقرار المهاجرين وتتركهم في المجال الغير القانوني وهو ما يجعلهم عرضة للاستغلال.
قبل الانتخابات الاوربية قامت اوروبا بوضع ميثاق متشدد للهجرة من اجل قطع الطريق على اليمين المتطرف، لكن هذا الميثاق لم يكن كافيا وفتح الباب للمزايدات أكثر على المهجرة والمهاجرين، وجعل الطبقة السياسية ضحية هذا الفخ الذي وضعته بنفسها وهو تبني خطاب متشدد ومعادي للهجرة.
وينتقد استاد العلوم السياسية بيرتران بديع سلوكات الطبقة السياسية بفرنسا التي أصبحت ت"خشى إلقاء نظرة جديدة على الهجرة التي يمكن أن تكون فرصة في عالم الحركية والاعتماد المتبادل. إن الهجرة المصممة بشكل جيد والمدارة بشكل جيد يمكن أن تفيد الجميع. لكن التفكير لا يتطور، ويتم التعامل مع الهجرة بشكل رئيسي من خلال القمع، مما يتسبب في انتشار الهجرة السرية التي يستفيد منها المهربون وتستفيد منها الدعاية العنصرية."
لكن اليوم هذه الدعاية العنصرية التي يقوم بها اليمين المتطرف وسط الحملة الانتخابية تثير الخوف وسط المهاجرين وابنائهم ومن إمكانية وصول اليمين المتطرف الى الحكم وهو ما يثير الخوف وسط الجاليات الأجنبية منها الجالية المغربية التي تقدر بالمليون ونصف مليون نسمة والتي تستقر مند قرن بفرنسا.