إذا كانت فئات عريضة من الموظفين في القطاع العام استبشروا خيرا بالقرار الأخير الذي زفته الحكومة لهم والمتعلق بالزيادة في الأجور بمبلغ ألف درهم على شطرين، فإنه بالمقابل هناك عددا من المتتبعين والمراقبين تساءلوا حول القدرة المالية للحكومة للوفاء بهذا الالتزام الاجتماعي، خاصة أن العديد من الوزراء في هذه الحكومة كلما تم الحديث عن أي زيادة في الأجور يؤكدون أن الأمر مستبعد بمبرر الأزمة المالية والصعوبات الاقتصادية جراء تبعات الحرب في أوكرانيا وكوفيد 19.
فما الذي استجد حتى تقرر الحكومة في "الدقيقة التسعين" الزيادة في أجور الموظفين، الذين لم يستفيدوا من أي زيادة في السنوات الثلاث الأخيرة؟
فبمجرد ما تم الإعلان عن قرار الزيادة في أجور الموظفين بألف درهم خلال شطرين حتى عاد النقاش من جديد حول الرفع من سن التقاعد، إذ ربط بعض المتتبعين بين قرار الزيادة في الأجور والرفع من سن التقاعد في إطار مسلسل إصلاح التقاعد الذي انطلق مع حكومة عبد الإله بنكيران، مؤكدين أن الزيادة في سن التقاعد مسألة لا رجعة فيها، والأمر نفسه ينطبق على قانون الإضراب والنقابات المثيرين للجدل منذ سنوات طويلة.
ولكن هل زيادة 1000 درهم على شطرين ستكون كافية لمواجهة موجة الغلاء التي تعرفها العديد من المواد الاستهلاكية والتي من المرجح أن تستمر مع اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بالزيادة في أسعار "البوطا" وهذه الزيادة تتردد الحكومة في إقرارها خوفا من تبعاتها الاجتماعية سيما أن الانتخابات البرلمانية والجماعية على الأبواب على اعتبار أن اتخاذ مثل هذه القرارات في الظرفية الحالية سيزيد من سخط الكثير من المواطنين على هذه الحكومة التي رفعت منذ بدايتها شعار "الدولة الاجتماعية ".
وقال محمد حركات، باحث في المجال الاقتصادي والحكامة، في تصريح ل "أنفاس بريس"، أنه لابد من نتساءل بداية عن مدى استحضار قانون المالية لعام 2024 لهذه الزيادة، بالنظر أن الحكومة مسؤولة عن تنفيذ ما تم الالتزام به مع المركزيات النقابية. المهم في هذه العملية هو: هل ما وعدت به الحكومة من تخصيص مبلغ مالي يقدر بألف درهم على شطرين، سيغطي حجم التضخم وارتفاع الأسعار والبطالة والآثار الناجمة عن جائحة كوفيد؟".
وأضاف محدثنا، هناك مخاوف لدى العديد من الموظفين بين الربط بين هذه الزيادة ومسألة التقاعد، لأن هناك مشكل الثقة في الحكومة الحالية، خاصة أن هذه الزيادة ستكون في أفق 2025 وهي السنة التي ستسبق الانتخابات البرلمانية. وإن غياب الثقة، حسب رأيه، لا يتعلق فقط بالحكومة، بل أيضا بالنقابات بسبب عدة أمور، فهناك تذمر من أداء هذه النقابات، سيما بسبب تفاقم العديد من المشاكل ومن بينها قهر الطبقة المتوسطة وغلاء الأسعار وإفلاس مجموعة من المقاولات الصغرى والمتوسطة وزيادة مؤشرات الفساد، وذلك رغم وجود آليات للحكومة لدرجة أن هناك العديد من المواطنين يتساءلون حول جدوى هذه المؤسسات، دون نسيان قضية ترتيب المغرب في العالم بخصوص مؤشر التنمية.
من جهته أكد محمد جدري،خبير اقتصادي، أن الزيادة العامة في الأجور والتخفيف من العبء الضريبي كانا متضمنان في اتفاق 30 أبريل 2022، كما أن القدرة الشرائية للمواطنين تضررت بشكل كبير، كما أنه لم يكن من الأسلم استفادة بعض الفئات دون فئات أخرى وهنا الحديث عن التعليم والصحة والتعليم العالي.
وأضاف محدثنا، أن قرار الزيادة في الأجور مسألة مكلفة، حيث ستترواح بين 15 و20 مليار درهم سنويا، ولكن لا يجب أن ننسى، يقول محمد جدري، إن "الحكومة تقوم باستخلاص كبير للضرائب، حيث تم تحقيق هامش ضريبي في 2022 بلغ أزيد من 36 مليار درهم، والأمر نفسه خلال السنة الماضية. وفي الربع الأول من هذا العام حققت الحكومة مداخل مالية كبيرة في الضريبة على القيمة المضافة، لأن الإصلاح الذي تم في هذا السياق أعطى هامشا كبيرا في استخلاص الضرائب".
وأوضح أن الحكومة تراهن على تحقيق أرقام نمو تتراوح بين 3 إلى 5 في المائة في السنوات المقبلة، وهو ما يساهم في تحريك العجلة الاقتصادية وللحكومة الإمكانيات المالية للوفاء بهذه الالتزامات الاجتماعية. صحيح أن الحكومة الحالية ستربح بعض النقاط بخصوص الزيادة في الأجور، خاصة إذا ما تم الالتزام بهذا القرار، ولكنها ستكون في مواجهة تحديات كبيرة في حالة ما قررت خوض مغامرة الزيادة في سن التقاعد ورفع الدعم على غاز البوطان".