محمد زروال: هذه انتظارات جامعة الطاقة من المدير الجديد للمكتب الوطني للماء والكهرباء

محمد زروال: هذه انتظارات جامعة الطاقة من المدير الجديد للمكتب الوطني للماء والكهرباء محمد زروال رئيس الجامعة الوطنية لعمال الطاقة - الاتحاد المغربي للشغل
بعد أن قدم محمد زروال، رئيس الجامعة الوطنية لعمال الطاقة، تقييما لحصيلة قطاع الكهرباء خلال العشرين سنة الماضية بالمغرب، يوضح في حوار مع "أنفاس بريس"، موقف الجامعة من ملف الشركات الجهوية لتدبير القطاع، وانتظارات الجامعة من طارق حمان، المدير الجديد للمكتب الوطني للماء والكهرباء.
وذكر محاورنا بأن المكتب الوطني للكهرباء مؤسسة وطنية عمومية اجتماعية بطبيعة مهمتها، لأنها في الواقع تقوم بدور المقاصة، فمهما بلغت تكلفة الإنتاج والنقل والتوزيع وغيرها من الأنشطة والخدمات، لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تعكس ذلك على تسعيرة البيع للمواطنين، فالتسعيرة اجتماعية مقننة من طرف الدولة.
 
 
عين الملك محمد السادس، مؤخرا مديرا جديدا للمكتب الوطني للماء والكهرباء، هل نجح المدراء المتعاقبون في تجسيد الرؤية الملكية في القطاع، أو بمعنى أدق ما تقييمك لحصيلة قطاع الكهرباء خلال ال20 سنة الماضية بالمغرب؟
 
بالفعل تم تعيين مدير عام جديد، وهو ابن القطاع حيث سبق له أن اشتغل بالمكتب مدة عشر سنين. بهذه المناسبة نهنؤه ونتمنى له التوفيق والنجاح في مهامه، كما نجح من سبقه، وهذه شهادة حق للتاريخ، فكل المدراء العامون الذين تعاقبوا على مسؤولية المكتب أبلوا البلاء الحسن في النهوض بأوضاع المكتب الوطني للكهرباء وقيادته، للحفاظ على الأمن الطاقي الكهربائي لبلادنا، وتأمين خدمة عمومية اجتماعية للمواطنين عبر التراب الوطني، والمشاركة في التنمية المتواصلة التي تشهدها بلادنا، ولذلك يعتبرالمكتب أحد الدعامات الأساسية التي برتكز عليها الاقتصاد الوطني، فأينما وجهت بصرك، عبر التراب الوطني، فستجد بصمة المكتب واضحة في كل المجالات وفي كل مناحي الحياة. أما على المستوى القاري والإقليمي العربي والدولي فقد طور المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، شراكات و أبرم اتفاقات مع العديد من الفاعلين في القطاع، اتفاقات تعاون و تبادل الخبرات، و عزز مكانته بقيادته لمجموعة من المشاريع في العديد من البلدان على المستوى الإفريقي، وترؤسه للعديد من اللجان والاتحادات عربيا، إفريقيا و دوليا.
 
ولم يكن كل ذلك الإنجاز ممكنا لولا المجهود الجبار الذي يبدله أطر ومستخدمون أكفاء ومتفانون في عملهم خدمة لبلدهم، هذا دون نسيان الدور التأطيري الهام الذي تقوم به الجامعة الوطنية لعمال الطاقة، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، كشريك اجتماعي جدي وذي مصداقية، كانت له دائما علاقات تعاون متميزة مع كل الإدارات المتعاقبة. بفضل كل هذا حقق المكتب الوطني للكهرباء نتائج مبهرة لبلده، وأسهم بقدم راسخة في بناء كل البنيات التحتية والمرافق، من طرق وسكك وسدود وموانئ ومطارات و ملاعب ومصانع وغيرها.
 
لكن علينا قول الحقيقة بدون تحريف أو تزييف. هذا إن كنا حقا نحب بلدنا، وذلك حتى نتمكن من تحقيق تقدم وتنمية في خدمة الشعب، كل الشعب المغربي، وليس في خدمة كمشة من المنتفعين الذين اغتنوا على حساب آلام وهموم وكدح الفئات الشعبية، وجعلوا من التنمية ومن الاسراتيجيات والمخططات الوطنية فرصة و مطية لتحقيق مآربهم في كافة المجالات الفلاحية منها والصناعية والصحية والطاقية وغيرها.
 
