قبيل انطلاق موسم التخييم لهذه السنة، نوجه هذا الحديث عن بعض مقومات المخيمات التربوية للعاملين في الهيئات التربوية وهياكلها التنسيقية وللمسؤولين عن المخيمات في السلطة الحكومية، لكي نذكر الجميع باننا لن نغرق في توزيع الاعداد والمراكز والنسب وتمرر لسنة أخرى قرارات اتخذت سابقا بدون سند.
الوزارة الوصية على القطاع - تاريخيا ومنطقيا وعمليا- من مسؤوليتها بإصدارها لمرسوم 8 شتنبر 2021 الذي ينظم مراكز التخييم التابعة لها من حيث لائحتها والفئات المستفيدة ومكوناتها والتلاقي والعيش في فضاءاتها فقط، وتناست - تكاسلا أو تهربا- مسؤوليتها عن مؤسسة المخيم التي أضحت مجتمعية مؤثرة في التنشئة سواء سجل ذلك في المرسوم إياه او لم يسجل، هذه المؤسسة التي تحتاج الى إطار قانوني ينظمها ويحميها في ظل واقع يتكاثر فيه الفاعلون التجاريون والمربون والمرتزقة وتتناسل المخيمات كالطحالب، ولا تحتاج أولا وفقط الى مذكرات تحديد وتوزيع المهام وفتح الاعتمادات.
المخيم هو فرصة لنشاط "موجه" خاص بمجموعة بشرية في فترة معينة وفي مكان معين بالمبيت وبدونه، والنشاط يمكن أن يكون هادفا ويمكن أن يكون بدون هدف، ويمكن أن تكون له مقاصد حيث يهدف تغيير روتين الحياة والاستراحة من عناء فترة سابقة وقد يكون فقط لتغيير فضاء الحياة اليومية، قد تكون له مقاصد تربوية للمساهمة في تربية وتكوين حسب مناهج ومبادئ معينة أو فقط للترويح عن الذات بمتعة هادفة أو لا، ويمكن أن يكون فرديا كما يمكن أن يكون جماعيا، وهناك النشاط بمفهومه الدارج وهو مكون يؤثر في التفكير الضمني للعديد من العاملين، بدليل الشكل الفرجوي المبالغ والهرج المصاحب لكل مناحي الحياة في العديد من المخيمات "التربوية" التي نحن بصددها ومن ذلك الاستعمال الاعتباطي لمكبرات الصوت والتسجيلات (الإذاعة) التي لا علاقة لها بالتربية في كل وقت وفي الساحات وأدوات الإيقاع في كل التجمعات وأهازيج مدرجات الملاعب. وهناك مخيمات المصطافات السياحية والتي هي كذلك لجأت الى ترتيب أوقات المستفيدين وبرمجت أنشطة ترفيهية ورياضية منسجمة مع وسط الفضاء والتجهيزات الخاصة، وهناك المعسكرات والملتقيات التي تعتمد على برامج دعم تعليمية لمواد او لغات كأساس البرنامج اليومي مع أنشطة ترفيهية أخرى أو بدونها. ثم هناك بجانب كل هذا مخيمات المواسم (الدينية) السنوية والمخيمات السياحية التي توفر أماكن نصب خيام خاصة أو سيارات مخصصة وقد تنظم فيها بعض الأنشطة الجماعية وأو الفردية سواء داخل المخيم أو خارجه تعتمد الفرجة أو المشاركة وكذلك تنظيم تغذية المستفيدين بتوفير خدمات أو ترك حرية ذلك للمرتفقين.
تعددت الأهداف وتنوعت حتى فرض المخيم نفسه كمؤسسة تنشيط اجتماعي يساهم في حل مشكل العطلة للمستفيدين من جهة وتنظيمها خارج الاسرة وخارج الحياة اليومية العادية من تمدرس او شغل وتنويع فضائها وبرامجها، وزمن حياتي قد يطول أو يقصر، ونقصد في هذه المساهمة بالمخيم تنظيم نشاط خاص بمجموعة أطفال أو شباب لفترة محددة وفي مكان معين حسب برنامج تنشيطي تربوي هادف.
