محكمة مراكش تبطل قرار احتكار مهنة المحاماة على فئة أبناء الأثرياء

محكمة مراكش تبطل قرار احتكار مهنة المحاماة على فئة أبناء الأثرياء مولاي سليمان العمراني نقيب هيئة المحامين بمراكش
بتاريخ‭ ‬24‭ ‬أبريل‭ ‬2024‭ ‬أصدرت‭ ‬محكمة‭ ‬الاستئناف‭ ‬بمراكش‭ ‬حكما‭ ‬مبدئيا قضى‭ ‬ببطلان‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬هيئة‭ ‬المحامين‭ ‬القاضي‭ ‬برفع‭ ‬مبالغ‭ ‬رسوم‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬المهنة،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبرت‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬قرارها‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬أن‭ ‬تمكين‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬مبالغ‭ ‬مرتفعة‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬المرشحين‭ ‬للولوج‭ ‬إلى‭ ‬المهنة‭ ‬سيكون‭ ‬بمثابة‭ ‬“تمليك‭ ‬المهنة‭ ‬للمهنيين‭ ‬وإعطائهم‭ ‬خارج‭ ‬القانون‭ ‬صلاحية‭ ‬اقتصار‭ ‬الولوج‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬الفئة‭ ‬الميسورة،‭ ‬ضدًا‭ ‬على‭ ‬فلسفة‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬المواطنين‭ ‬سواسية‭ ‬أمام‭ ‬القانون”.
القرار‭ ‬يعيد‭ ‬إلى‭ ‬الجدل‭ ‬من‭ ‬جديد إشكالية‭ ‬ارتفاع‭ ‬واجبات‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬في‭ ‬المغرب والتي‭ ‬وصلتْ‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬هائلة‭ ‬بشكل‭ ‬أضحى‭ ‬يهدد‭ ‬بجعل‭ ‬المهنة‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬أبناء‭ ‬الفئات‭ ‬الميسورة‭.‬
ملخّص‭ ‬القضية
تعود‭ ‬فصول‭ ‬القضيّة‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬18‭ ‬مارس‭ ‬2024‭ ‬حينما‭ ‬تقدّم‭ ‬الوكيل‭ ‬العام‭ ‬لدى‭ ‬محكمة‭ ‬الاستئناف‭ ‬بمراكش‭ ‬بطعن‭ ‬أمام‭ ‬غرفة‭ ‬المشورة‭ ‬بالمحكمة‭ ‬ضدّ‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬هيئة‭ ‬المحامين‭ ‬الصادر‭ ‬بتاريخ‭ ‬29‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬والذي‭ ‬قضى‭ ‬بمراجعة‭ ‬وتعديل‭ ‬رسوم‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الهيئة،‭ ‬وتحديده‭ ‬في‭ ‬مبلغ‭ ‬130‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬للطلبة‭ ‬المغاربة،‭ ‬و400 ألف‭ ‬درهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقضاة‭ ‬والموظفين‭ ‬ورجال‭ ‬السلطة‭ ‬وأساتذة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬ومبلغ‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمحامين‭ ‬الأجانب‭ ‬المنتمين‭ ‬إلى‭ ‬هيئة‭ ‬تربطها‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬اتفاقية‭ ‬دولية‭ ‬متعلقة‭ ‬بممارسة‭ ‬المهنة،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬للمحامين‭ ‬المغاربة‭ ‬المنتقلين‭ ‬من‭ ‬هيئة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬130‭ ‬ألف‭ ‬درهم،‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمحامين‭ ‬المتمرنين،‭ ‬250‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمحامين‭ ‬الرسميين‭.‬
وأسس‭ ‬الوكيل‭ ‬العام‭ ‬لدى‭ ‬محكمة‭ ‬الاستئناف‭ ‬طعنه‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬لنطاق‭ ‬اختصاصاته،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬91‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬المهنة‭ ‬حدّدت‭ ‬حصرا‭ ‬اختصاصات‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬فرض‭ ‬الضرائب‭ ‬و“المكوس“‭ ‬التي‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الاختصاصات‭ ‬الحصرية‭ ‬للسلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬تمارسها‭ ‬بموجب‭ ‬القانون،‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬اشتراط‭ ‬أداء‭ ‬رسم‭ ‬الانخراط‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬القانون‭ ‬المنظم‭ ‬للهيئة‭ ‬يعتبر‭ ‬تطاولا‭ ‬على‭ ‬اختصاصات‭ ‬المشرع‭.‬
وقدم‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬مذكرة‭ ‬دفاعية‭ ‬تمسك‭ ‬فيها‭ ‬بأن‭ ‬القرار‭ ‬المطعون‭ ‬فيه‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬يصدرها‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التسيير‭ ‬الداخلي‭ ‬لشؤون‭ ‬المهنة،‭ ‬ولا‭ ‬حق‭ ‬للنيابة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الطعن‭ ‬فيه،‭ ‬لانعدام‭ ‬الصفة‭ ‬والمصلحة،‭ ‬ملتمسا‭ ‬عدم‭ ‬قبول‭ ‬الدعوى‭ ‬شكلا‭.‬
