الإشهار وانحرافه في توجيه المستهلك لتكوين قناعة الاختيار. نموذج منتوج لصناعة ياغورت يضع في أسفل غطائه العلوي عبارات إيحائية لسلوك يمكن أن يفهم في علم الاجتماع كرغبة معينة وليس إشهارًا للاستهلاك.
أين يمكن تجلي الإشهار الكاذب طبقًا لقانون حماية المستهلك 31.08؟ يعرف كراوفرود "CRAWFORD" الإشهار بأنه فن حث الأفراد على السلوك الاستهلاكي بطريقة معينة، ومن خلال التعريف يتضح أن الهدف الأساسي من الإشهار هو دفع المستهلك لشراء السلع والخدمات المعلن عنها وذلك بالاعتماد على أسلوب الإغراء، أي مخاطبة المشاعر وغرائز المستهلك من أجل التأثير فيه. ومن بين أجود التعريفات الاصطلاحية العربية للإشهار نجد "الإشهار هو ذلك النشاط الذي يؤدي إلى خلق حالة من الرضا النفسي نحو ما يعلن عنه من سلع أو خدمات أو أفكار أو منشآت بغرض الترويج لتلك السلع أو المنتجات أو الأفكار بين الجمهور لكي يقدم على الشراء أو يقنع بالأفكار".
على الرغم من أن مسألة وضع التعاريف ليست من اختصاص المشرع، وإنما تعود إلى الفقه والقضاء، فإن المشرع الاستهلاكي وضع الكثير من التعريفات ضمن القانون 31.08 من أجل تفادي التضارب الفقهي أو القضائي الذي قد يلف مصطلحًا معينًا. وبالرجوع إلى مقتضيات القانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك، وبالضبط في المادة 21 منه، نجد أنه يعرف الإشهار بشكل غير مباشر، بحيث يمنع كل إشهار يتضمن بأي شكل من الأشكال ادعاءً أو بيانًا أو عرضًا كاذبًا. كما يمنع كل إشهار من شأنه أن يوقع في الغلط بأي وجه من الوجوه إذا كان ذلك يتعلق بواحد أو أكثر من العناصر التالية: حقيقة وجود السلع أو المنتوجات أو الخدمات محل الإشهار، طبيعتها، تركيبتها، مميزاتها الأساسية، محتواها من العناصر المفيدة، وغيرها.
يخضع الإشهار في المغرب لتنظيم خاص منذ صدور قانون زجر الغش في البضائع بتاريخ 05/10/1984، إلا أنه مع صدور القانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك أصبح هذا التنظيم دقيقًا ومفصلًا بحيث تم منع الإشهار الكاذب والمضلل وسمح بالإشهار المقارن. فأين تكمن ضوابط الإشهار؟ وما هي المسؤولية المثارة في حالة الإخلال بهذه الضوابط؟
الإشهار الكاذب معناه ادعاء أو زعم مخالف للحقيقة الهدف منه هو تضليل المستهلك عن طريق تزييف الحقيقة أو إصدار تأكيدات غير صحيحة، أو غير مطابقة للحقيقة، أو ناقصة، أو لا يمكن الوفاء بها عمليًا. والكذب الأصل فيه أنه عمل عمدي يهدف إلى الغش. ومن الوجهة القانونية، فالكذب هو عبارة عن تأكيدات غير حقيقية تهدف إلى الخداع، كقيام شركة عقارية بالإشهار عن بيع قطعة أرضية تبلغ مساحتها 300 متر مربع إلا أن مساحتها الحقيقية لا تتجاوز 230 متر مربع، أو اللافتات الإشهارية التي تحمل صورًا لدجاج بلدي وبجانبه البيض الذي يبيضه كدلالة على أن البيض المراد ترويجه يعود إلى الدجاج البلدي، إلا أن الحقيقة ليست كذلك.
