يزيد البركة: أفكار خاطئة حول التشكيلة الطبقية للحزب

يزيد البركة: أفكار خاطئة حول التشكيلة الطبقية للحزب يزيد البركة
بعض التفاعلات حول كتاباتي، تنحو اتجاه إشعال الحرائق بحسن نية، خصوصا بعض الردود حول مساهمتي المعنونة ب: "كلما ازدادت العقبات ازداد الامل.."، حيث ركزت على ما تمت تسميته: "المصالح الطبقية" و "البنية الطبقية والفكرية" داخل الحزب وتربط تلك التعليقات بين "البنية الطبقية وظهور الانتهازية اليمينية الوصولية  والمصيبة تسرب هذا الفكر السياسي اليميني الانتهازي إلى الإطارات الجماهيرية والنقابات وصفوف العمال عن طريق القادة اليمنيين "المونشوفيك" كما جاء في بعض التعاليق وبين الإنتاج السياسي والفكري داخل أي حزب. وبالتالي يصبح الصراع الذي سيخوضه الحزب اليساري ضد الاستغلال والاستبداد وضد طبيعة الدولة مماثل للصراع داخل الحزب.
 
هاته الردود الخاطئة، أعادت بي الذاكرة إلى حدثين قديمين، واحد عندما كنت في بداية الطريق السياسي عندما بدأت أتعلم أدوات التحليل وأحاول أن استعمل التحليل الطبقي في كل ما أصادفه وأشاهده: أبحث عن البورجوازيين والعمال والبورجوازية الصغيرة في الحزب، وأبحث عنهم في المدرسة وأبحث عنهم في المسجد.. لم أتخل عن هذه العادة السيئة إلا بعد بضع سنوات من تعميق الدراسة في الفكر الماركسي اللينيني وتجارب الشعوب الثورية والاطلاع على كتابات قادتها.
 
البورجوازي عندما يقرر أن يشتغل بالسياسة ويصبح بورجوازيا سياسيا لا يفعل ذلك من أجل أن يشتري قوة العمل في الحزب الذي التحق به وأن يستخلص منه فائض القيمة، قوة العمل معروضة في السوق وهو في حالة إشباع منها لقد ترك وسائل العمل وراء ظهره، هو سيظهر بمظهر ٱخر أرقى من الأول، إما يريد أسواق جديدة ولا تكفيه السوق الوطنية أو يريد تغيير قوانين لصالح الرأسمال أو يريد تخفيض ثمن قوة العمل، أو أن يدعو ادإلى شكل جديد من الرأسمالية.. وهو بالإضافة لهذا لا يحتاج أن يبحث عن عمال ليكون باطرونا عليهم، من قديم كان السيد والإقطاعي يحتاجان إلى الكاهن والراهب والكاتب والمتعلم لينوب عنه. نفس الأمر في هذا العصر، يحتاج الرأسمالي إلى الديني والمثقف والكاتب والمتعلم.. البورجوازية قليلة العدد في أي مجتمع وهو إن اشتغل سياسيا داخل حزب أو في أي مجموعة بشرية تخضع للتصويت، كبورجوازي إن اشتغل بنفس العلاقة بورجوازي/عامل سيخسر نتيجة التصويت ولهذا يشتغل كايديولوجي، يستعمل إيديولوجيا مزيفة ويقدم وجوها من كل الفئات المجتمعية بما فيها من طبقة العمال. فالبورجوازي/ العامل علاقة موجودة في المجتمع مع كل مكوناتها وعلاقاتها المختلفة، وليس في كل مجموعة بشرية صغيرة تكونت من أجل قضايا محددة ولو كان في هذه المجموعة أفراد من مختلف الطبقات. 
 
الحدث الثاني صادفته في سجن العلو، حيث كان معنا رفيق رحمه الله من العمال، وهو متعلم شيئا ما ومطلع على بعض أساسيات أدوات التحليل، في سنة 1984 في بداية الانتفاضة كان له رأي وهو أن: "هذه الانتفاضة ثورة حقيقية وهي عارمة وتحمل هذه المرة أسباب الانتصار"، وكل مرة يأتينا بخبر عاجل يحمل معلومات مبالغ فيها، وفي أحد الأيام دعا إلى اجتماع عاجل لكل الحزبيين وقال يجب أن نصدر بيانا نعلن فيه انضمامنا للثورة ونعلن من السجن إسقاط النظام، طبعا لم يوافقه أحد على تحليله ولا على ما دعا إليه، وما كان منه إلا أن استخلص بأن البورجوازية الصغيرة بورجوازية متذبذبة وعلينا محاربتها داخل الحزب، ولم تمض إلا بضعة أسابيع حتى أصبح وضع الحزبيين داخل السجن في حالة من الغليان وقد تم وضع كل محام ومدرس وطالب وممرض في صف، وكل عامل وحرفي في صف ٱخر. وكان ذلك حريقا مفتعلا عن حسن نية ولكن في نفس الوقت عن جهل.
 
عندما يقتنع البورجوازي الصغير بالديمقراطية والاشتراكية تدخل عوامل كثيرة لكي يتحول ضد النضال من أجلهما، وهذا التحول لا ينبع من مصلحته كطبقة بل تأتي ظروف وشروط تحوله إلى النقيض من مصلحة ذاتية صرفة وهذا يقع حتى للعامل في ظروف وشروط معينة بحيث يقوى عنده  النزوع الذاتي على أواصر الطبقة ويبحث فقط عن حلول لنجاة ذاته على مصلحة الطبقة التي ينتمي إليها، لهذا من الخطأ الكبير الدعوة إلى دراسة بنية طبقية لأي حزب أو وضع استمارة لترسيم التركيبة ومن اللامسؤولية الدعوة لذلك، وبالتالي تنضيد تحليلات بئيسة فكرية وثقافية على تلك البنية. كم من مناضل بورجوازي صغير وكم من مناضلة بورجوازية صغيرة استشهدت واستشهد تحت التعذيب في كل المجتمعات التي عرفت نضالا طبقيا، وكمثال فقط على قوافل عارمة من هؤلاء روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنيخت الذين اعتقلا معا وعذبا عذابا شديدا ثم أعدما بعد ذلك. بل حتى البورجوازيون الذين يملكون وسائل إنتاج يحمل التاريخ  تأكيدات على أن البعض منهم تغلبت لديهم دوافع ثقافية وفكرية على المصلحة الاقتصادية وكانوا في مقدمة النضال ضد الاضطهاد أو الاستغلال او الاستبداد او ضدها كلها. فمن المصالح الذاتية للفرد تتطور حالات وتلتقي مع أخرى داخل أي جماعة بشرية لتشكل مرضا داخلها، وقد تناول الفكر السياسي الاشتراكي هذه الظاهرة وهي كثيرة الأشكال حسب كل مجموعة معينة، بالنسبة للأحزاب هناك : الإنتهازية، التحريفية، المغامراتية، الانتظارية.. هذه الأمراض لا يمكن إلصاقها بالتركيبة الطبقية بل هي فردية تنمو شيئا فشيئا حتى يصبح لها مكان هام في الهيكل الحزبي، ولهذا يدعو كل قادة التجارب الثورية إلى التصدي لمثل هذه الأمراض في بدايتها الفكرية قبل أن تصبح تنظيمية.