في الوقت الذي ينبغي على جميع آليات الوساطة، سواء السياسية أو الحقوقية، السعي نحو إقرار دولة الحق والقانون، فإن البعض يسعى جاهدا وبكل السبل إلى تسفيه هذا التوجه، من خلال السعي لتأسيس دولة العواطف.
مناسبة هذا الاستهلال ما تم تداوله بخصوص الصورة التي ظهر فيها محمد زيان، المحامي والوزير السابق، وهو يلج للمحكمة بالرباط، على خلفية ملف يتعلق بهدر المال العام، لما كان منسقا وطنيا للحزب الليبرالي المغربي.
من حيث المبدأ فإن إدخال زيان بتلك الطريقة يمس حقه في الصورة، وهو ما ينبغي تداركه في الجلسات المقبلة.
لا تختلف الدعوة لدولة العواطف عن قضاء الشارع، ما دام أن دغدغة العواطف في هذا "القضاء" تحول المجرم إلى بريء، وقد تحول البريء إلى مجرم، فالجميع يدرك ماضي وحاضر محمد زيان، والقضاء الحقيقي قال كلمته في القضية، والنقيب زيان نفسه يدرك مدى القوة الإثباتية للأحكام القضائية، ويدرك طرق الطعن في الأحكام والقرارات، بل ويدرك جيدا مسطرة ملتمس العفو، مما يطرح السؤال حول رفضه سلك هذه المسطرة؟
إن ما يُطلب اليوم، للأسف، من قبل "قضاة الشارع" هو منح البراءة لشخص أدانه القضاء الحقيقي، والخطير اليوم، هو أن تَتعاطَف، مع زيان، وتنخرط في الحملة الفيسبوكية، أو أنك غير إنساني لتنزل في سلم الرصيد الأخلاقي، وتصعد في سلم علاقتك ب "المخزن".
وعلى سبيل المقارنة، ورد في صفحة "اليسار المغربي"، على الفيسبوك:
عندما ظهر الجنرال بينوشيه في أواخِر عُمُره، تناقلت القنوات الإخباريَّة صُورهُ.. حينها طُلِب من الضَّمير العالمي أنْ يَتجاوَز عن كلِّ جَرائمِه من مُنطلَق الصَّفح، وأضاف نفس المصدر، "لا أعرفُ هذا المنطق الذي يُؤسَّسُ عَليهِ التَّعاطف والذي يُطلَبُ من المجتمع المغربي أنْ يُمارسَهُ مع صورة الرجل، إنَّ مايُطلبُ اليوم مع صورة المحامي محمد زيان هو أن يكون كلَّ واحدٍ منا مَازوخِيّاً.
إن المُتغيِّرات الفِيزيولوجيَّة التي ظَهرت على الرَّجل محمد زيان هو منطقُ المَادة مع السِّنين، وظيفَتُنا ليست بإدخالِهِ صالون التَّجميل، لكن وظيفَتُنا بِطلَبِ التَّاريخ لرجل في مَسَاره و مواقفِه…
هل يجبُ التَّذكير أنَّ محمد زيان كان فمَ البَالُوعات الذي تَهجَّم على كلِّ القوى التاريخية والوطنية وبكل رمزيتها.. المهدي بن بركة، عبد الرحمان اليوسفي، السرفاتي والأموي.
في كلِّ مَسار حَياتِه مَارَس زيان تَهارُشات الكلاب ضدَّ كل المناضلين من أجل وطن ديمقراطي ومدني.. كان مَكتَبهُ يَغْتَني على النَّيل من أعْرَاض النَّاس رجالاً ونساءً ولو كانوا في صف التَّقدميِّين.
عندما نَبْني مَوقِفَنا التَّضامني مع صُورة الرجل، فهذا لعمري هو الإسْتِمْناء في المَواقف وقِراءة محطات التاريخ للمغرب.. قد مَنحهُ شكلُ النِّظام كلَّ الرِّعاية المَعنويَّة و الرِّيعيَّة في كلِّ مسار حياتِه،لكن نَفسهُ النظام يرفضُ المُسْتكلبُ من أبنائه.
ما تحاولُ بعضُ الكتابات عن قَصدٍ أو سَذاجَة، هو منحُ الشرعيَّة المَعنويَّة لرجل لحد القداسة من خلال الصورة بإسْتِجداء الضُّعف وكِبَر العُمُر.. وهذا إعلام الضَّمادات لجراح الماضي، حيث يبحث التَّعامِي على مواقِفِه التي كانت تُطوى إلى الاسفل تَهجُّماً وقَدحاً في كلِّ المناضلين.
الفيديو كما صُوِّر فيه من الحِبْكة للأفلام الهندية، إنَّه يَسْعى التَّوسُّل للحالة العاطفيَّة عند المُتلقِّي.. بل ذهبت بعض الكتابات أنْ رَبطت بين صورتهُ وحالة الرُّعب عن المسار الحقوقي للمغرب.. لقد مارس محمد زيان ومن صَوَّرهُ كل تقنيات المُساكَنة للإسْتِلاء على المِخيال العاطفي للمجتمع.
لنُغيِّر صورتَهُ الآنية بواحدة أخرى من زمن القُبْح، حيث كان يَنعَقُ كبومةٌ في وجه كلِّ القوى الحيَّة، حينها سَندْركُ إلى أي مُنقَلبٍ ساذجٍ بَلغتْه كلُّ تلك المَقالات التي تُحاولُ أنْ تُنسِينا في تَفاهَة وحَقَارة ودناءة الرجل…
إنَّ التاريخ بمحطاته لا يُقرى سِوى بِشرط إنْسِحاب المُخدِّر العاطفي، واسْتِحضار الطَلب على التاريخ.. فهذا الرجل الحقيرُ بمواقفِهِ خلقَ أكترَ من وَجيعٍ رجالاً ونساءً، ولأجيال ناضلت وآمنت بمغرب جميل.
من يعبأ بالموضوعية في كل الكتابات التي تدافع عن هذا المجرم لحقوق الإنسان.. بل كانت حقارته ووضاعته في التهجم على النساء خاصةً.
نحن لا نطلب سلخ لحمه، لكن لا تقوموا بسلخ ذاكرتنا من خلال فلاش كاميرة أنتجت صورة تحت الطلب.
عندما نضع صورة بينوشيه وصورة زيان.. نيجاتيف الصورة.. حينها نُدركُ أنَّ كلا الرجلين من نفس النيجاتيف الأسود لتاريخ أسود.