ليلى حميدة: آن الأوان للمشرع المغربي أن يحين الترسانة التشريعية للملكية المشتركة 

ليلى حميدة: آن الأوان للمشرع المغربي أن يحين الترسانة التشريعية للملكية المشتركة  المحامية ليلى حميدة
بعد سردها لأهم المحطات المرتبطة بالتأطير القانوني لمجال الملكية المشتركة، توضح ليلى حميدة، محامية بهيئة أكادير لدى محاكم الاستئناف بأكادير وكلميم والعيون، في حوار مع "أنفاس بريس"، الحلول الواجب إعمالها لتجاوز الإكراهات التي تعاني منها الملكية المشتركة ببلادنا.
وأكدت محاورتنا، وهي باحثة في سلك الدكتوراه في موضوع الملكية المشتركة بجامعة الحسن الثاني ضرورة تحيين وتجويد المشرع المغربي المنظومة القانونية للملكية المشتركة.
 
ماهي المستجدات القانونية المتعلقة بنظام الملكية المشتركة في المغرب؟
غني عن البيان، أن مجال الملكية المشتركة لم يكن مؤطرا قانونا قبل سنة 1946، فكان ظهير 1946 أول إطار قانوني ينظم الملكية المشتركة بالمغرب، فعمر لسنوات؛ إلى أن نُسِخ سنة 2002 بالقانون رقم 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية. ولعل مرور ما ينيف عن 15 سنة على تطبيقه، أبان عن قوادح ومثالب، أوجبت تدخل المشرع المغربي لتعديله وتتميم أحكامه، بموجب القانون رقم 106.12 الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2017. فعمل بذلك، على تغيير 37 مادة منه؛ ونسخ وتعويض 8 مواد؛ وتتميم أحكامه ب 39 مادة إضافية.
 
وبقراءة عرضية وظاهرية لهذا القانون تشخص طائفة من المستجدات الهامة، سيما التي حظي بها الجانب المتعلق بتسيير الملكية المشتركة. وهي في الجملة، على سبيل الاختصار غير المخل:
*فضلا عن البناء العمودي، فقد تم إخضاع البناء الأفقي، المتكون من المجموعات العقارية المبنية؛ كالفيلات والمحلات، متصلة أو منفصلة، تضم أجزاء مشتركة بين جميع الملاك المشتركين، لنظام الملكية المشتركة.
*بيان بشىء من التدقيق والتفصيل، الإجراءات المتخذة؛ قبل أو اثناء أو بعد، عقد الجموع العامة.
*استدراك تفاصيل هامة، لاسيما تلك المتعلقة بوكيل الاتحاد ونائبه، بما فيها الأنصبة القانونية وشكليات وضع الاستقالة، ومجلس الاتحاد، وغيرها كثير.
*التدقيق في ميزانية الاتحاد، حيث صدر بشأنها مؤخرا مرسوم، صادق عليه مجلس الحكومة بتاريخ: 21 دجنبر 2023، يتعلق بتحديد القواعد المحاسبية الخاصة بالاتحاد، تفعيلا لمقتضيات المادتين 24 و37 مكرر1 من القانون رقم 106.12 الآنف الذكر، والتي كانت معلقةً على صدور نص تنظيمي. 
*تعديل الأنصبة القانونية لاتخاذ قرارات الجمع العام، أبرزها إعتماد الأغلبية النسبية بدل الأغلبية المطلقة، بشأن اتحادات الملكية المشتركة، لتيسير أعمال الإدارة العادية لاتحاد الملاك المشتركين. 
*استحداث مسطرة المسير المؤقت القضائية تعالج صعوبات تسيير الملكية المشتركة، يختص بها رئيس المحكمة الابتدائية الواقع العقار في دائرة نفوذها؛ كلما استعصى على الاتحاد أداء الديون، أو استحال عليه المحافظة على العقار المشترك الملكية. شريطة إثبات الحالة المتمسك بها.
 