أما‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬فقد‭ ‬ركز‭ ‬دفاع‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬قرارها‭ ‬صادرا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬القانون،‭ ‬مادامت‭ ‬المادة‭ ‬20‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬الهيئة‭ ‬تشترط‭ ‬لقبول‭ ‬طلب‭ ‬المرشح‭ ‬للتسجيل‭ ‬بجدول‭ ‬الهيئة‭ ‬أداء‭ ‬واجب‭ ‬الانخراط،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ملتحق‭ ‬بالمهنة‭ ‬يستفيد‭ ‬بمجرد‭ ‬قبوله‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬مشاريع‭ ‬أنجزت‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الهيئة‭ ‬طبقا‭ ‬لمقتضيات‭ ‬النظام‭ ‬الداخلي،‭ ‬ملتمسا‭ ‬أساسا‭ ‬رفض‭ ‬الطعن‭.‬
موقف‭ ‬المحكمة
استجابت‭ ‬المحكمة‭ ‬للطعن‭ ‬المقدم‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬وقضت‭ ‬ببطلان‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬هيئة‭ ‬المحامين‭ ‬القاضي‭ ‬برفع‭ ‬مبالغ‭ ‬واجبات‭ ‬الانخراط‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالمهنة،‭ ‬معتمدةً‭ ‬على‭ ‬العلل‭ ‬التالية:
•‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لمقتضى‭ ‬قانوني‭ ‬يستلزم‭ ‬توفر‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬على‭ ‬المصلحة‭ ‬لتقديم‭ ‬طعنها‭ ‬ضد‭ ‬مقررات‭ ‬مجلس‭ ‬هيئة‭ ‬المحامين‭ ‬متى‭ ‬تبيّن‭ ‬أنها‭ ‬مخالفة‭ ‬للقانون،‭ ‬لكونها‭ ‬شخصا‭ ‬معنويا‭ ‬عاما‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات،‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العام‭ ‬ومصلحة‭ ‬المجتمع‭ ‬والنظام‭ ‬العام‭ ‬المهني،‭ ‬المرتبط‭ ‬أساسا‭ ‬بما‭ ‬تقدمه‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬كباقي‭ ‬المهن‭ ‬المساعدة‭ ‬للقضاء‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬للمجتمع،‭ ‬ترتبط‭ ‬بإنتاج‭ ‬العدالة‭ ‬وتوفير‭ ‬مناخ‭ ‬الاستقرار‭ ‬المعاملاتي‭ ‬للأفراد‭ ‬بغية‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬القضائي‭.‬
•‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬واجبات‭ ‬الانخراط‭ ‬وواجبات‭ ‬الاشتراك‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الاصطلاح‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تحدده‭ ‬وضعية‭ ‬الملزم‭ ‬بها،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬ينتمي‭ ‬بتاريخ‭ ‬أدائها‭ ‬للهيئة‭ ‬فهي‭ ‬تسمى‭ ‬واجبات‭ ‬اشتراك،‮ ‬‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬خارج‭ ‬هذه‭ ‬الهيئة‭ ‬فهي‭ ‬تسمى‭ ‬بواجبات‭ ‬الانخراط،‭ ‬لأن‭ ‬بموجبها‭ ‬يتمّ‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬وطلب‭ ‬الولوج‭ ‬اليها‭ ‬هي‭ ‬سبب‭ ‬أدائها،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬أول‭ ‬واجب‭ ‬مالي‭ ‬يؤديه‭ ‬المرشح‭ ‬للعضوية‭ ‬يسمى‭ ‬واجب‭ ‬الانخراط،‭ ‬والقول‭ ‬بأن‭ ‬واجبات‭ ‬الانخراط‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬واجبات‭ ‬الاشتراك‭ ‬مقدارا‭ ‬أو‭ ‬طبيعة‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬أيّ‭ ‬سند‭ ‬في‭ ‬القانون،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬سنّ‭ ‬قواعد‭ ‬تحدد‭ ‬رسوما‭ ‬أو‭ ‬مكوسا‭ ‬أو‭ ‬مبالغ‭ ‬تلزم‭ ‬المواطنين‭ ‬إنما‭ ‬جعله‭ ‬الدستور‭ ‬باعتباره‭ ‬أسمى‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬إرادة‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬الاختصاصات‭ ‬الحصرية‭ ‬للمشرع‭ ‬دون‭ ‬غيره‭.‬
•‭ ‬الأسس‭ ‬المبررة‭ ‬لتحديد‭ ‬ووجود‭ ‬واجبات‭ ‬الانخراط‭ ‬والاشتراك‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬الأسس‭ ‬المبررة‭ ‬لهذه‭ ‬الواجبات‭ ‬في‭ ‬باقي‭ ‬الهيئات‭ ‬والجمعيات‭ ‬والمهن‭ ‬الحرة،‭ ‬ومنها‭ ‬القوانين‭ ‬المنظمة‭ ‬لمهن‭ ‬المهندسين‭ ‬المعماريين،‭ ‬والأطباء،‭ ‬والمحاسبين‭ ‬المهنيين،‭ ‬والمفوضين‭ ‬القضائيين،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المهن‭ ‬المنظمة‭ ‬قانونا،‭ ‬والتي‭ ‬تحدد‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الهيئات‭ ‬المسيرة‭ ‬للمهنة‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬حاجيات‭ ‬التدبير‭ ‬المهني‭ ‬للمهنة،‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬“إتاوات“‭ ‬دورية‭ ‬وجدت‭ ‬لتسهيل‭ ‬التسيير‭ ‬الذاتي‭ ‬لهذه‭ ‬الهيئات‭ ‬انسجاما‭ ‬مع‭ ‬استقلالها‭ ‬الإداري،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لنطاقها‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مستلزم‭ ‬للتسيير‭ ‬المالي‭ ‬للهيئة،‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬أية‭ ‬عرقلة‭ ‬للولوج‭ ‬إلى‭ ‬المهنة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إضافة‭ ‬شروط‭ ‬غير‭ ‬منصوص‭ ‬عليها‭ ‬قانونا‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬أداء‭ ‬مبالغ‭ ‬“ضخمة“‭ ‬غير‭ ‬التي‭ ