أثارت انتباهي تدوينة أحد الأصدقاء، حيث أعرب عن حسرته لما لاحظه من سلوكات بعض التلاميذ وهم يمزقون دفاترهم وكتبهم الدراسية و يلقون بها في الشارع العام ، طإعلانا عن نهاية الموسم الدراسي.
وفي الحقيقة ربطت هذا السلوك بسلوكيات أخرى أصبحت تنتجها المدرسة العمومية و منها "النقلة" وأيضا تنامي ظاهرة الدروس الإضافية حتى على مستوى التعليم الأولي أو ما قبل التمدرس ، إذ تعرف شوارع المدينة ليلا حركة دؤوبة للتلاميذ والتلميذات و الأباء والأمهات، و هم يترددون على مقرات المدارس الخصوصية أو بعض المقاهي أو بعض مقرات مدارس الحلاقة … حيث تعطى الساعات الإضافية المؤدى عنها طبعا.
بناءا عليه يطرح السؤال التالي:
لماذا هذه المظاهر التي أصبحت تنتجها المدرسة العمومية ؟ و من هم الذين وراء هذه السلوكيات ؟ . إن ما يجب أن نعرفه هو أن المدرسة العمومية عبر التاريخ كانت عنوان الجد و الأخلاق و المنافسة الشريفة و البحث و تطوير المفاهيم و المعارف . وقد تخرج منها مهندسون متخصصون وعلماء في البحث العلمي والاكتشافات وعلماء في الآداب و في التاريخ و في علم الاجتماع وعلم الأنثروبولوجيا الخ. لم يكن التلاميذ ولا التلميذات يعتمدون في الإختبارات أو الإمتحانات الإشهادية على النقل أو "النقلة" أوعلى الساعات الإضافية خارج الحقل المدرسي و خارج الزمن المدرسي ،و لا يرضى التلميذ لنفسه أو التلميذة لنفسها الجهل و التخلف عن الركب القرائي ولا على الإكتشاف العلمي ، ذلك لأن المدرسة العمومية كانت تغرس في أبنائها و بناتها قيم المنافسة والأخلاق الحميدة، وقيم التضامن والتسامح عبر برامج مساعدة على ذلك و بمجهود الأساتذة والأستاذات.لقد كان رجل التعليم هو الموجه والمربي و المكون والمثل الأعلى والقدوة في تخليق الحياة العامة .كان هو المبادر في خلق الأنشطة القرائية المتنوعة والمتعددة و في تكوين مكتبة الفصل ثم مكتبة المدرسة و التحفيز على تكوين مكتبة منزل المتعلم والمتعلمة،إلى جانب ذلك كانت تتم مسابقات في القراءة و في الشعر وفي الغناء و الموسيقى والرقص والرياضة.. حتى أن الطفل يجد في مدرسته "المدرسة الحلوة"حقا ، وليس شعارا للاستهلاك ليس إلا.كان هناك تلاميذ و تلميذات يحتفظون بمقراراتهم الدراسية لأنفسهم، لإغناء خزاناتهم المنزلية أو للاستعارة، تلبية لحاجيات أصدقائهم وصديقاتهم لهذه المقررات للسنة الدراسية القادمة. وهو سلوك تضامني تربوي و ثقافي وإنساني، علمته لهم المدرسة العمومية.فلما تخلت الدولة عن التعليم وألقت به في عالم الريع و تركت المدرسة العمومية بدون روح تربوية تعليمية/تعلمية هادفة وبدون قيم إنسانية واجتماعية، وجد المتعلم والمتعلمة أنفسهم في معتقل يومي يعمل على شحن عقولهم بالمتلاشيات المعرفية والتربوية غير قابلة للاستعمال ولا لفهم الواقع المعيش ولا للتواصل مع المحيط الخارجي ،مما يجعلهم في وضعية نفسية واجتماعية ذات ردود فعل سلبية تجاه المدرسة وما يخرج منها وما يأتي منها فيقدمون على ما أقدموا عليه من التخلص من مراجع و دروس بالنسبة لهم لا تنفع ولا جدوى منها .هي ردود فعل منتظرة في ظل مجتمع تسود فيه مظاهر الفساد والبحث عن المنفعة الخاصة و مظاهر التزوير و المحسوبية والفقر والأمية و الجهل و التفاوت الطبقي و تهميش رجال التعليم و التنكيل بهم وتحويلهم إلى آلات تمرير برامج غيرمنسجمة مع متطلبات الطفل و المجتمع على الرغم عنهم .
إن المدرسة التي كان يتخرج منها أعمدة المجتمع في الحاضر و المستقبل تحولت إلى مدرسة تنتج الكراهية النفاق والتطبيع مع الغش والانحراف و الهجرة السرية والجريمة المنظمة والتمرد على القيم الإجتماعية والثقافية الإنسانية .