شدد عبد لله الفرياضي، الباحث المغربي في الشؤون المغاربية، على أن ترامي جماعة بشرية ما على المنجز الحضاري لجماعة أخرى يجعلنا في الواقع أمام وضعية باثولوجية جَمْعية حادة، وضعية تتسم أساسا بالإحساس الفادح بعقدة النقص تجاه الأغيار، وذلك إما بسبب وجود عوز وفقر حضاري حقيقي لدى الجماعة المقترفة لفعل الترامي، أو بسبب تقديرها السلبي لإمكاناتها الذاتية، أو بسبب وقوعها ضحية اضطرابات عُصابية جعلتها تنتج عن ذاتها الثقافية الجمعية صورا متخيلة من القصور والدونية.
أما بالنسبة للسلوكات المسجلة في الحالة الجزائرية، فأكد الفرياضي على أن المنجز الحضاري في شمال أفريقيا، سواء في شكله المادي أو في شكله اللا – مادي، هو في الواقع منجز ثقافي أمازيغي مشترك تعود جذوره التاريخية إلى فترات سابقة عن تشكل الدول الوطنية القطرية الحالية عقب جلاء المستعمر الأوروبي. لكنه استدرك بالقول "غير أن الإقرار بهذا المعطى التاريخي لا يجب أن يتخذ ذريعة لطمس حقيقة تاريخية أخرى، وهي الحقيقة التي مفادها أن المشتل الأساس لمجمل المتراكمات الحضارية في المنطقة هو حواضر المغرب الأقصى، وذلك لسبب وجيه يتجسد أساسا في ثلاثة أركان:
أولها أصالة فعل التمدن في المغرب الأقصى، منظورا إلى واقعة التمدن بوصفها العامل الباعث على البذل والإنتاج الحضاريين، وثانيها تجذر الدولة المغربية في عمق التاريخ في مقابل جنينية الدولة الجزائرية التي لم تر النور إلا بمقتضى اتفاقيات «إيڤيان» سنة 1962، بعدما كانت «أرض الجزائر» عبر التاريخ مجرد مجال ترابي خاضع لسلطة الدول المغربية تارة، وللاجتياح الاستعماري الأجنبي تارة أخرى،
أما ثالث تلك الأركان فهو استقرار الكيانات السياسية التي نشأت في المغرب الأقصى واستقلالها منذ ما قبل الميلاد عن جميع القوى الكولونيالية التي تعاقبت على استعمار المنطقة، ومعنى ذلك أن المغرب هو الذي كان مؤهلا، وبشكل حصري، على ابتكار وإنتاج هذه المنجزات الثقافية المتسمة بطابعي الأصالة والفرادة، وذلك اعتبارا لما يشكله عامل الاستقرار من ضمانة لقوة الإنتاج الحضاري، ولكن أيضا لما يشكله عامل الاستقلال من ضمانة للأصالة والتفرد عن تأثيرات الثقافات الغازية، وهما الخاصيتان اللتان يتميز بهما المنجز الحضاري المغربي الذي لا تتوانى الجزائر – المُوَلَّدَةُ قيصريا من رحم المختبرات الكولونيالية الفرنسية – عن محاولات قرصنتها وتبنيها.
وتبعا لكل هذه الاعتبارات، خلص الفرياضي إلى القول بأن هوس الجزائر بالسطو على مختلف أشكال التراث المادي واللا – مادي المغربية، ومحاولة التأصيل لها على تراب دولة «مُجْدِبة» من الناحية التاريخية، هو في الواقع سلوك يمكن تفهمه واستيعابه، لكن شريطة النظر بوصفه سلوكا باثولوجيا مثخنا بعقدة الدونية التي تسكن وعي ولاوعي الطغمة التي تحكم كيانا سياسيا مستحدثا بقرار كولونيالي، ولذلك لا يني يبحث عن أية وسيلة يمحي بها خطيئة هذه الولادة غير الشرعية، ولو بالاستيلاء على المنجز الثقافي للمغرب طمعا في اصطناع قسري لشرعية تاريخية وحضارية مفقودة بقوة الواقع.
وجوابا عن سؤال الخطوات التي ينبغي على المغرب القيام بها لحمايته تراثه المادي واللامادي، أجاب عبد لله الفرياضي بأن المنتظم الأممي قد وفر ترسانة قانونية مهمة لحماية الرصيد التراثي والثقافي للبشرية، وما على المغرب إلا أن يعمل على الاستفادة من الفرص التي تتيحها له هذه التشريعية الدولية، والتي يمكننا أن نذكر منها على سبيل المثال: ميثاق البندقية لسنة 1964 في شأن الحفاظ على المعالم والمواقع وترميمها، وميثاق واشنطن لسنة 1987 المعروف بميثاق إيكوموس للحفاظ على المدن والمناطق العمرانية التاريخية، وميثاق بورا لسنة 2013 المعروف كذلك بميثاق إيكوموس - أستراليا للأماكن ذات الدلالة الثقافية، وأيضا إعلان شي – آن لسنة 2005 حول الحفاظ على محيط المنشئات والمواقع والمناطق التراثية، وكذا إعلان كيبك لسنة 2008 حول حفظ روح المكان، وإعلان باريس لسنة 2011 حول التراث كمحفز للتنمية، فضلا عن الاتفاقية المتعلقة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي التي اعتمدتها اليونيسكو عام 1972 التي بلغ عدد البلدان الأطراف فيها 195 بلداً. كما يمكن للمغرب أيضا أن يستفيد من المقتضيات القانونية العالمية المعنية بحماية الملكية الفكرية، لا سيما الفقرة 2 من المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أنه: «لكل شخص الحق في حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني من تأليفه»
اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية لسنة 1886، واتفاقية بروكسل بشأن توزيع الإشارات الحاملة للبرامج المرسلة عبر التوابع الصناعية لسنة 1974، واتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية لسنة 1883، ومعاهدة واشنطن بشأن الملكية الفكرية فيما يتعلق بالدوائر المتكاملة لسنة 1989، ومعاهدة «الويبو» بشأن حق المؤلف لسنة 1996، وبروتوكول اتفاق مدريد بشأن التسجيل الدولي للعلامات لسنة 1981 وغيرها من التشريعات الأممية ذات الصلة..
وخلص الباحث في الشؤون المغاربية إلى القول بأن أي فعل مغربي يروم كبح هذا السطو الجزائري المستمر على التراث المغربي، يقتضي أولا تكثيف المغرب لعمليات الجرد والإحصاء التراكمي لكل عناصر التراث المادي واللامادي الوطني، وإصدار دلائل توثيقية لهذا التراث وأرشفته رقميا، ثم العمل بشكل دؤوب على توثيقه ضمن قائمة التراث الإنساني باليونيسكو، وحمايته قانونيا لدى المنظمة الدولية للملكية الفكرية، ثم التسويق المكثف لمظاهر هذا التراث الوطني في مختلف التظاهرات والأنشطة الدولية والقارية، وإدماجه في دائرة الاقتصاد الثقافي.