الطيب حمضي: طلبة الطب لا يمكن أن يكونوا ضحايا للإصلاح والتغيير فـي مجال الصحة

الطيب حمضي: طلبة الطب لا يمكن أن يكونوا ضحايا للإصلاح  والتغيير فـي مجال الصحة الدكتور الطيب حمضي وفي الإطار وقفة احتجاجية لطلبة الطب والصيدلة بالدار البيضاء
يرى الدكتور الطيب حمضي، طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية،تعليقا على الأزمة التي تعيشها كليات الطب والصيدلة أنه‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬جداً‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬المطبات‭ ‬والزوابع‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬بدأت‭ ‬تعتمد‭ ‬مراجعة‭ ‬جذرية‭ ‬للمنظومة‭ ‬الصحية.
وشدد محاورنا في تصريح خص به أسبوعية
"الوطن الآن" في عددها الجديد، يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬رؤية‭ ‬واضحة‭ ‬لدى‭ ‬من‭ ‬ينزل‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات،‭ ‬وعند‭ ‬من‭ ‬ستشملهم‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬من‭ ‬المهنيين‭ ‬الصحيين،‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬أو‭ ‬العام.
 
بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬كصاحب‭ ‬مقترح‭ ‬وباحث‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬والنظم‭ ‬الصحية،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬جداً‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬المطبات‭ ‬والزوابع‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬بدأت‭ ‬تعتمد‭ ‬مراجعة‭ ‬جذرية‭ ‬للمنظومة‭ ‬الصحية،‭ ‬وفتح‭ ‬ورش‭ ‬تعميم‭ ‬التغطية‭ ‬الصحية،‭ ‬والتأمين‭ ‬الإجباري‭ ‬على‭ ‬المرض‭ ‬لجميع‭ ‬المغاربة،‭ ‬ومراجعة‭ ‬المنظومة‭ ‬الصحية‭.‬
‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬نظرة‭ ‬الدولة‭ ‬لقطاع‭ ‬الصحة،‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬بدأت‭ ‬تتغير‭. ‬ففي‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬قطاع‭ ‬الصحة‭ ‬قطاعاً‭ ‬اجتماعياً‭ ‬يستنزف‭ ‬الميزانية،‭ ‬اليوم‭ ‬تغيرت‭ ‬مقاربة‭ ‬الدولة‭ ‬والتي‭ ‬عبر‭ ‬عنها‭ ‬الملك‭ ‬واعتمدتها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬(كلجنة‭ ‬النموذج‭ ‬التنموي،‭ ‬والمجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬والمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والبرلمان‭ ‬بغرفتيه‭...‬)،‭ ‬بحيث‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬التقارير‭ ‬والدراسات‭ ‬واللجان‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬بهذا‭ ‬القطاع‭ ‬الحيوي،‭ ‬بدأت‭ ‬تنظر‭ ‬لقطاع‭ ‬الصحة‭ ‬كقطاع‭ ‬تنموي‭.‬

هذه‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬القطاع،‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬مرور‭ ‬الكرام،‭ ‬فعندما‭ ‬نعتمد‭ ‬مراجعة‭ ‬جذرية‭ ‬للمنظومة‭ ‬الصحية،‭ ‬فإننا‭ ‬نعتمد‭ ‬إصلاحات‭ ‬عميقة‭ ‬جداً،‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬لا‭ ‬تنحصر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الاعتمادات‭ ‬المالية‭ ‬المناسبة،‭ ‬بل‭ ‬يصاحبها‭ ‬استراتيجية‭ ‬متكاملة‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬الأطباء‭ ‬والممرضين‭ ‬وفي‭ ‬المناهج‭ ‬المعتمدة،‭ ‬وترسيخ‭ ‬الحكامة‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬ووسط‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬اعتماد‭ ‬منهجية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬التعليم‭ ‬الطبي‭ ‬سواء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأطباء‭ ‬أو‭ ‬الصيادلة‭ ‬أو‭ ‬الممرضين‭. ‬وبالتالي‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬جداً‭ ‬أن‭ ‬تتسبب‭ ‬هذه‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الرجّات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أننا‭ ‬ولمدة‭ ‬60‭ ‬سنة‭ ‬ونحن‭ ‬نسير‭ ‬بنمط‭ ‬معين،‭ ‬وعندما‭ ‬نريد‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬فإننا‭ ‬نصطدم‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭. ‬لكن‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح‭ ‬هو:‭ ‬ما‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المشاكل؟.