لذا، وللجواب على سؤالك، يجب الاعتراف أن العشرين سنة الأخيرة كانت صعبة على المكتب وعلينا جميعا كأطر ومستخدمين، وذلك نتيجة السياسة الطاقية المعتمدة، والتي في عمقها وفي مخرجاتها تهدف إلى تفكيك خدمات المكتب، وخصخصتها. مثلها في ذلك مثل كل السياسات العمومية التي تخصع للتوصيات و الإملاءات اللاشعبية للمؤسسات المالية الدولية، وهذا ما جعل من المكتب كمؤسسة عمومية استراتيجية هدفا مغريا لأطماع القطاع الخاص.
 
يجب التذكير أن المكتب الوطني للكهرباء مؤسسة وطنية عمومية اجتماعية بطبيعة مهمتها، لأنها في الواقع تقوم بدور المقاصة، فمهما بلغت تكلفة الانتاج والنقل والتوزيع وغيرها من الأنشطة والخدمات، لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تعكس ذلك على تسعيرة البيع للمواطنين، فالتسعيرة اجتماعية مقننة من طرف الدولة وظلت مجمدة منذ 2014. وكان المكتب، بالإضافة إلى الدعم المحدود والغير منتظم الذي كانت تقدمه له الحكومة، كان يعتمد على الانتاج الكهربائي كأحد أهم أنشطته المربحة للحفاظ على عافيته المالية، والتغلب على تكلفة الاستثمارات الضخمة التي كان ولا زال يقوم بها في إطار إنجاز مهامه.
 
لكن منذ سنة 1994 تم تجريد المكتب من مهمة الإنتاج، بداية بأكبر محطة حرارية آنذاك، وهي محطة "الجرف الأصفر". وهكذا، تم تحويل الجزء الأكبر من القيمة المضافة لتسمين بعض كبريات المقاولات الخاصة الأجنبية على حساب المؤسسة العمومية الوطنية. لذلك، من البديهي أن يعيش المكتب ما يعيشه من عجز مالي هيكلي، والذي تفاقم بشكل خطير نتيجة تقلبات أسعار مصادر الطاقة عالميا وارتفاعها إلى مستويات قياسية بسبب جائحة "كوفيد"، والتوترات الجيوسياسية، ابتداء بالنزاع الروسي الأوكراني، وانتهاء بالحرب على غزة.
 
فالفحم الحجري الذي كان يقتنيه المكتب ب 60 دولار للطن، مثلا، وصل إلى 450 دولار أي ما يقارب ستة أضعاف قيمته.
 
أمام هذا الوضع المأزوم، والذي لا يتحمل فيه المكتب أية مسؤولية، نجد بالمقابل تلكؤ الحكومة في الوفاء بالتزامها بتقديم الدعم للمكتب، والذي لا يمثل إلا جزءا بسيطا من نسبة العجز المسجل. هذا بالإضافة إلى القصف الإعلامي الممنهج و الجائر، وكذا الهجوم المتواصل لبعض الأصوات السياسوية والشعبوية في القبة التشريعية والتي تتهم المكتب، إما جهلا، أو زورا وبهتانا، بسوء الحكامة و التدبير.
 
لهؤلاء نطرح السؤال التالي: بالله عليكم! أية مقاولة في العالم يمكن لها أن تربح، بل، أن تحافظ على وجودها في ظل مثل هذه الشروط القاتلة؟ وأية قواعد ومساطر إدارة وتسيير المقاولات يمكن لها أن تدبر مثل هذه الوضعية العبثية؟.
 
هناك تحديات كبيرة أمام المدير العام الجديد، أنتم كجامعة ماهي الملفات العاجلة التي يجب عليه الانكباب عليها؟
 
كما ذكرت آنفا، هناك صعوبات جمة، وتحديات عظيمة بسبب السياسة الطاقية المعتمدة، كلها ناجمة عن عدم الوضوح بين الأهداف المعلنة والأهداف الحقيقية، ومحاولة تنزيل ذلك التناقض أو الغموض على أرض الواقع. لذا فمسؤولية المدير العام كبيرة ومعقدة، في التوفيق بين الأجندة الرسمية التي هو معين لأجل مواصلة تنفيذها، وبين إكراهات المكتب الموضوعية والواقعية، و كذا تعقيدات الملفات الاجتماعية المزمنة، وعلى رأسها إشكالية التقاعد.
 