أما فيما يخص الإشهار المضلل، فهو ذلك الإعلان الذي يكون من شأنه خداع المستهلك أو يمكن أن يؤدي لذلك. فالإعلان المضلل لا يذكر بيانات كاذبة ولكنه يصاغ في عبارات تؤدي إلى خداع المستهلكين وهذا ما يميزه عن الإشهار الكاذب. ونفس الشيء يمكن ملاحظته في القانون 31.08، حيث نجد المشرع المغربي بدوره يميز ما بين الإشهار الكاذب والإشهار المضلل. ففيما يتعلق بالإشهار الكاذب، جاء في الفقرة الأولى من المادة 21 من القانون 31.08: "دون المساس بمقتضيات المادتين 2 و67 من القانون 77.03، يمنع كل إشهار يتضمن بأي شكل من الأشكال ادعاءً أو بيانًا أو عرضًا كاذبًا". أما عن الإشهار المضلل فقد جاء في الفقرة الثانية من نفس المادة: "يمنع كل إشهار من شأنه أن يوقع في الغلط بأي وجه من الوجوه إذا كان ذلك يتعلق بواحد أو أكثر من العناصر التالية: حقيقة وجود السلع أو المنتوجات أو الخدمات محل الإشهار، طبيعتها، تركيبتها، مميزاتها الأساسية".
وما ينبغي الإشارة إليه هو أن الإشهار الكاذب والمضلل قبل صدور القانون 31.08 كان منظمًا بمقتضى الفصل 10 من القانون 13.84 المتعلق بزجر الغش في البضائع الصادر بتاريخ 05-10-1984، وبصدور القانون 31.08 ألغي الفصل 10 بمقتضى المادة 196.
إن صياغة الفصل 10 من ظهير 05/10/1984 لم توضح طبيعة الركن المعنوي لجريمة الإعلان الكاذب أو المضلل. ونفس الشيء نجده في مدونة الاستهلاك الفرنسية التي أثارت جدلًا واسعًا بين الفقهاء الفرنسيين الذين انقسموا إلى اتجاهين، اتجاه يرى بأنها جريمة عمدية مبررين موقفهم بأن العمد هو الأصل وأن الخطأ هو الاستثناء في ارتكاب الجريمة، وأن النص الملغى لسنة 1963 كان يقتضي سوء النية وأن الوضع لم يتغير مع صدور مدونة الاستهلاك الجديدة. وذهب اتجاه آخر إلى أن هذه الجريمة هي جريمة غير عمدية مبررين موقفهم بأن المشرع حذف عبارة سوء نية المعلن من النص الحالي، فإن كان قد أراد إبقاءها لما قام بحذفها في النص الجديد. والاتجاه الغالب في القضاء الفرنسي ذهب مع هذا الموقف الأخير.
فمختلف الإشهارات تتسم بعدم الموضوعية، ومن مظاهر ذلك أن معظمها يأتي خاليًا من بعض المعلومات الهامة عن السلعة أو الخدمة المعلن عنها، أو تأتي بها غير دقيقة أو خاطئة، وهو ما يحمل المستهلك مشقة إعادة الاستفسار بشأنها. فضلًا عن أن الإشهار يهتم فقط بالجوانب الإيجابية للسلعة من فوائد ومزايا، بينما الصمت لا يزال يحيط بمكوناتها السلبية أو الضارة، كما يحيط أيضًا بالأضرار التي تنجم عن استخدامها، وهذا ما ينعكس سلبًا على سلامة المستهلك.
يمكن القول بأنه يجب علينا وضع يد في يد جميعًا من أجل مصلحة جماعية لخدمة المستهلك واقتصاد الوطن، ولتحقيق الأهداف التي كانت منتظرة من القانون 31.08، من أجل أن يكون المستهلك على وعي بحقوقه التي كفلها له القانون. على اعتبار أن التوعية وحدها هي التي بإمكانها أن تدفع بالمستهلك إلى تفعيل أدواره في المجتمع.
وبمجرد حصول المستهلك على وعي حقيقي وإدراكه لفهم حقائق الأنظمة السوسيواقتصادية، سوف يتمكن من تفادي بعض الأضرار التي قد تحدق به لولا علمه بخبايا ما يتعاقد حوله، وبالتالي التأثير سلبًا على حقه الأساسي الاستهلاكي في الاختيار. فالوعي بالحقوق والمطالبة بها هو الذي من شأنه أن يعيد للنص القانوني وزنه، وفي الآن نفسه قد تستغل المعرفة كآلية لممارسة الضغط على المهنيين للحصول على حقوق أكثر، وإثارة انتباه كل الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين بشأن القضايا المرتبطة بالاستهلاك بصفة عامة والمستهلك بصفة خاصة، على اعتبار أن المستهلك يشكل أهم حلقة في الدورة الاقتصادية.
عبد الرزاق بوقنطار/ الكاتب العام للجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك بالمغرب