محمد بازة: هذه أخطر التهديدات ذات الصلة بندرة الماء وأهم أسبابها ومسبباتها بالمغرب 

محمد بازة: هذه أخطر التهديدات ذات الصلة بندرة الماء وأهم أسبابها ومسبباتها بالمغرب  الدكتور محمد بازة الخبير الدولي في الموارد المائية
في سياق فعاليات الدورة العاشرة للمنتدى العالمي للماء، الذي أقيم ببالي بإندونيسيا خلال شهر ماي 2024، استضافت قناة "ميدي 1 تيفي"، الدكتور محمد بازة، الخبير الدولي في الموارد المائية والخبير السابق بمنظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، لتنوير الرأي العام حول المنتدى وشعار هذه الدورة الموسوم بـ "تأمين الموارد المياه من أجل السيادة الغذائية والازدهار المشترك". جريدة "أنفاس بريس" تتقاسم عصارة هذا الحوار مع القراء.

 في أي سياق انعقد في إندونيسيا المنتدى العالمي للماء، وما المنتظر منه؟ 
 من المعلوم أن المنتدى العالمي للماء كان قد انعقد لأول مرة حين تم إنشاؤه في المغرب بمدينة مراكش في سنة 1997، أما السياق الذي انعقدت فيه الدورة العاشرة هذه السنة، يتسم بإشكاليات كبيرة وعلى رأسها التغيرات المناخية وتأثيراتها السلبية على السٍّلم وعلى الأمن المائي، لما للتغيرات المناخية من آثار على ندرة الماء، وعلى الأمن الغذائي، دون أن ننسى النيران التي تشتعل في كل أنحاء العالم، حيث صارت إشكالية الموارد المائية مهددة أكثر مما كانت عليه. وصار العالم يتطلب جهودا كبيرة، والتي كان من المفروض أن يقوم بها على اعتبار أن الجميع كان يعلم أنه في غضون سنة 2030 يجب أن يضاعف العالم مجهوداته أربع مرات مقارنة مع ما قام به من قبل، من أجل تلبية حاجيات ساكنة الأرض التي تزايد عددها، لكن الآن صارت الأمور أصعب. 
في هذا السياق لابد من التنسيق والعمل التكاملي بين البلدان وعلى كل المستويات، دون أن ننسى أن المنتدى هو أكبر منتدى مائي على الصعيد العالمي، ويقوم بأعمال مهمة جدا، فيما يخص الأبعاد السياسية للأمن المائي والاستدامة والتكيف مع التغيرات المناخية. 

 
 برأيك ما رمزية تسليم جائزة الحسن الثاني العالمية في نسختها الثامنة لمنظمة الأغذية والزراعة "الفاو" نظير التزامها من أجل توفير المياه والسيادة الغذائية؟ 
 بصفتي موظفا سابقا بمنظمة الفاو، فأنا جد مسرور بأن تحوز منظمة "الفاو" جائزة الحسن الثاني العالمية برسم هذه السنة، نتيجة أعمالها حول الأمن المائي والأمن الغذائي معا، وأنا على يقين بأن المنظمة تستحق هذا التتويج منذ زمان، إلا أنه كان لابد من الإنتظار. وأنا على يقين بأنني ساهمت بأعمالي والحمد لله، في حصول منظمة "الفاو" على هذه الجائزة. فعلى سبيل المثال خلال الدورة السابعة للمنتدى العالمي للمياه، قُدْتُ فريقا من خمسة منظمات كبرى، منها منظمة الفاو، ومنظمة اليونيسكو، والبنك الدولي، ثم الجمعية العالمية للهيدرولوجيين إلى جانب الصندوق العالمي للبيئة، حيث ذهبنا إلى كوريا الجنوبية للمنتدى السابع وقدمنا ما قمنا به من أعمال في إطار مشترك بين كل المنظمات التي اشتغلت مدة همسة سنوات، من 2010 إلى 2015، حول حكامة المياه الجوفية ودورها في الأمن المائي والغذائي، وقدمنا أول مرة نتائج هذا العمل الجبار الذي تم تنفيذه في كل أنحاء العالم، وساهمنا بندوات في كل القارات. 
لقد تشرفت كمنسق لهذا المشروع المشترك الكبير، وقدمنا نتائجه في كوريا الجنوبية، ولا زال إلى يومنا هذا يعد أحسن وأكبر وأنجع عمل حول الحكامة المياه الجوفية في العالم، بالإضافة إلى أعمال أخرى جليلة قامت بها منظمة "الفاو" والتي أهنئها بهذه المناسبة على هذا الإنجاز، الذي لم يأت بالصدفة وإنما هو نتيجة أعمال شاقة، على اعتبار أنني أعرف جيدا المنظمة وأعرف مهامها النبيلة، والتي اشتغلت فيها منذ الثمانينات، زهاء أكثر من 30 سنة بما فيها المدة التي كنت فيها موظفا، واشتغلت قبل ذلك أزيد من 10 سنين حيث كنت أتشغل كخبير في عدة مناسبات.
مرة زرنا أحد القديسين في روما، وكنت مع إحدى اللجن، فقال لنا: "أنتم تحاربون الجوع، فأنتم أحسن ما هو موجود فوق الأرض".  

