انتهت حكاية جرح غائر ينزف يوميا أمام آلاف المشاهدين...
ماتت عجوز كانت تحرج كبرياءنا...
ماتت عجوز كانت تضحكنا من شظايا عمر قاس بلا رحمة...
ماتت العجوز... لم يبكها غير شابة... زادت الصورة التباسا وغموضا..
أسدل الستار عن حكاية درامية، لعجوز في آخر أيامها القاسية، تحولت إلى فرجة... ثم موعد مع السخرية...
فالزهايمر والخرف والعجز والمرض... والرصيف والذل ... كلها أشياء صارت قابلة للترويج... سلعة بالعملة الصعبة...
ماتت مي السعدية...
لم تكن أم أحد...
لكنها هكذا سماها هوليود الفيسبوك...
لا بد من اسم للشهرة...
سيكتومات يومية بلا نص ولا مخرج، غير لسان عجوز اختلطت في عقلها خرائط القول المباح وغير المباح...
الشيخوخة... قد تحولنا مجرد أطفال...
بلا وصلة قيمية ولا اجتماعية...
والبوصلات المختلة تبيع وتفتن...
فالغريب مطلوب...
ولو على جسد معطوب....
ولو كان ثمنه... الكرامة...
حملوها... بضعة رجال...
ونزلوا بها السلالم في عراء جديد...
نزلوا بها السلالم التي قست فضاقت، كحياتها، ونفسها ومزاجها... و"خاطرها "...
ضاقت السلالم ...كأن حكاية الدراما والسخرية أبت إلا أن تقدم لنا مشهدا حزينا أخيرا.. موجعا...
يحرج العقل والقلب...
كلنا مدانون... بتهمة جديدة...
اسمها الفرجة... كلما كان العرض... البؤس والذل والضعف والاستغلال...
متى ماتت هذه العجوز...؟
ليس اليوم...
ماتت منذ حولوها فرجة...
ماتت منذ رمي بها في الشارع...
ماتت منذ صار الشيخوخة... تلبسا بعمر طويل...
ماتت منذ تحولت بطلة رغم عنها لفرجة نضحك منها وبها ملء أفواهنا...
ونضرب كفا بكف...
ماتت يوم تحول البؤس إلى عرض فرجوي..
يستقطب آلاف المشاهدات...
فكما جعلوا منها فرجة في أرذل العمر....
كانوا في حاجة إلى آخر رمق منها لتكتمل صورة الألم والنحيب...
كان عليها أن تحيا وهي جثة...
لتقدم الجثة آخر خدمة...
والعداد سعيد..
والدرج قاس بلا قلب...
حتى السلالم لم ترحمها...
كيف ضاقت على جسد هزيل هده المرض وأنهكه الهرم، وخذله الخرف...؟
حتى الأدراج لم تمنحها عبورا مشرفا نحو دار البقاء...
السلالم...تحالفت مع الزمن القاسي..
وغدت منعطفات ضيقة في رحلة جسد نحو ثراه...
ماتت مي السعدية...
في زمن صار فيه الخرف فرجة...
في زمن غدا فيه الضعف متعة...
في زمن أصبح فيه العوز تسلية...
ماتت مي السعدية...
وكان عليها أن تقدم خدمتها الفرجوية...
جسدا بلا روح...
أمثالها...
لا يعشن... بل تعيش فيهن الدنيا... ويقتات العبث... ويتحولن إلى مجرد قناع لموتنا نحن الإكلينيكي...
ماتت...
فقط هذا هو الخبر...
ولن نعرف من أين أتين.
أمثالها رجالا ونساء ... يشيخون على الفيسبوك...
يموتون مليون مرة، حتى بعبث الأبناء..
أمثالها يتحولون مهرجين ... لنضحك من العجز... من كائنات تائهة خائفة..ترتجل القول،
ولأن مي السعدية في كانت في أرذل العمر...
حتى لا خرائط للحياة، وتختلط الطفولة والشيخوخة...يغدو الفحش اللغوي ملح كل فرجة...
ماتت مي السعدية...
حتى الأدراج لم تفسح للجسد البارد الطريق ليعبر نحو اللحد الذي تأخر، فتحولت العجوز... بطلة للسخرية السوداء...
ماتت...ماتت...
ولأنها مضطرة لمنح الفرجة حتى وهي ميتة...
كأنها تؤدي فاتورة الرحيل بلا إذن..
قدم جثمانها الهزيل آخر عرض مأساوي...
هل نضحك هذه المرة...؟
هل نجرؤ...؟
كالعادة نشاهد في صمت وخوف...
الموت مخيف...
والجنازات إحراج تاريخي للعقل...
ولأننا مجرد مشاهدين...
قد نترحم... ونمضي...
ماتت... ماتت
والجسد البارد يتلمس الطريق نحو مدفنه...
كأنه يسائل تفاهاتنا التي تحول فيها الموت فرجة...
كأنه يسائل كل ضمير حي... وقلب شفاف..
عما يقع لنا جميعا...
عن أصل هذا الخواء الذين في أرواحنا...
عن أنفسنا التي تاهت من أنفسنا...
كيف صرنا هكذا...؟
أين ضيعنا ما كنا...؟
أين تركنا زهر القرابة...؟
كيف تحالفنا والصخر...؟
من أين أتى كل هذا الجنون للعقول...؟
أين المغاربة...؟
ماتت مي السعدية...
ولأن المشهد الدرامي الساخر لم يكتمل...
كان على السلالم أن تضيق...وتضيق
وكان على الجسد.. ما تبقى منه، أن يحمل في " مانطة"... ويتلمس الرجال الطريق نحو سرير الموت...
انتهت الحكاية...
وبدأت تراجيديا جديدة...
عنوانها: من يحمي الشيوخ والعجائر في أرذل العمر من غدر الأيام، ومن خذلان شهوة الفرجة الرخيصة...؟
ماتت مي السعدية...
فهل تحيي فينا سؤال الكرامة والحماية الاجتماعية من الاستغلال البشع لشروخ الذاكرة وعفوية الشيخوخة...؟