لكن بالمقابل سيجد أطرا ومستخدمين أكفاء، وسيجد شريكا اجتماعيا جديا ومتعاونا لما فيه مصلحة المكتب والعاملين فيه، ومصلحة البلاد، شريطة احترامه واحترام دوره كممثل للأطر والمستخدمين والتشاور معه في كافة شؤونهم الشغلية والاجتماعية. وكدليل على ذلك، منهجية تعاطينا مع ملف الشركات الجهوية المتعددة الخدمات، وكيف أننا بعد مسلسل مفاوضات جدية ومسؤولة مع الأطراف الحكومية المعنية والإدارة العامة للمكتب الوطني للكهرباء توصلنا إلى توقيع اتفاقية إطار تضمن التوازن المالي للمكتب و تحمي الحقوق والمكتسبات التاريخية للأطر والمستخدمين نشيطين ومتقاعدين. لكن في ملف تفويت خدمة توزيع الكهرباء إلى شركة التدبير المفوض بالدارالبيضاء بين سنتي 2014 و 2015 ، عندما عملت الجهات المعنية على تهميشنا كشريك اجتماعي ووقعت اتفاقية التفويت عنوة في غيابنا، أجهضنا تفعيل وتنزيل تلك الاتفاقية، وجنبنا بذلك فقدان المكتب ل10% من رقم معاملاته. فعلنا ذلك أولا دفاعا عن المؤسسة العمومية، واحتراما لدورنا الدستوري.
 
من الملفات المطروحة ملف الشركات الجهوية لتدبير القطاع، ما موقف الجامعة من هذه الشركات؟ وهل تتفقون مع من يقول أنها تهدد مصالح شغيلة القطاع؟
 
ملف إحداث شركات جهوية متعددة الخدمات هو جزء من أجزاء السياسة الطاقية الوطنية والتي ذكرت موقفنا منها في الرد على السؤال الأول. وقد قامت الجامعة الوطنية لعمال الطاقة بتقديم مذكرة في الموضوع لرئيس الحكومة السابق ومراسلة لرئيسها الحالي، ومعه الوزارة المكلفة بالملف، كما عقدت لقاءات تواصلية مع مجموعة من الأحزاب السياسية الوطنية لبسط وجهة نظرها حول الملف، و تحميلها مسؤولية الدفاع عن الخدمة العمومية و عن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، كمرفق عام استراتيجي يؤدي خدمة عمومية واجتماعية.
 
وبعد التشاور مع الأمانة الوطنية لمنظمتنا الاتحاد المغربي للشغل، وبعيدا عن الجانب والموقف السياسي للملف، وفي إطار ممارسة أدوارها الدستورية في تأطير المستخدمين والدفاع عن مصالحهم، دخلت رئاسة الجامعة إلى جانب إدارة المكتب و الوزارات والمؤسسات الاجتماعية المعنية في مفاوضات جدية حول مشروع إتفاقية إطار تقدمت به الجامعة للحفاظ على التوازن المالي للمكتب الوطني للكهرباء ولحماية وصون حقوق ومكتسبات المستخدمين. كما تم بالموازاة مع ذلك و بتعاون مع فريق منظمتنا بمجلس المستشارين ووزارة الداخلية، دراسة ومناقشة القانون 21-83 وتم تحقيق تعديلات مهمة عليه، خصوصا المادة 16 منه المتعلقة بالحقوق والمكتسبات الشغلية والاجتماعية للأطر والمستخدمين. كما تم عقد المجلس الوطني للجامعة، قدمت فيه نتائج وخلاصات المفاوضات التي حصلت على الموافقة المبدئية من جميع الأطراف. و بعد المناقشة، تمت المصادقة على الملف بإجماع أعضاء المجلس الوطني الذي أعطى الضوء الأخضر لرئاسة الجامعة بتوقيع "الاتفاقية الإطار". واليوم نحن نعيش مرحلة تنزيل تلك الاتفاقية، وحريصون كل الحرص على إلتزام الدولة بتنفيذ كافة مضامينها كما اتفق عليها بدون تحريف. ولنا الثقة في أن الأطراف الأخرى الموقعة لها نفس الحرص. والجامعة الوطنية لعمال الطاقة سليلة الاتحاد المغربي للشغل و المحافظة على مبادئه والمتشبثة بها، لا تزيدها الأحداث والضربات إلا صلابة وقوة ومناعة، ولا تخاف أي تهديد. ولا أعتقد أن هناك تهديد لمصالح المستخدمين. لكن يبقى هناك قلق و تخوف كبيرين على القدرة الشرائية للطبقات الشعبية والفقيرة.
 
