أكد الشرقاوي الروداني، الخبير في الدراسات الجيوستراتيجية والأمنية، على أن استهداف تنظيم "داعش" للشباب المغاربة مرتبط بأهدافه الاستراتيجية. وكشف في حوار مع جريدة "أنفاس بريس " أسباب تصدر مدن الشمال لعدد "الإرهابيين" الموقوفين، كما ذكر باستثمار المغرب في تكوين عقيدة أمنية قوية جعلته يتبوأ مكانة دولية مشهودة لها بالاحترافية، والكفاءة والخبرة...
نجح المكتب المركزي للأبحاث القضائية من تفكيك 5 خلايا إرهابية في النصف الأول من 2024. لماذا لا يزال بعض المغاربة صيدا سهلا لـ "داعش"؟
هناك عدة اعتبارات تجعل داعش تستهدف بعض المغاربة، و هذا مرتبط بشكل أساسي بالأهداف الاستراتيجية التي رسمها التنظيم، خاصة وأنه ينشط في مجالات جيوسياسية قريبة جغرافياً من المغرب، أمام وسائط التواصل الاجتماعي التي أصبحت على المستوى الدولي منطقة رمادية. فالجماعات الجهادية أصبحت تترصد بشكل كبير بعض الشباب، الذين من خلال تدويناتهم يظهرون قابلية نفسية لامتصاص الأفكار المتطرفة كمرحلة أولى، بعد ذلك يصبح الشخص من خلال عملية الاستيلاب ممنهج، قادر على المرور إلى الفعل.
إن عملية التحكم، والسيطرة تخضع للمنهجية، وأصبحت الجماعات الإرهابية تطورها حسب الملف الشخصي الذي تقوم به دوائر هذه الجماعات الجهادية. ومن تم، فإن المستوى الفكري، والعلمي يبقى محدداً في عملية الاستيلاب.
الملاحظ أن معظم المعتقلين على ذمة قانون الإرهاب مؤخرا ينحدرون من شمال المغرب. ما هو السبب في نظرك؟
في قراءة للتوزيع الجغرافي، نلاحظ أن مدن الشمال في المغرب هي التي أصبحت تتصدر عدد الموقوفين في العمليات الاستباقية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، وذلك لعدة اعتبارات سوسيولوجية.
فكل المناطق الحدودية في العالم تعرف نفس النسق، التقارب الجغرافي للمغرب مع دول غرب أوروبا جعل التنظيمات الإرهابية تضع استراتيجية البحث عن بعض الشباب، وذلك لأن أغلب هؤلاء، تربطهم علاقات مع شباب متواجد في دول غرب أوروبا.
في نفس الوقت هناك سهولة في التجنيد، والاستقطاب لاعتبارات مرتبطة بالعمق الثقافي، والنفسي لشباب المنطقة الذين غالباً يكونون متأثرين بتيارات العولمة، و تأثيراتها النفسية.
وهذا الأمر ليس مرتبطاً بالمغرب فقط، بل بكل الدول الحدودية كالمكسيك، والولايات المتحدة الأمريكية من خلال منطقتي مايدن وسينالوا.
فمناطق عبور المهاجرين تكون دائماً جهات تعرف نشاطا إجراميا وإرهابيا، وبعض الشباب يكون لقمةً سهلة بالنسبة لهذه التنظيمات العابرة للحدود.
لكن الدولة استثمرت أموالا باهضة للنهوض بمنطقة الشمال كمجال للسياحة إلا أنها لم تقطع جذور التطرف ببعض المناطق. ماهو تعليقك؟
المغرب قام بعمل كبير في مجال التنمية، وأصبحت مناطق الشمال تضاهي مدنا غربية. لكن الأمر ليس مرتبطاً بهذه العوامل، فالتنظيمات الإجرامية، والإرهابية لها استراتيجيات مختلفة، وأساليب متنوعة للاستقطاب، والتجنيد. فالإرهابيين الذين هاجموا الولايات المتحدة الأمريكية لهم سيرة ذاتية لا يمكن أن تجعلك تشك في نواياهم على اعتبار أن هذا الأمر مرتبط بالتكوين السيكولوجي، والاجتماعي.
وبالتالي فقطع جذور التطرف يتطلب وقتاً وتعاوناً دولياً.
فعلى سبيل المثال خلية جيمس بريدج الأمريكية التي كانت تنوي ضرب مدينة نيويورك ،لولا الأجهزة الأمنية المغربية، تبقى خير مثال على عدم وجود رابط متصل بين التنمية والتطرف.
ما هي قراءتك لليقظة الأمنية المغربية لحماية البلد من أي تهديدات محتملة وأحيانا حماية حتى بلدان الجوار؟
المغرب استثمر في تكوين عقيدة أمنية قوية جعلته يتبوأ مكانة دولية مشهودة لها بالاحترافية، والكفاءة والخبرة.
الاستباقية في مواجهة هذه التهديدات مسألة تطلبت مجهودا كبيراً على جميع المستويات، كما أن هذه القوة هي التي جعلت المغرب يتمركز كدولة محورية في جيوسياسية الاستخبارات، ويترأس للمرة الثالثة على التوالي المنتدى العالمي لمحاربة الإرهاب.
هذا بالإضافة إلى كون المغرب يحتضن المكتب الأممي الخاص بمحاربة الإرهاب، وبمعية النيجر، والولايات المتحدة الأمريكية، وإيطاليا يترأس المغرب مجموعة تركيز إفريقيا لمحاربة داعش، كما أن المحيط الجيوسياسي في دول الساحل الإفريقي، وجنوب الصحراء متقلب، ويعرف مجموعة من الفراغات الأمنية، وهو ما جعل الرباط تنتبه لهذه التهديدات، وتطور من فلسفتها الأمنية، وتتقاسمها مع دول العالم.
ماذا يفترض على المكونات المجتمعية من مجتمع مدني، وأحزاب، وبرلمان، ومجالس علمية، ومؤسسات جامعية، وقضائية.. عمله من أجل استمرارية هذه اليقضة لتجنيب المغرب أي تهديد محتمل؟
انتشار بؤر التوتر في العالم يزيد من حدة التخطيطات الإرهابية، وبالتالي فالمغرب دولة مستهدفة بشكل كبير، وحجم المؤامرة على استقرار المغرب أصبح يتزايد بشكل كبير.
المزايا الجيواستراتيجية للمغرب، وقربه من دول غرب أروبا، وتحالفاته الاستراتيجية تجعله مشروعاً للجماعات الجهادية، والتنظيمات الإجرامية العابرة للحدود، والقارات. وهذا يتطلب قراءة مسار جغرافية الإرهاب، ومحاولة السيطرة على كل العوامل، والفواعل التي تستغلها هذه التنظيمات، وهذه القوى المحدثة للفوضى .
هذا الأمر يجعل من الجميع من هيئات مدنية، ومؤسسات العمل يداً في يد من أجل الوقوف أمام هذه التهديدات، وإطلاق المديرية العامة للأمن الوطني منصة "إبلاغ" مؤخرا، يدخل في هذه الاستراتيجة التي تجعل المواطن المغربي في قلب التصور الأمني.