ماهي المشاكل التي تعتري الملكية المشتركة على أرض الواقع؟
إن أهمية العقار القيمية والرمزية في المخيال والعقل الجمعي، تجعل الملكية المشتركة بالمغرب تضج بإشكالات جمة، إن على المستوى القانوني أو على  المستوى الواقعي. ففيما يخص الأولى، فلا شك أن القانون رقم 18.00 المعدل والمتمم للقانون رقم106.12 يعتريه الكثير من العوار، تسبب في تشعيب نزاعات الملكية المشتركة، يستعصي تفصيله كله في هذا المقام. أخص بالذكر ما يتعلق بإشكالية التبليغ في تنفيذ قرارات الجمع العام. أو ما يرتبط بغموض بعض المقتضيات القانونية، وضعف بعضها عن سد الفراغ التشريعي؛ كتلك التي تتعلق على سبيل المثال لا الحصر، بإستقلال الذمة المالية لاتحاد الملاك المشتركين. ومدى إمكانية حلول الملاك المشتركين أو وكيل الاتحاد بصفتهم الشخصية محل الاتحاد في الأداء، عند إثارة مسؤولية هذا الأخير؟ وهل للتضامن في الأداء ما يبرره أو يُصَار إليه في القانون رقم 106.12 المعدل والمتمم للقانون رقم 18.00، ما أسفر عن إشكالات قضائية عملية وتضارب في عمل القضاء، عند فصله في هذا النوع من القضايا، وغيرها كثير.
 
فإذا كان الأمر كذلك، فكيف يلام القضاء على تضييع الحقوق وإهدار المصالح؟!، مع أن مكمن الخلل واضح ظاهر يعود في مجمله إلى ما سبق بسطه من عدم تحيين القوانين. مما يُوجِبُ والحالة ماذكر، تدخل المشرع المغربي لاصلاح مكامن الاختلال المعروفة عند الجميع خاصة وعامة. وتمكين القضاة من مادة يستطيعون بها إصابة كبد الحقيقة القانونية والواقعية، بعد أن أعيَاهم لَيُّ أعناق نصوص قانونية بات ضررها أكثر من نفعها.
 
أما فيما يخص الثانية، فمعظم المشاكل الواقعية، تشخص أساسا في ضعف ثقافة التعايش المشترك، وعدم الإلمام التام بالإطار القانوني المنظم للملكية المشتركة. وكثيرا ما نلحظ وجود ممارسات لا تمت للقانون بصلة؛ ومن ذلك، إحداث " مكتب السنديك" يضم إلى جانب، السنديك ونائبه، أمين المال، والكاتب العام، ومستشارين. أو تعاقد وكيل الاتحاد مع شركة تسيير العقارات -كسنديك- بصفته تلك. ناهيك عن، إقدام وكيل الاتحاد على منع المالك المشترك المتخلف عن أداء المساهمات في إستعمال الأجزاء المشتركة؛ كالسطح والمصعد الكهربائي. 
 
أو عقد جلسات الجمع العام، دون إعتبار لشكليات وآجال الاستدعاءات الموجهة للملاك المشتركين سيما وأن المشرع المغربي يؤكد بمتن المادة 16 مكرر7 من القانون المذكور، على أن صحة القرارات المتخدة في الجمع العام مقرون بإحترام شكليات الاستدعاء للحضور طبقا لأحكام القانون رقم 18.00. وماشاكل ذلك كثير، سيطول بسطه في هذا المقام.  
 
ماهي الإكراهات التي تكتنف عقد الجموع العامة في الملكية المشتركة؟
لا مراء في أن المستقرئ لأحكام القانون رقم 18.00، لن يعدم شواهد لثغرات ونواقص لازالت تعتري بعض النصوص القانونية المنظمة للجمع العام رغم تعديل سنة 2016 بموجب القانون رقم 106.12، تحول دون نجاعة الجموع العامة وصحة قراراتها. وفي هذا المقام سنتولى إبراز إشكالية تبليغ الاستدعاءات إلى الملاك المشتركين لعقد الجمع العام.
فلا ريب والحالة ما ذكر، أن صحة تنفيذ قرارات الجمع العام، يرتبط بصحة التبليغ ارتباط العلة بالمعلول، وجودا وعدما، فبدونه يكون قانونا هو والعدم سواء، عملا بمقتضيات المادة 16 مكرر 7 الآنفة الذكر، لذلك فتحقق التبليغ الصحيح في قانون الملكية المشتركة هو السبيل الوحيد لبلوغ التنفيذ الأمثل لقرارات جموعها العامة، ودليل على صحته.
ليطرح التساؤل عن مدى سداد وسائل التبليغ القانونية التي توسل بها مشرع قانون الملكية المشتركة؟ هل أصاب وجه الحق أم تنكب الصواب؟.
إن الناظر لمقتضيات المواد 16 و 16 مكرر 3 و مكرر 4 من القانون رقم 106.12، نجدها تحدد طرق الاستدعاء في ثلاثة طرق؛ إما عبر البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل، أو بواسطة المُفَوَّض القضائي، أو بكل وسائل التبليغ القانونية الأخرى، بآخر عنوان شخصي أو مهني أشعر به وكيل الاتحاد. وإن كان المقتضى الأخير يسائلنا: ما العمل في الحالة التي يمتنع أحد الملاك عن الإفصاح عن موطنه الحقيقي أو يتم تغييره دون التصريح بذلك لدى وكيل الاتحاد؟ وما شاكل ذلك كثير من الحالات التي سنعمل على تبيانها بإقتضاب. فكيف والحالة ما ذكر للوكيل أن يباشر عملية التبليغ في ظل امتناع المالك المشترك أو من يقوم مقامه عن التصريح بموطنه الفعلي؟
علما بأن كل وسيلة من الوسائل المذكورة أعلاه، لا تخلو من مثالب وقوادح تطرح عدة إشكالات؛ تحول دون نفاذ تبليغ الاستدعاءات لعقد الجموع العامة. علما بأن المواد المومأ إليها أعلاه، وإن نصت على توسل التبليغ بكل هذه الوسائل، إلا أنها لم تبين مع ذلك الحل الواجب الاتباع في العديد من الفرضيات منها:  
 
