استضافت جريدة "أنفاس بريس" الفاعل الجمعوي والمدني محمد شهير رئيس تعاونية كْوِيرْ بْلَادِي بمراكش، وهو بالمناسبة خبير ـ كُوتَشْ ـ المصنوعات الجلدية على الصعيد الوطني والدولي، وعضو رابطة الصناعة التقليدية بالمغرب، من أجل الإجابة عن سؤال كيفية معالجة وتدارك خسارة أكثر من "مليارين من السنتيمات جراء إتلاف وضياع ملايين بْطَايْنْ عيد الأضحى ورميها في حاويات القمامة ومطارح الأزبال مباشرة بعد نحر كبش العيد كل سنة:
في هذا السياق، استهل ضيف الجريدة تصريحه قائلا: "شخصيا اعتبر تناول منبركم الإعلامي لهذا الملف هو دليل على غيرتكم على قطاع جوهري في مجال الصناعة التقليدية، وعلى الخصوص أننا على بعد يومين من مناسبة عيد الأضحى، حيث يجب التنبيه إلى كارثية هذه الظاهرة المقلقة والجوهرية في نفس الوقت".
وأوضح بأن عملية جمع "بْطَايْنْ" عيد الأضحى بمراكش سابقا كان تتمّ بطريقة محكمة ومنظمة من طرف أهل الاختصاص مباشرة بعد عملية النّحر، حيث كان الدباغون المراكشيون يجولون بين أزقة الأحياء لاقتناء "لَبْطَايَنْ" من الساكنة، وكانت وسائل عملهم تحتم عليهم التجوال بالعربات المجرورة بالدواب "الْكَارُّو" وأكياس الملح. وكلما حصلوا على جلدة لَبْطَانَةْ التي تكون مازالت طرية يرشّونها بمادة الملح، ويطوونها ثلاث طيّات بطريقة حرفية ومهنية بإتقان، ويصفّفونها فوق العربة المجرورة، وهكذا دواليك حتى انتهاء عملية الجمع وإشباع رغبة الدباغين من "بْطَايْنْ" العيد.
وأشار محمد شهير رئيس تعاونية كْوِيرْ بْلَادِي إلى أن هذه الطريقة كانت تضمن جودة وسلامة لبطاين مدة طويلة دون أن تتعرض للتعفن، مؤكدا على أن الجلد يبقى حيّا، ولو تم تصنيعه وتحويله لمنتجات أخرى مثل الملابس الجليدة، أو الحقائب اليدوية، أو نعل "بَلْغَةْ" فدائما مادة الجلد تبقى حيّة تستقبل مواد أخرى، ويمكن أن نلاحظ ذلك خلال سقوط نقطة زيت أو ماء على المصنوعات الجلدية، بمعنى أن الجلد يظل ويبقى مادة حيّة "من الخام وصولا لنهاية المنتوج الصناعي".
وعن إمكانية التفكير في مقترح جمع وتصدير بْطَايْنْ الْعِيدْ لَكْبِيرْ، بدل رميها في حاويات النفايات ومطارح الأزبال، وبصفته كمتخصص في هذا المجال اقترح محمد شهير فكرة استثمار جلود بْطَايْنْ عيد الأضحى في مجال عملية الدباغ والتصنيع المحلي، على اعتبار أن جلدة بطانة واحدة تمرّ من سبع مراحل، بمعنى أنها تشغّل سبع أشخاص حرفيين في القطاع. وتستغرق هذه المراحل سنة من العمل ـ من العيد إلى العيد ـ، مما يبيّن أن منتوج صناعة جلود لَبْطَايْنْ قادرة على إحداث مناصب الشغل وتساهم في الاقتصاد الوطني.
