قررت صباح يوم الأربعاء 12 يونيو 2024 أن أترك الحاسوب جانبا على الأقل بعض السويعات لأستعيد حيويتي ونشاطي الطبيعي بعد أن أرهقت نفسي بالسّفر واللقاءات بين طرقات تربط بين مدن مجال منطقة الحوز وأحمر مما نتج عنه وعكة صحية "طَحْطَحَتْ" عظامي لكن "الشرّ الذي لابدّ منه" والذي لا يفارقني في زمن تكنولوجيا الرقميات أصر على أن أجيب على مكالمة أحد أصدقائي الذي تحمل اتصالاته جديد الأخبار ذات الصلة بالقضايا الاجتماعية والثقافية والتراثية والفنية. فكان عصارة ما حكى كالتالي:
استقبل أحد الأطباء بعيادته الخاصة يوم الأربعاء 12 يونيو الجاري بإحدى المدن المغربية موظفا بسيطا يشكو من وعكة صحية مفاجأة، أحس بها بعد أن صدم جراء غلاء خروف العيد، حيث أفضى النقاش بينهما إلى أن زبونه المريض لم يستطع تحقيق أمنية شراء حولي صردي لأسرته كالمعتاد كل سنة بثمن لا يتجاوز أجرته الشهرية، حيث فرض عليه واقع السوق في ظل أساليب الاحتكار والشناقة شراء "خْرُوفَةْ" بسعر 60 ألف ريال (3000 درهم) والتي لا تستحق هذا الثمن المهول.
في هذا السياق تهاطلت على ذات الموظف المصدوم عدة أسئلة حارقة من قبيل، من أين له أن يغطي باقي مصاريف ضروريات وحاجيات العيد؟ والعطلة والمرض والكراء وفاتورة الماء والكهرباء وقفة الخضر الأسبوعية؟ ومن أين له بأن يسدد "كريدي الشهر الفارط لمول الحانوت والفرماسيان" وهلم إكراهات بعد أن نهب العيد أجرته كاملة؟
بعد أن غادر الموظف البسيط عيادة الطبيب الذي تجرع بدوره مرارة هذا الواقع البئيس معلنا تضامنه مع زبونه بأسلوبه الإنساني؛ استقبل شخصا آخر يريد أن يبعد عنه شر مرض معته قبل عيد الأضحى.
كان الزبون طويلة القامة، ببشرته القمحية، وجسمه يحمل رأسا ضخمة، مدثرا بلباس عمله كتاجر في الأغنام، حيث كانت رائحة البهائم تفوح منه بشكل يوحي بأنه كان يصول ويجول وسط رحبة سوق بيع أكباش عيد الأضحى.
كانت بداية النقاش بين نفس الطبيب وزبونه الجديد حول واقع سوق بيع أضاحي "الْعِيدْ لَكْبِيرْ" حيث أكد "الشَّنَّاقْ" بأن السّوق فيه "الْخَيرْ والْبرَكَةْ" حامدا الله على - نعمته التي لا تعد ولا تحصى - بعد أن تمكن من بيع "خْرُوفَاتْ" هذا الصباح بسعر 3000 درهم... لكنه يتأسف كون أحد إخوته باع نفس "لَخْرُوفَاتْ" بمدينة الدار البيضاء بسعر 3500 درهم أي بزيادة 500 درهم عن السعر المحلي. مما جعله يضرب كفا على كف كونه لم يستجب لرغبة أخيه في نقل وبيع جميع رؤوس "لَخْرُوفَاتْ" بمدينة الدار البيضاء بدل السوق المحلي. علما أن أرباحه تجاوزت 1500 درهم عن كل رأس.
بعد أن تلقيت هذه الوقائع التي تدمي القلب كنت استرق السمع - وأنا أكتب هذه المادة - بالموازاة لزبناء المقهى. كانوا جلهم موظفون بمختلف الإدارات والمؤسسات العمومية، حيث كان موضوع غلاء أكباش عيد الأضحى هو القاسم المشترك بين الجميع، وكانت مرارة الصدمة قوية وكل واحد منهم يحكي بطريقته وأسلوبه ليمرر رسالة "كاد العيد أن يكون كفرا".