اضطر رئيس الوزراء ريش سوناك (44 سنة ) يوم 22 ماي وتحت زخات مطرية بللت جزءا من بدلته... إلى إعلان عن حل البرلمان وانتخابات مبكرة يوم الخميس 4 يوليوز بعد إبلاغ رئيس الدولة الملك شارل لثالث...
وقد فسّر أغلب المحليين خلفيات هذا القرار برغبة سوناك بوقف نزيف النتائج السلبية لمختلف استقراءات الرأي والخاصة بنية التصويت والتي وصلت إلى أكثر من20 % لفائدة حزب العمال... بعد تصريحات سابقة لسوناك بإجراء انتخابات في خريف سنة 2024.. والتي كان من المفروض إجرائها أصلا في شهر يناير من سنة 2025...
من جهتها فإن المعارضة و على رأسها " كير ستارمر " 61 سنة زعيم حزب العمال..ابتهجت للقرار وقال بأنه حان وقت التغيير...
فلكل من حزب المحافظين( اليمين ) و العمال ( اليسار )..له حساباته و معادلاته و أيضا تراكماته...
فالمحافظين سكنوا مبنى رقم 10 داونين ستريت منذ 2010 مع دافيد كامرون اي منذ 14 سنة...عرفت مرور 5 رؤساء حكومات و أحداث سياسية قوية كتنظيم استفتاء "بريكسيت" سنة 2016 وتداعيات كورونا 2020 والحرب في أوكرانيا 2022 والحرب في غزة / فلسطين 2024 ...وارتفاع الكلفة الاقتصادية والاجتماعية... وهو ما ترتب عنه كلفة سياسية لحزب المحافظين..ظهرت في نتائج الانتخابات البلدية في 4 ماي الماضي والخسارة الكارثية لحزب المحافظين إذ لم تسجل مثل تلك النتائج منذ سنة 1998.. لقد خسر المحافظين حوالي نصف مقاعدهم وبعض قلاعهم الانتخابية...كما تمت إعادة انتخاب العمالي "صادق خان" 53 سنة على رأس عمدية لندن للمرة الثالثة.. وهو الحدث السياسي الذي زاد من ثقة حزب العمال بفوزهم بالتشريعيات القادمة.. من جهة و دق ناقوس الخطر في صفوف المحافظين من جهة ثانية...
وقد اعتمد سوناك وفريقه السياسي في اعلان يوم الخميس 4 يوليوز لانتخابات مبكرة بستة أشهر عن موعدها العادي..على عنصرين مهمين أولهما: نتائج انتعاش اقتصادي بنسبة 0،6% في الثلاثة أشهر الأخيرة وتراجع نسبة التضخم 2،3% في شهر أبريل و3,2% في شهر مارس.. وثانيهما إعلان تاريخ اول رحلات "مشروع رواندا" الخاص بالمهاجرين الغير الشرعيين في بداية يوليوز....
وهنا نذكر بضرورة الوقوف عند تاريخ أول رحلات مشروع رواندا... وهل هو صدفة أم دس للسم لحزب العمال... إذ سيتزامن مع إعلان نتائج الانتخابات..؟
أعتقد أن سوناك و فريقه قدم هدية مسمومة للوضع السياسي و للحملة الانتخابية...إذ من جهة سيخفف من حدة الاحتجاجات الحقوقية و الإعلامية أثناء الحملة الانتخابية... و يحمل إجابات قوية لليمين في ملف الهجرة و اللجوء من جهة ثانية...
في حين أن تاريخ الرحلات هو تفخيخ المرحلة لما بعد انتخابات 4 يوليوز و ما ينتظر "مشروع رواندا " من ضغوط و طعون من طرف المنظمات و الهيئات الحقوقية و الإنسانية و خروقاته لمقتضيات المواثيق الدولية....
ليس هذا فحسب.. فرغبة المحافظين بوقف نزيف استقراءات الرأي... والذهاب إلى تشريعيات مبكرة... يتضمن أيضا توظيفا لحالات الغضب والانقسام داخل الحزب العمالي على خلفية تدبير أحداث غزة / فلسطين... إذ في الوقت الذي اظهرت تصريحات "ستارمر" تعاطفا مع إسرائيل... بعد السابع من أكتوبر 2023 في إطار إعادة ترتيب علاقة الحزب العمالي مع ملف "معاداة السامية" والتي طبعها النفور والتراشق في عهد الرئيس العمالي السابق "جيريمي كوربين" لكن أحداث غزة وقتل المدنيين الأطفال والنساء وهدم البيوت والمستشفيات بغزة... أشعل الشارع البريطاني وطلاب الجامعات والمناصرين للقضية الفلسطينية في الهيئات الحزبية والحقوقية والإنسانية...وهو ما قد يؤثر على قرارات التصويت للعديد منهم و في مقدمتهم الناخبين المسلمين ببريطانيا...
لكن الانقسام وفرضية إحتمال هجرة الناخبين تبقى قائمة من وسط اليمين المحافظ إلى اليمين المتطرف... خاصة إذا علمنا بتعيين شخصية حزبية وسياسية من طينة " ناجيل فرج " رئيسا شرفيا لحزب Reform UK أو عودة " بوريس جونسون " إلى اللعبة السياسية... وكذا انتعاش حزب اللبيراليين الديمقراطيين وحزب الخضر...
كل هذا وسط اتهامات الحزب العمالي بفشل سياسات المحافظين وغلاء المعيشة وكلفة البريكست... لذلك سارع "ستارمر" إلى لقاء بعض القادة السياسيين للاتحاد الأوروبي لترتيب مرحلة ما بعد المحافظين... وأنه حان وقت التغيير بعد 14 سنة لحزب المحافظين...
من جهته، أكد سوناك على عزمه قيادة المعركة من أجل ربح كل صوت يضمن استمرار المحافظين واستكمال المشاريع...
لكن احتجاجات الشارع وارتفاع الكلفة الاقتصادية وأحداث غزة وشخصية المحامي "ستارمر" الذي أعاد ترتيب البيت العمالي... عصفت بأحلام المحافظين بالبقاء في السلطة ما بعد 4 يوليوز... وعززتها استقراءات الرأي التي فاقت 20% لصالح الحزب العمالي... أضف ان الحملة الانتخابية الجديدة ستعرف توظيف آليات جديدة تتمثل في الذكاء الاصطناعي وإمكانية صناعة محتويات دعائية مزيفة لهذه الجهة أو تلك بالاضافة الى الاستعانة بتطبيق "تيك توك" للتواصل مع الناخبين الشباب....
فهل يصمد المقود البريطاني على اليمين المحافظ...أم سيميل الناخب البريطاني جهة القلب و يصوت يسارا للعمالي...؟