 لماذا وما السبب؟
 
إلى الآن، لا أدري كيف ستتعامل الشركات الجهوية مع الوضع الحالي، وإلى أي حد يمكنها الالتزام بالتسعيرة الاجتماعية. فالغالبية العظمى من المواطنين، ومنهم ساسة يدبرون الشأن العام، ومنهم بعض ممثلي الأمة يجهلون العديد من المسائل الجوهرية التي تميز منهجية تدبير التوزيع في المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، و منها مسألة معادلة التعريفات (péréquation tarifaire) على المستوى الوطني والإقليمي، والتي تمت دراستها بحس وطني رفيع، على أساس التضامن بين العالم القروي والمجال الحضري، والمناطق الجبلية والصحراوية وغيرها من المناطق. كما إن نجاح برنامج الكهربة القروية الشامل (PERG) في بلدنا واستدامته الاقتصادية إلى يومنا هذا، لم يكن ممكنا إلا بفضل برنامج تمويل قائم على أساس التضامن الوطني، تمت بلورته وتنزيله بحرفية عالية وبصرامة تدبيرية من طرف مكتب وطني يتمتع بخبرة وجودة إدارة مشهود لها إقليميا وقاريا ودوليا.
 
‏ ‏إن المغرب بلد ذو جغرافيا معقدة ويتسم بعمق التباينات والتفاوتات الإقليمية الاقتصادية والاجتماعية الصارخة، و التي يجب أن يتواصل تصحيحها من أجل بناء تماسك إنساني متين على المستوى الوطني. لذا، فإن قوة الفاعل العمومي الوطني تكمن في نجاحه في معادلة التوفيق بين الذهاب إلى أقصى المناطق حيث الهشاشة والفقر لتزويد الساكنة بالكهرباء والماء باستمرار، وما يترتب عن ذلك من تكاليف باهضة، وكذا تعويض تلك التكاليف بالمكاسب التي يحققها في المجال الحضري. وهذا ما لا يستطيع القيام به أي فاعل جهوي أو إقليمي خاص أو عام دون المساس بالأسعار في المناطق الفقيرة، وهو ما يعتبر انحراف ومنزلق محفوف بالمخاطر.
 
لذلك، وفي غياب أي تواصل يذكر حول الهوية الحقيقية للشركات الجهوية المتعددة الخدمات، فالحكومة، اليوم، في المراحل الأخيرة من كسر نموذج المكتب الوطني للكهرباء، والذي أثبت إلى جدارته، ويتم استبداله بنموذج ينطوي على مجازفة خطيرة بالمكاسب التي تم تحقيقها، نموذج يثير العديد من الشكوك حول حماية أسعار وتكاليف الاستفادة من خدمات الكهرباء والماء و التطهير السائل، ويعمل على توسيع الفجوات الاجتماعية على المستوى الوطني، ويكبح تنمية المناطق الهشة والفقيرة، فإلى يوم الناس هذا، لم يتم الإفصاح عن نتائج دراسة الجدوى والعوائد الاقتصادية والاجتماعية وكذا المخاطر المحتملة على المستويين الإقليمي والوطني، ل "إصلاح" قطاع توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل. إنما هي ذرائع ومبررات أوهن من بيت العنكبوت، و دعاوى إصلاح فارغة تقدم بها السيد الناطق الرسمي باسم الحكومة، إنه نفس المنطق التبريري الذي تحكم في مقدمة مشروع قانون 21-83 المتعلق بإحداث شركات جهوية متعددة الخدمات، ذرائع ومبررات تجافي حقيقة مايجري بالقطاع وتمعن في تحقير ذكاء المغاربة، بالاستمرار في هذا التحدي الأعمى لحقائق لا تغفلها العين، و الهروب نحو المجهول، وتضرب في العمق العمل الجبار الذي قام به المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب لبلده، وتضع موضع شك مستقبل سيادتنا الطاقية، وتزيد من معاناة الطبقات الشعبية إذا تم المساس بالتعريفة الاجتماعية.
 
ماهي انتظارات الجامعة من المدير العام الجديد للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ONEE، لاسيما في الشق الاجتماعي ومكتسبات شغيلة القطاع؟
 
أن يحرص على التنزيل الأمثل للإتفاقية الإطار، حرصا على مصالح المكتب وحقوق ومكتسبات الكهربائيين. وأن يتدخل لدى وزارة المالية للتسريع بالاستجابة لما اتفق عليه مع الإدارة العامة حول الزيادة في الأجور. كما يجب على الدولة أن تدافع على مؤسستها، المكتب الوطني للكهرباء والماء، و الذي يتعرض للتبخيس والقصف الإعلامي والاتهام بسوء التدبير من أطراف سياسية معلومة، في كل مناسبة يتم الحديث فيها عن الدعم الذي هو من أوجب الواجبات نحوها للإستمرار في أداء مهامها العمومية والاجتماعية. فالمكتب لايطلب إحسانا من أحد. كما يجب على الوزارة المعنية أن تحارب ظاهرة اختلاس الكهرباء وتخريب المنشآت الكهربائية التي تكبد المكتب خسائر سنوية فادحة.