هذا النشاط ليس هو ما تقوم به السلطة الحكومية المكلفة بالشباب اليوم فقط، بل تقوم به قطاعات أخرى مخصص لأبناء مستخدميها وموظفيها وجهات أخرى بشكل تجاري محض وبشكل ثقافي ورياضي وغيرهما، موجه للعموم وللذين يستطيعون الإيفاء بشروط مادية محددة سلفا، وفي أماكن مخصصة لذلك أو أماكن تستعمل مؤقتا، لا تخضع لأي شروط ومعايير بحكم أنها غير موجودة، بتأطير من مستخدمين لهذا الغرض متفرغين أو مؤقتين مكونين في ميدان معين أو عارفين به أو مكلفين به بدون معرفة وتحضير وتكوين خاص غير مقنن الى الآن، اللهم الا بالهواية وما يعرف من تداريب تنظمها السلطة الحكومية المكلفة بالمخيمات، حسب مراحل شبه رسمية تحكمها مذكرات ومرسوم لم ترقى بعد الى مستوى منظومة تكوينية تفي بكل المتطلبات الضرورية لتكوين منشطين تربويين من مستويات وتضع لهم اطارا قانونيا معترف به.
هنا تأتي مطالبة العاملين بقانون يحكم هذه المؤسسة المجتمعية بغض النظر عن منظميها، تحدد المعايير والمساطر لإنشائها وتنظيمها وحقوق المستفيدين والتزامات العاملين، وتضبط مقاييس الاشراف والتدبير المادي والمعنوي، ومحتويات تنشيطها وأشكال مراقبتها وتتبعها.
إن مهام القطاع الحكومي الحالية وقد قبل بالاعتراف بهيأة تكون بجانبه، بلغت اليوم صيغة جامعة للتنسيق بين المكونات العاملة والقطاع ذاته فيما يخص التنظيم والتدبير لازالت فقط منظمة كجمعية يعهد لها القطاع الحكومي ببعض الوظائف وأُغرقت في ترتيبات تقنية وإدارية فرضها عليها القطاع لثقلها عليه أو لإمكانية القيام بها بعيدا عن مساطر ومعايير إدارية جافة، لا يمكن أن تحصر في تدبير فضاءاتها فقط بل يجب أن تشمل كل المخيمات في كل الفضاءات، إن تغيير الهيئة وقبلها اللجنة الى جامعة ما هو الا تغيير في الاسم إذ لم يصحبه تغيير في القانون، هذه الهيئات وعلى مر هذه العقود لم تقم الا بامتصاص جزئي لأشكال متنوعة من الأزمات المتعاقبة للمخيمات التربوية الصيفية من حيث بنياتها ومن حيث تدبيرها، الذي يفرض تشاركا في غياب تفويض قانوني واعادة توزيع المهام بين الدولة والهيئات والجمعيات العاملة في الميدان حتى لا تظل الدولة فاعلا مباشرا في وجود من له الفعل المجتمعي والصلاحية والحق في ذلك، وحتى تشمل قوانين المخيمات جميع القطاعات الجمعوية والخاصة والحكومية وشبهها.
لقد أصبحت الدولة المنتجة دولة تنظيمية لان المجتمع بحاجة إلى تحديد قواعد ونظم ومحَكمين، وهذا ليس الغاء لدور الدولة، بل اعادة تحديد دورها لكي يمكنها من استقلال تنظيمها من الالتزامات المباشرة لزيادة تعزيز الخدمة العامة، فالدولة تنظم وتقنن من خلال التشريع لضبط إيقاع وتدخل الفاعلين وأيضًا من خلال تدبير الأزمات للحفاظ على السلم والانتعاش المجتمعي ولكي تبقى ضامنة لمبدأ التماسك الاجتماعي وحافظة له، بعيدا كل شمولية وتوحش لديكتاتوريتها أو ليبراليتها؛ ويظل على مؤسسات المجتمع الأخرى الاقتصادية والاجتماعية دور الانتاج والتنافس والتطور.
