فإلى حدود الساعة، ما زال إدريس لشكر يواصل هيمنته "الرئاسية" المطلقة على الحزب؛ وهي الهيمنة التي كرستها على نحو نهائي «الولاية الثالثة».
لقد أصبح إدريس لشكر، وهو يكمل عامه 71، هو الحزب والناطق باسمه والقائم بأعماله ومرجعه الأعلى في كل القضايا السياسية المطروحة، وذلك بفعل السلطات الكبيرة التي منحها له المؤتمر الحادي عشر للحزب.
ورغم أن لشكر، خلال قيادته للحزب، تعرض للعديد من الانتقادات وخاض الكثير من الصراعات داخل البيت الاتحادي، فإنه ظل صامدا في وجه العواصف التي كانت تستبد به من هنا وهناك، والسبب يعود كما يرى ملاحظون، إلى قدرته الكبيرة على التحكم في التنظيم، وعلى إتقانه لفن المناورة، وعمله الدؤوب على تحييد المعارضين المزعجين من طريقه. إذ لم يمتثل للدعاوى التي كان يرفعها منافسوه لحمله على التخلي عن الزعامة، ولم يمتثل لقوة الهزائم والنكسات التي لحقت بالحزب أثناء تحمله مسؤولية القيادة، ولم يخضع لمنطق الأرقام، ولا للإكراه الأخلاقي الذي تفرضه الديمقراطية. بل لقد برع في تحويل الهزائم إلى انتصارات، وليس أدل على ذلك من تمكنه، رغم النكسة التي مُني بها الحزب في تشريعيات 2016، من الحصول على كتلة نيابية «قيل إنها هدية من حليفه آنذاك عزيز أخنوش»، بل انتزع حقيبة واحدة آلت إلى الوزير محمد بنعبد القادر، في النسخة الثانية من حكومة العثماني في 2019، رغم أن معارضيه اتهموه بأن تلك الحقيبة «ثمن» لبيع الحزب في مزاد الأحزاب الإدارية الجديدة. غير أن لشكر أثبت، حتى وهو يمنح للحزب «هوية» أخرى غير تلك التي يُعرف بها الحزب في زمن عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمن اليوسفي، بل حتى زمن محمد اليازغي وعبد الواحد الراضي، أنه قارئ جيد للتحولات التي يعرفها الحقل الحزبي، خاصة أن «النضالية» عرفت ضمورا ملحوظا، كما «الأذرع»، التي كانت تشكل القوة الضاربة في الحزب، تفككت، مما فرض عليه، وضدا على إرادات «المبدئيين» وأصحاب «الشرعية التاريخية»، تهريب الحزب إلى «منطقة الأمان» بخلفية براغماتية تتقلص فيها «الإيديولوجيا» لصالح «المشاركة السياسية» بالشروط التي يفرضها نظام الاقتراع وإكراهاته المالية واللوجستيكية، وأيضا الاجتماعية والقبلية. ولهذا، فحينما يقول منتقدوه إنه خان الحزب، يرد عليهم بأنه أنقذ الحزب من الانقراض، حيث قاد ترتيبات في الظل تمكن على إثرها من حيازة 3 حقائب وزارية ورئاسة مجلس النواب «الحبيب المالكي» في النسخة الأولى من حكومة سعد الدين العثماني في عام 2017.، كما تمكن احتلال المركز الرابع في تشريعية 2021، بـ 34 مقعداً، أي بزيادة 14 مقعداً.
لقد خاض ٱدريس لشكر معارك شرسة مع خصومه داخل الحزب من أجل الظفر بمنصب الكتابة الأولى، فهل سيفرض عليه الشرط البيولوجي أن يتوارى إلى الخلف فاسحا المجال أمام وجوه جديدة؟
المؤشرات الحالية تؤكد أن إدريس لشكر مجبر على مغادرة باب مقر زنقة العرعار. غير أن المقربين منه يدركون أنه لن يغادر إلا إذا «أمّن» نفسه ومنع انسلال «الأغراب» إلى قيادته..