في‭ ‬الحالات‭ ‬العادية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬رؤية‭ ‬واضحة‭ ‬لدى‭ ‬من‭ ‬ينزل‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات،‭ ‬وعند‭ ‬من‭ ‬ستشملهم‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬من‭ ‬المهنيين‭ ‬الصحيين،‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬أو‭ ‬العام،‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬طلبة‭ ‬يخضعون‭ ‬للتكوين،‭ ‬ومدارس‭ ‬تكوين‭ ‬الممرضين‭ ‬والممرضات،‭ ‬وجميع‭ ‬القوانين‭ ‬المرتبطة‭ ‬بهذه‭ ‬المؤسسات،‭ ‬وصناديق‭ ‬التأمين،‭ ‬والنقابات‭...‬

لكن‭ ‬غير‭ ‬العادي،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نصل‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬كليات‭ ‬الطب‭ ‬والصيدلة،‭ ‬والتي‭ ‬ستتسبب‭ ‬في‭ ‬ضياع‭ ‬السنة‭ ‬الدراسية‭ ‬عند‭ ‬معظم‭ ‬الطلبة،‭ ‬وهذا‭ ‬غير‭ ‬معقول‭ ‬وبالتالي‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬يجنبنا‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬السيء‭. ‬اليوم‭ ‬هناك‭ ‬مطالب‭ ‬معقولة‭ ‬لطلبة‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬والصيدلة،‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬تم‭ ‬الاستجابة‭ ‬له‭ ‬وجزء‭ ‬آخر‭ ‬يجب‭ ‬فتح‭ ‬حوار‭ ‬حوله‭ ‬لنصل‭ ‬لحلول‭ ‬ترضي‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭. ‬على‭ ‬الطلبة‭ ‬أن‭ ‬يعرفوا‭ ‬أنهم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬لهم‭ ‬جميع‭ ‬التوضيحات‭ ‬الكافية‭ ‬والإجابة‭ ‬عن‭ ‬الأسئلة‭ ‬العالقة‭ ‬لديهم،‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬خطة‭ ‬للإصلاح‭ ‬ونطلب‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬يستوعبها‭ ‬بسهولة‭.‬

نقطة‭ ‬أخرى‭ ‬يجب‭ ‬التأكيد‭ ‬عليها،‭ ‬هناك‭ ‬ملاحظات‭ ‬واقتراحات‭ ‬للطلبة‭ ‬والنقابات‭ ‬والأطباء،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تؤخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تنزيل‭ ‬هذه‭ ‬الأوراش‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الصحة‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬إرادة‭ ‬البناء‭ ‬موجودة‭ ‬عند‭ ‬الطرفين:‭ ‬الدولة‭ ‬والطلبة،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬خلال‭ ‬أزمة‭ ‬كليات‭ ‬الطب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬سوء‭ ‬تفاهم،‭ ‬لأن‭ ‬طلبة‭ ‬الطب‭ ‬هم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬التغيير‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬شركاء‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬ضحايا‭ ‬لهذا‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬والثورة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحة،‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬مشاركون‭ ‬فعليون‭ ‬فيها‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المستفيدين‭ ‬الأوائل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭.‬

فالخلاف‭ ‬القائم‭ ‬حول‭ ‬مدة‭ ‬الدراسة‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬كلها‭ ‬مسائل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تطرح‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬النقاش‭ ‬الجدي‭ ‬المسؤول،‭ ‬لأن‭ ‬النقاش‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتداول‭ ‬فيه‭ ‬اليوم‭ ‬هو:‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬مواصفات‭ ‬وكفاءات‭ ‬الطبيب‭ ‬الذي‭ ‬يريده‭ ‬المغرب‭ ‬لـ‭ ‬30‭ ‬سنة‭ ‬المقبلة؟،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬السياسة‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬نريدها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة؟‭. ‬ففي‭ ‬اعتقادي‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننكب‭ ‬عليها‭ ‬ونجد‭ ‬لها‭ ‬أجوبة‭ ‬معقولة‭ ‬وعملية،‭ ‬والباقي‭ ‬كله‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتوافق‭ ‬حوله‭ ‬ونجد‭ ‬له‭ ‬حلولاً‭ ‬عاجلة‭.‬

اليوم‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬إنقاذ‭ ‬السنة‭ ‬الدراسية‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬نقاش‭ ‬فيه،‭ ‬وعلى‭ ‬الطلبة‭ ‬أن‭ ‬يلتحقوا‭ ‬بكلياتهم‭ ‬ويستأنفوا‭ ‬الدراسة،‭ ‬والأشكال‭ ‬النضالية‭ ‬متنوعة‭ ‬وموجودة‭ ‬ومتعددة،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مستقبل‭ ‬الطلبة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬احتياجات‭ ‬المنظومة‭ ‬الصحية‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬لهم‭. ‬ثانياً،‭ ‬الطلبة‭ ‬قدموا‭ ‬مطالب‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬لم‭ ‬يتحقق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬فتح‭ ‬حوار‭ ‬وطني‭ ‬لإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬سريعة‭ ‬لجميع‭ ‬المشاكل،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭ ‬هو‭ ‬إصلاح‭ ‬مغربي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المغاربة‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬إنجاح‭ ‬ورش‭ ‬إصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬الصحية‭ ‬وإصلاح‭ ‬التكوين‭ ‬الطبي‭ ‬بالمغرب‭.‬