الجزائر تسعى لمواجهة مع الإمارات على خلفية عقد الغاز مع إسبانيا

الجزائر تسعى لمواجهة مع الإمارات على خلفية عقد الغاز مع إسبانيا
لوّحت الجزائر بوقف تسليم الغاز إلى شركة “ناتورجي” الإسبانية إذا قررت بيع أسهمها لشركة أخرى، في إشارة إلى شركة “طاقة” الإماراتية. ويظهر الموقف أن الجزائر تسعى لتوظيف ورقة الغاز في مواجهة غير مباشرة مع الإمارات بما يتناقض مع حرية السوق والنأي بالمعاملات التجارية عن الأجندات السياسية.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الخلط والتداخل بين الغاز والعلاقات الاقتصادية والتجارية الخارجية من ناحية وبين الحسابات السياسية للنظام الجزائري من ناحية ثانية؛ فقد سبق أن قاد موقف مشابه إلى توتر في العلاقات مع إسبانيا بسبب اشتراط الجزائر مواقف سياسية مقابل اتفاقيات تجارية واقتصادية. 

وسيهز البيع المشروط للغاز صورةَ الجزائر في سوق الطاقة، خاصة أن تداعيات الأزمة مع إسبانيا لم تنته بعد، ويمكن أن يحييها مجددا ابتزاز شركة إسبانية وتقييد نشاطها التجاري، وسيكون ذلك بمثابة رسالة سلبية إلى أوروبا بما من شأنه أن يقوض خطط الجزائر لأن يكون غازها بديلا آمنا ودائما عن الغاز الروسي.

ولا تفوت الجزائر أيّ فرصة لإثارة أزمات خارجية تغطي بها على محدودية حضورها في القضايا الإقليمية الدولية، وفي الوقت نفسه توهم الجزائريين بأنها قوة مؤثرة من خلال افتعال الصراعات ومراكمة الأعداء.

وللتغطية على تراجع تأثيرها في دول الجوار بعد توتر علاقاتها مع مالي والنيجر، افتعلت السلطات الجزائرية معركة وهمية مع الإمارات بزعم تهديد مصالحها في الحدود الجنوبية، وهو اتهام رددته وسائل إعلام جزائرية وأثار سخرية واسعة.

ولم يجد الاتهام الجزائري للإمارات أي واقعية في طرحه؛ فلو كان للإمارات وجود عسكري في مالي أو النيجر لظهر للعيان مثلما هو الحال لدى روسيا وتركيا اللتين تدعمان السلطات الجديدة في نيامي وباماكو متجاهلتين مصالح الجزائر.

وقال مراقبون حينئذ إن اختلاق “مؤامرة” يهدف إلى التغطية على العجز الجزائري في حماية مصالح البلاد على الحدود، وفشل الدبلوماسية في فهم التغييرات التي تجري في المنطقة وعدم قدرتها على كسب ثقة دول جنوب الصحراء بسبب خطاب استعلائي قاد الجزائر إلى عزلة إقليمية. 

ويرى المراقبون أن استعداء الإمارات ليس سوى استمرار لسياسة جزائرية تقوم على الإمعان في خلق الأعداء بلا سبب، ولو أدى ذلك إلى المس بمصالح الجزائر نفسها. وبالإضافة إلى المغرب افتعلت الجزائر توترا حادا مع إسبانيا وبرودا مع فرنسا بسبب الاستغراق في معارك الماضي، ومع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب تقاربها مع الصين وروسيا. 

وبسبب المزاجية في المواقف السياسية فشلت الجزائر في أن تجد لها حلفاء واضحين، حتى أن الصين وروسيا، اللتين تقول الجزائر إنهما حليفتان إستراتيجيتان لها، تخلتا عنها بشكل واضح حين تجاهلتا طلبها الانضمام إلى مجموعة بريكس. 

وخلال تخلي أوروبا عن الغاز الروسي تحت ضغط العقوبات الأميركية، سعت الجزائر لتقديم نفسها بديلا موثوقا به وتوصلت إلى تفاهمات مع فرنسا وإيطاليا، وكان الأوروبيون متشككين في كون الجزائر شريكا موثوقا به وقادرا على تأمين الإمدادات بشكل دائم، وذلك بسبب اختلاط الاتفاقيات الاقتصادية بالموقف السياسي لدى السلطات الجزائرية، مثل ما جرى مع إسبانيا والمغرب. 

ويؤكد موقف الجزائر الأخير تلك الشكوك، وهو ما سيدفع الأوروبيين إلى مراجعة التفاهمات معها مستقبلا حيث بات واضحا أن غازها لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال بديلا ثابتا عن الغاز الروسي.

وما قد يزيد من الشكوك الأوروبية حيال الاشتراطات الجزائرية، هذه المرة، أن الشركة الإسبانية قالت إن عقود التوريد المبرمة مع الجزائر لا تتضمن أي بند قد يتأثر بتغير هيكل الملكية، ما يعني أن لا مسوغ يبرر الضغط الجزائري عليها. 
 

عن جريدة "العرب"