لقد آن الأوان لكي تنتظم جميع مراكز التخييم والاصطياف التربوية حسب معايير وشروط من إنشائها إلى تسييرها واستقبال الأطفال وتنشيطهم وتغذيتهم وسلامتهم، ويعاد تأهيل القائم منها، وأن يكون للعاملين في هذا المجال من مختصين وذوي الخبرات والمهارات المعترف بها موقعا محميا بقوة القانون، وقد تحركت منذ مدة مبادرة للاعتراف بدور المنشطين التربويين لم تصل إلى هدفها ولكنها سجلت هذا المطلب ضمن لائحة المطالب الأخرى التي حان الوقت لكي تعالج في إطار مسؤول بعيدا عن إكراهات العمل الروتيني الإداري وضعف العمل الهاوي وذاتيات القطاعات غير مهتمة مباشرة بالموضوع، لقد تأخرنا في طرح قانون شامل للمخيمات التربوية ومراكز الاصطياف لجماعات الأطفال والشباب بالمبيت وبدونه لمدد محددة وللعاملين وللمتدخلين، يحدد الالتزامات والحقوق والواجبات والمعايير.
مدة التخييم عرفت بلادنا اضطرابا خطيرا في مدة التخييم القانونية تمثل أساسا في إقرار تراجع مدة التخييم كحل "سهل" للرفع من عدد المستفيدين، وذلك بالتخفيض من 21 يوما المعروف عالميا تربويا وصحيا كحد معقول للاستفادة من تغيير الجو والسفر ومن برنامج مغاير للبرنامج العائلي داخل الأسر.
وقد بدأ هذ "التناقص" منذ ثمانيات القرن الماضي بتخفيض مدة التخييم الى17/18 يوم فقط من أجل الاستفادة من متبقيات ميزانية التخييم في نشاطات أخرى.
ثم بعد ذلك بحجة عطل الأعياد (الفطر والاضحى) وتزامن شهر رمضان ضمن العطلة الصيفية! ثم بحجة تناقص مياه العيون الطبيعية التي تكون غالبا مصدر تزويد مخيمات الغابات بمياه الشرب أساسا.
ولقد بلغت أخيرا عشرة أيام وثمانية، وباحتساب يومي السفر للذهاب الى المخيم والعودة منه فلن يتأقلم الأطفال مع طبيعة المخيم كطقس ومؤسسة وبرنامج حتى يستدعون الى الرحيل!
يجب إعادة النظر في هذا القرار بشكل علمي ومعالجة صحية واجتماعية والابتعاد عن التعامل مع المخيم كفرصة ل "تفجيجة" بنفس منطق زيارة مواسم الاولياء التي قد تقصر لحد قضاء يوم او نصف يوم.
التغذية في المخيمات
لقد فرض حل تدبير مشكل مطعمة المخيمات من طرف متعهدين كحل لسوء تدبير الذين ساهموا في "مخيمات" العقدين الاخيرين بدون دراية ولا تجربة ولا اختصاص، حيث انه بعد "تعميم" الترخيص للراغبين في التخييم بدون معايير ولا شروط موضوعية ولا خبرة ولا تأطير، حصلت حالات شاذة لا تربوية وحالات تسمم من الخطورة أن أسرع المسؤولون المستوردون لاقتراح وتطبيق إسناد تغذية الأطفال إلى متعهدين في إطار مناقصات، لا تراعي خصوصيات التواجد داخل المخيم بحجة "اختصاصهم" مما نتج عنه مشاكل لا تحصى في التدبير والتسيير،
ان تحضير التغذية تحت مسؤولية الجمعية المخيمة وتدبيرها للبرنامج والاكلة والمواد والسهر على التحضير والطهي والتقديم، تحت أنظار طاقم مختص وبعد مناقصات قانونية وتموين مضمون ومراقبة مستمرة، يدخل ضمن رؤيا تربوية لحياة جماعية يعيشها الأطفال في كل مناحيها من إقامة واستقرار ونوم وأنشطة واستراحات وجولات...، فهذا النوع من العطلة الجماعية المنظمة هو شكل من الحياة وجزء يجب أن يعيشه المشاركون (الأطفال والشباب) لكي يتعودوا عليه ويتعلموا منه قواعد المشاركة وتقاسم المسؤوليات والتعاون وحسن الاختيار بالقيام ببعض الاعمال من المساعدة في جلب وتنظيم مواد التغذية مع المقتصد المحلي، والمساعدة في تحضير الأطعمة ولو بتنقية الخضر، وتنظيم المطعم وتزيينه، والسهر على استقبال الأصدقاء وتوزيع الأطعمة وتنظيف المطعم ... وكل ذلك في إطار جماعي تربوي إبداعي تشاركي وليس "كورفي" لا غرض منه أولا حاجة لنا فيه كما يدعي البعض، بالإضافة الى أن تغيير نمط الحياة العادية بحياة أخرى بضوابط وتشارك وتعاون هو المقصود من العيش المشترك والحياة الجماعية التي تقدمها مؤسسة المخيم.