وشدّد على قطاع صناعة منتوجات الجلود يتوفر على شباب لهم من الإمكانات الإبداعية والفنية لإنتاج مجموعة من الوسائل ذات الصلة بحياة الإنسان، وكذلك حرفيين وصناع تقليديين في المستوى من الصنف الممتاز الذين يتقنون صناعة "الشّْكَارْةْ" التي تتعرض للإنقراض رغم أنها تعد من التراث اللامادي المغربي، إضافة إلى "الْمَقْلُوبَةْ" أي "الْبَلْغَةْ" والتي مازال الصانع المغربي يتقن نصاعتها وهناك مجالات تخصصات أخرى كثيرة التي لا يمكن أن تستغني على جلود "بْطَانَةْ" عِيدْ لَكْبِيرْ.
من الأليق لنا كمجتمع مغربي، وحرفيين نمتهن الصناعة التقليدية أن نشتغل طول السنة على جلود "بْطَايْنْ" العيد ونشغل اليد العاملة التي يطلبها مجال الصناعة التقليدية، وهكذا سنطور من قدراتنا الإنتاجية على المستوى الداخلي والخارجي، حيث سترتفع وثيرة تصدير المنتوج بدل تصدير "لَبْطَايَنْ" بصوفها وجلدها. واستحضر في سياق حديثه عن تطوير منتوج صناعة الجلود بالطريقة التقليدية، المدن العتيقة ذات الباع الطويل في الميدان مثل مراكش وفاس وسلا والرباط، التي تستوعب أياد حرفية راقية ومتمكنة من صناعتها الحرفية.
في سياق متصل قال ضيف الجريدة بأن المغاربة قد فرطوا فعلا في منتوج "الْهَيْضُورَةْ" كفراش وأثاث منزلي ولها حضور قوي على مستوى الجانب الديني، في حين لا يعرف بحقها إلا الأجانب الذين يأتون للمغرب من أجل اقتنائها. وأعطى مثال بما وقع بمدينة فاس خلال فترة جائحة كورونا، حيث أن أحد الصناع التقليديين كان قد راكم في محله الكثير من "لَهْيَاضَرْ" لكنه سيفاجئ بإقبال السياح على شرائها بعدما أعياهم الجلوس في زمن كورونا على الكراسي والأرائك الإسفنجية، وكذلك الإقبال على "الْبُوفَا/ وسائد جلدية منقوشة وملونة" وتصديرها خارج المغرب. وأكد محمد شهير أن منتوج "الْهَيْضُورَةْ" قادر على ترويج نفسه بنفسه كما هو الحال في مدينة تارودانت وقصة أحد الحرفيين هناك مع هذا المنتوج التراثي.
وأشار رئيس تعاونية كْوِيرْ بْلَادِي على أن هناك نوع من التفريط من جهة مسؤولي القطاع على مستوى الإبداع في الصناعة والإنتاج، في مجال وزارة الصناعة التقليدية، وتسائل باقول: لماذا لم تنزل وزارة الصناعة التقليدية عند الصناع والحرفيين، وتجيب عن سؤال ماذا نريد وكيف نعمل على تطوير القطاع، والمحافظة على هذا الموروث الحرفي؟ علما ـ يقول ـ نفس المتحدث ـ أن هناك العديد من الخبراء التقنيين والفنيين المبدعين في مجال الصناعة التقليدية، سواء في مراكش أو فاس أو تارودانت أو الرباط وسلا... بمعنى أن المدن العتيقة تمتاز بوجود ناس من دوي الكفاءة والخبرة.
وختم تصريحه للجريدة بتأكديه على أنه قد حان الوقت لتتحمل وزارة الصناعة التقليدية مسؤوليتها اتجاه المنتوج الصناعي والحرفي التقليدي، وتردّ له الاعتبار والانتعاشة الإجتماعية والاقتصادية، وتفكر بصوت مترفع استباقيا بشراكة مع أهل الاختصاص، في موضوع ضياع الملايين من الدراهم جراء رمي واتلاف "بْطَايْنْ" عيد الأضحى، علما أنها تشكل حقيقة ثروة مهمة ستساهم في تطوير اقتصاد الصناعة التقليدية المغربية.