 
 المنتدى العالمي للماء بوصفه منتدى لتبادل التجارب هو أيضا يضع في الواجهة تجربة المغرب فيما يتصل بتدبير الماء، والتعامل مع هذه المادة الحيوية، على مستوى الأعراف والتقاليد وثقافة الماء. ما الذي يمكن أن يستفيده الآخرون من هذه التجربة علما أن حاضرنا موسوم بتهديدات مشتركة؟ 
 فعلا هذا سؤال وجيه، إن التدبير الحسن للموارد المائية يعني البحث عن أين يكمن الخلل، فحين نتكلم عن الخبرة في ميدان الموارد المائية فهناك جوانب كبيرة وكثيرة، ويجب أن نكون صادقين مع أنفسنا وواقعيين وأن نستخدم المصطلحات ونتحدث بمراعاة الأدلة الكافية، فالخبرات المؤسساتية التي يتوفر عليها المغرب وهي أشياء مهمة يمكن أن تنفع العالم، يعني تهم إذا البنية التحتية، حيث صرنا نبني سدودا دون الحاجة إلى شركات من خارج البلد، أيضا تشييد القنوات والأنابيب، وتجهيز أحواض الري، واعتماد الربط بين الأحواض المائية، مثلا بين نهر سبو و أبي رقراق في غضون وقت وجيز وبشركات مائة في المائة مغربية، مثلما يجري حاليا بخصوص مسألة الربط بين وادي المخازن وسد خروفة، وما إلى ذلك من محطات معالجة المياه العادمة، حيث بنينا أكثر من 160 محطة للمعالجة. كما أن البلد حقق مائة بالمائة من تغطية حاجيات السكان للماء الصالح للشرب منذ زمن طويل. 
لكن يجب كذلك أن نعترف بأن لدينا بعض الخلل الذي وقع خاصة منذ سنة 2007، بعدما توقفت الخبرة المغربية في بعض الجهات، وتهنا بعد هذه السنة ولم نساير التغيرات التي حدثت ولكن بقينا نتكلم عن الخبرة، نتكلم عن الماضي ولم نساير بعض الأمور التي كان من المفروض أن نقوم بتحيينها، وسرنا ندير الحاضر بالمزاج لا بالعلم والعمل القائم على الأدلة، ولا نعلم أين نتجه، إلى المستقبل بسبب الحديث فقط عن الخبرة الماضية بينما هي مجرد حنين إلى الماضي. 

 
 ما هي أبرز التهديدات برأيك؟ 
 أبرز التهديدات هي أننا لسنا مستعدين فيما يخص التكيف مع التغير المناخي، ومعاملتنا مع الندرة المائية والتدبير الحسن للري، لدينا اختلالات كثيرة من بينها قمنا بالتوسع في مجال الري، حيث كانت لدينا مليون وحوالي 460 ألف هكتار في سنة 2007، أما الآن فقد صارت مليونين و500 هكتار وربما أكثر. وهناك استخراج المياه الجوفية بأرقام خيالية حسب وزارة المياه، فصرمنا لا نتحكم في المياه الجوفية. ثم الوضع الكارثي الذي وصلت إليه أحواض الري الكبيرة، التي كانت من المفروض موضوع التحول من الري السطحي إلى الري الموضعي، في إطار البرنامج الوطني للاقتصادي في مياه الري، الذي تم إعداده في إطار الحوار الوطني حول الماء في سنة 2007، وبقيمة 37 مليار درهم، لكن تم التخلي عنه والاتجاه نحو التوسع في الري، بالأراضي البورية باستعمال الموارد الجوفية مما كانت له آثار كارثية على الأمن المائي والبيئة. 
هذه أشياء جعلتنا في غير مأمن بالنسبة للمستقبل وهناك أشياء كثيرة جدا لا مجال لذكرها الآن، فيجب أن نتدارك الوضع لأن هناك خبرات مهمة جدا وتحسب على المغرب. وكما يقول المثل: "من لا يتقدم يتأخر" فنحن لم نتقدم في بعض المجالات بل تأخرنا ويجب تدارك الوضع.