"لا يعذر أحد بجهله للقانون" قاعدة قانونية قد تؤدي إلى السجن في إيطاليا، في حالة انتهاكها. مثلا، في عدم الامتثال لأوامر تفتيش رجال الأمن وعدم تقديم وثيقة تعريف شخصية لهم أو الملاسنة معهم أو مقاومتهم، ذلك ما يكون قد تعرض له العديد من السجناء الأجانب في إيطاليا. وبذلك فإن التوعية بالحقوق والواجبات تعتبر ضرورية. مناسبة النزول هي صدور تقرير جديد "عقدة في الحنجرة" لجمعية أنتيجون عن أوضاع السجون الإيطالية.
فرغم تسجيل انخفاض عدد المهاجرين في السجون الإيطالية، تبقى التدابير البديلة للاحتجاز مثيرة للجدل، وبذلك قد تشوب العدالة الإيطالية ظاهرة العنصرية ضد الأجانب وافتراض وجود نظام قضائي يمارس التمييز على أساس عرقي: حيث يتم تطبيق السجن الاحترازي بسهولة أكبر، وبالتالي تتم الإدانة قبل صدور الحكم النهائي على المهاجرين، عكس السجناء الإيطاليين.
واذا كان إيجاد حلول احترازية - بديلة عن السجن للمهاجر - صعبا، حيث غالبا ما يبرر القضاة أوامر الاحتجاز من خلال حجج عدم توفر المهاجرين على وثائق الإقامة؛ وليس لديهم سكن قار حيث يمكنهم وضعهم تحت الإقامة الجبرية وغيرها. أضف على ذلك اعتبارات أخرى منها، غياب ضمانات قضاء العقوبة خارج السجن كالعمل و"حسن السلوك" داخل السجن رغم أن أغلبهم مدانين بجرائم الحق العام.. ولو كانت التشريعات الوطنية أكثر مرونة لتم تفادي خلق الظروف الاجتماعية والقضائية التي تشجع على الاحتجاز، خاصة في المرحلة الاحترازية.
على أية حال، لا بد من الإشارة أنه رغم انتشار الخطاب المناهض للمهاجرين في العديد من البلدان الأوروبية، وعلى الرغم من الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعيش فيها العديد من المهاجرين السجناء بسبب التهميش والتمييز، ورغم قلة توافر أدوات الدفاع القانونية، فإن الأرقام ليست عالية وأن "الجرائم الأجنبية" لا تشكل حالة الطوارئ السياسية والقضائية في إيطاليا رغم أنها تشير إلى وجود نظام عدالة تمييزي بشكل صارخ.
ويشير تقرير "عقدة في الحلق" الصادر عن جمعية أنتيجون Antigone عن أوضاع السجون الإيطالية في شهر أبريل 2024، إلى أن نصف عدد السجناء الأجانب محكوم بالسجن لمدة تقل عن سنة. ويكشف نفس التقرير أن الحالة الاستيعابية للسجون، إلى غاية 31 مارس 2024، سجلت 61.049 سجينا، مقارنة بالطاقة الرسمية العادية 51.178 سجين. ويبلغ عدد السجناء الأجانب 19.108، بنسبة 31.3% من العدد الإجمالي، وهي نسبة منخفضة مقارنة بالسنوات السابقة.
مثير أن نجد الجزائر في ترتيب الدول التي لديها ما لا يقل عن 400 شخص سجين في إيطاليا إلى جانب المغرب، رومانيا وألبانيا. قد يكون مفهوما ترتيب الجاليات الثلاثة الكبرى رومانيا، ألبانيا والمغرب أكثر من مليونين شخص في المرتبة الأولى من حيث عدد السجناء، لكن المفاجأة أن نجد الجزائر في نفس اللائحة رغم أن عدد الجزائريين في إيطاليا لا يتعدى 19000.
إن إلقاء نظرة على الملف الاجتماعي والإجرامي للسجناء الأجانب يوضح لنا كيف يميلون إلى ارتكاب جرائم أقل خطورة ويتلقون أحكاما أقصر من السجناء الإيطاليين. يمثل الأجانب في السجون 2.73% بسبب تكوين عصابة إجرامية من نوع المافيا، و18.87% لارتكابهم جرائم ضد النظام العام، و28.23% لارتكابهم جرائم ضد الممتلكات، و29.11% بسبب انتهاك قوانين المخدرات، و31.01% السجناء لارتكابهم جرائم ضد الأشخاص، و 7.12% من إجمالي عدد السجناء المحكوم عليهم بالسجن المؤبد وما يصل إلى 44.26% من المحكوم عليهم بالسجن لمدة أقل من عام، وهو مؤشر يدل عن قلة فرصهم في الوصول إلى تدابير بديلة للاحتجاز مقارنة بالإيطاليين.
وصلة بالسجناء الأجانب في إيطاليا، فإن الاتفاقية التي وقعها، مؤخرا، رئيس المجلس الوطني للاقتصاد والعمل (CNEL)، ريناتو برونيتا ورئيس مؤسسة "الضامن" Garante فيليس ماوريتسيو ديتوري، الهادفة إلى تعزيز العمل والتكوين في السجون، قد تعتبر أداة للحد من العودة إلى الإجرام. الاتفاقية تشمل أيضا المواطنين الأجانب الخاضعين لنظام الاحتجاز.
وتنص الاتفاقية، على وجه الخصوص، إلى إنشاء سكرتارية دائمة للإدماج الاقتصادي والاجتماعي والعمل لدى المجلس الوطني للاقتصاد والعمل (CNEL)، قادرة على التفاعل مع جميع الشركاء الاجتماعيين - أرباب العمل والنقابات والقطاع الثالث - من خلال تنظيم الشبكات التنظيمية المحلية ذات الصلة، المنتشرة على كامل التراب الوطني مع إدراج مجالات أخرى للتدخل بهدف الرفع من القدرة على إعادة التأهيل والتدريب والمساعدة لإعادة الإدماج الاجتماعي.
فهل سيستفيد السجناء الأجانب عامة والمغاربة خاصة من هذه المبادرة؟ وما دور المجتمع المدني المغربي في إيطاليا في الاهتمام بالمحبوسين في سجون إيطاليا؟