والعمل بهذا النوع من التغذية يسمح بإبداع من طرف الجمعيات، انطلاقا من الخصوصيات المحلية، وليس كما أصبحنا اليوم نرى على مستوى متعهدي التغذية حتى في المناسبات الاجتماعية كمناسبات حفلات الأعراس والجنائز بحيث أصبح الحديث عن احسن ما يقدم هو اللحم بالبرقوق والدجاج المحمر في الزيت بالزيتون، في كل أنحاء البلاد بنفس الشكل ونفس التوابل، وكان قديما تنوع طريقة تحضير الدجاج - مثلا - تختلف من مدينة ومنطقة إلى أخرى والطجين بالخضر سيد الاطباق في منطقة ولم يكن الفريت هو سيد الموائد، بينما كان برنامج التغذية يعتمد تنوعا لتوازن المواد ولم يكن يعتمد على ميزانية قصوى بل على كراماج (مقاييس) ضرورية للأطفال في نموهم، وسيقول قائل انه قد تم اعتماد برنامج تغذية معتمد من جهات بما فيها جهات طبية، لكنه ضاع ولم يتم الاعتماد عليه في الصفقات المبرمة التي دعا بعضهم إلى إلغائها والحكم بصفقات التغذية كما جرى ابان التداريب الربيعية الأخيرة الى صاحب اقل عرض. كما يجب تعميم تقديم التغذية بصفة فردية في اواني فردية ترجيحا للجانب الصحي الذي تضمنه وللجانب التربوي في إبعاد التنافس والتسابق والسطو على حصص الآخرين في الاكل الجماعي، والتغاضي عن سلبيات التكدس / التحلق غير المريح حول مائدة لا هي دائرية ولا هي ثمانية في الغالب بها صحن دائري والتسابق نحو الفوز بما هو مقدم في الصحن الجماعي وتعمد السرعة في الأكل للفوز بأكبر كمية..
إن المشاركة في الحياة الجماعية وتقاسم المهام والوظائف ولو من باب توزيع اواني التغذية وبعض التحضيرات، تساعد من وجهة نظر التربية الشعبية على محاربة تربية واذكاء روح الإعاقة في المنازل، حيث يقدم الابوان والخدم كل شيء للأطفال الذين لا يساهمون حتى في ترتيب لباسهم وافرشتهم وتنظيف الحمام بعد استعماله.
نداء مكرر مرة أخرى
موضوع المخيمات يحتاج الى حوار وطني مسؤول في إطار دستوري ينطلق من انه مكسب وحماية لحقوق الشباب والأطفال ولكل الأنشطة التي تهمهم وليس عمل تبرع يكون كيفما كان، يهم الجوانب المختلفة من مفهوم المخيم وفضاءات المخيم وسياسة الانتشار وتأسيس المخيمات ومعايير ومقاييس ذلك عند العام والخاص وأنواع المخيمات واعتماد الجمعيات ومدد التخييم والصحة والتأمينات في المخيمات وتأطير المخيمات وتكوين المنشطين والادوار التربوية والمالية والاجتماعية للإداريين والتربويين والعاملون في المخيمات والمطعمة والخدمات الأخرى وأشكال المناولة وكذا أدوار جهات أخرى للدولة من قطاعات حكومية وجماعات محلية.
تناولنا بعض النقط في هذا الحديث ونتمنى أن يفتح المجال لنقاش مسؤول على صفحات الجرائد بين الفاعلين والمسؤولين في انتظار نقاش رسمي.