صدر مؤخرا مشروع قانون للإضراب بالمغرب، وذلك بعد أكثر من ستين سنة من الوعد به في دستور 1962، والذي نص كما في كل الدساتير التي جاءت بعده على الحق في الإضراب.
أكثر من نصف قرن من الزمن عاش خلالها العمال صراعات كبيرة ومتوسطة وصغيرة مع المشغل الخاص والعام، بدون قانون يحدد شروط الإضراب ليفصل فيها بين الإضراب القانوني والإضراب غير القانوني، وكانت السلطات في هذا الصراع تميل في أغلب الأحيان إلى اعتبار الإضراب إما غير قانوني أو أنه تنطع غير مقبول.
وللوهلة الأولى يلاحظ المتتبع أن المادة 14 تحمل، كما كان متوقعا منذ حكومة العدالة والتنمية، ما روجت له من تفسير مبتسر ومبتور في إبانها، من أن الأجر مقابل العمل، وحاولت أن تبنيه على ثقافة دينية وعلى عصور مضت، ومعلوم أن رئيس الحكومة الأولى فيها كانت الصحافة المرتبطة بالرأسمال الطفيلي قد أطلقت عليه صفة الشجاع لما اتخذه من تدابير وإجراءات غاية في القسوة على القدرة الشرائية لأوسع طبقات الشعب، ونحن نعلم أن صفة الشجاعة تطلق عادة على من يتصدى للظلم ويكافح من أجل الحق، أما من يتصدى لقوت شعب من الشعوب ويهضم حقوقها في العيش الكريم فيطلق عليه صفة الطاغية والجبار وليس الشجاع، ولكن كانت الرأسمالية المغربية الهجينة تصفق له وتنتشي لقراراته، وحتى لما جاء رئيس الحكومة الثاني من نفس الحزب وكان متريثا ومترددا ويستحضر نوعا من الحكمة في اتخاذ نفس القرارات أطلقت عليه نفس الصحافة صفة الضعيف.
سأتناول هذا الموضوع أي الأجر أثناء فترة الإضراب والذي كان دائما سجالا في المغرب بين العمال المضربين وبين المشغل، ويخضع لنسب القوة بين الطرفين فإذا كان المشغل في حاجة ماسة لاستئناف العمل بسرعة، كان يؤدي الأجر للعمال، وإذا كان متنطعا ووجد سبيلا غير قانوني لتلبية الطلبات مع زبنائه كان يرفض أداء الأجر عن تلك الفترة، وإذا بالدولة الآن تدفع لأن يصبح الاقتطاع بمثابة قانون، والذي دشنته في القطاع العام مع قانون 1984 ومرسوم سنة 2000، اللذين ينظران للإضراب على أنه غياب غير مبرر عن العمل ويفرضان الاقتطاع من الأجر.
بعض الدول في العالم وحتى الأوروبية لجأت في العشرين سنة الماضية إلى الكثير من الإجراءات التراجعية في ما يتعلق بالحق في الإضراب ومنها الاقتطاعات من الأجر ومنع الإضراب السياسي والتطوعي وتمطيط مدة التفاوض قبل الاضراب.. وهناك دول كانت سباقة إلى هذا منذ السنوات الأولى من تحرير نفسها من الاستعمار، مثل فرنسا التي يورد مشرعها في قانون 1950، جملة فيها تلاعب قانوني وأخلاقي وثقافي، تقول "حيث لا يوجد عمل لا يوجد أجر ". ومعلون أن فرنسا منعت الإضراب بقانون 1791 ولم تعترف به إلا في 1946. لكن هناك دول أخرى، إما أنها تترك الموضوع سجالا بين العمال والمشغل، أو تنص على أنهم يتلقون أجورهم عن فترة الإضراب إذا كان الإضراب قانونيا.
العلاقة بين الأجر والعمل قديمة، وليست وليدة الرأسمالية، لكن وإن كانت قديمة إلا أن هناك اختلافات كبيرة بين فترة العبودية التي كانت فيها فئة أخرى لا هي من العبيد ولا هي من الفئة العليا ولا هي من المحاربين، بل إنها من العمال بالأجر يقومون بأعمال مختلفة مثل الحدادة والبناء وصناعات أخرى خشبية مثل العربات وغير ذلك، هم أعلى شأنا من العبيد لكن أقل شأنا من المحاربين والتجار والحكام. يؤدون عملهم بأجر لجزء من يوم أو ليوم كامل أو لمدة إنجاز العمل ولو طالت، وهذا ما سيتم تناوله الموضوع على الحلقات المقبلة..