*حالة الجالية المغربية القاطنة بالخارج، التي لا تصرح، لا بالعنوان الحقيقي، ولا بالموطن المختار؛ وغالبا ما تقوم بكراء محلاتها، دون تفويض حق التصويت للمكتري ليقوم مقامها في تلقي التبليغات؛ 
 
*حالة التبليغ الى المفوَّض له بالحضور والتصويت، دون الإشارة في عقد التفوض "الوكالة" من لدن المالك أو المكري على تفويضه ليقوم مقامه في تلقي إستدعاءات الحضور للجمع العام؛ أو حالة عدم التصريح به لدى وكيل الاتحاد ليكون قادرا على مباشرة إجراء التبليغ بعنوان المفوَّض له بالحضور؛ أو حالة ما إذا كان المالك المشترك لا يقطن بالعمارة ويتوفر على أكثر من عنوان، أو أنه قد غير عنوانه، مما يكون معه نتيجة الإشعار بالتوصل سلبية. وغيرها من مظاهر الزلل والقصور التي نبتغي بإنتقائها حمل المشرع المغربي على تعديلها وتلمس الحل من العمل القضائي وتجارب الأنظمة التشريعية المُقَارَنة. 
 
ماهي الحلول الواجب إعمالها لتجاوز الإكراهات التي تعاني منها الملكية المشتركة ببلادنا؟
 لا غرو من أن إعمال الحل، يتطلب السعي لإصلاح الاختلالات، التي تعتري الشق الواقعي، وكذا المنظومة القانونية للملكية المشتركة بالمغرب. إذ لا سبيل لتجاوز الإشكالات الواقعية للملكية المشتركة، دون التفعيل الأمثل والمكثف لدور الاعلام والتواصل؛ بكل مستوياته، والمجتمع المدني في رفع ثقافة التعايش المشترك، لتعزيز عقلية الملكية المشتركة لدى المغاربة. دون إغفال التنبيه، بأهمية الاطلاع على الترسانة التشريعية للملكية المشتركة، لاسيما من لدن الملاك المشتركين ووكلاء اتحادات الملكية المشتركة، هذا من جهة. 
 
 ومن جهة أخرى، فقد حان الوقت إلى أن يبادر المشرع المغربي؛ بعد استقصاء الإشكالات القضائية التي يطرحها النص القانوني، إلى تحيين وتجويد المنظومة القانونية للملكية المشتركة، سيما على مستوى الإلزام، بإقرانه بجزاء قانوني، وتطوير مسطرة التبليغ في قانون الملكية المشتركة، بما يتلاءم مع السرعة المتطلبة لتسيير الملكية المشتركة، ويحقق الحكامة المنشودة في تسيير العقارات المشتركة الملكية. ومن ذلك ان يُلزَمَ كل مالك مشترك أو من يقوم مقامه بإشعار وكيل الاتحاد بالعنوان المختار ويُزَمم في نظام الملكية المشتركة، باعتباره الشريعة العامة للملاك المشتركين تحت طائلة صحة التبليغ المباشر بعنوانهم بالعقار المشترك الملكية. 
ونثمن في هذا المقام، المقترح الذي تقدم به الفريق الحركي، خاصة المتعلق بإعتماد البريد الالكتروني، كأحد وسائل التبليغ القانونية في الاستدعاءات، لعقد الجموع العامة. علما بأن تقنين قانون الملكية المشتركة بمقترح قانون مرتجل مستعجل قد يُضَيّق واسعا على القضاة ونفاذ القانون القيمين عليه، للوصول إلى الحق بالحق. ولا يعالج مكامن الخلل، الذي بات يعرفه قانون الملكية المشتركة واقعا وقضاءً، ردحا من الزمن.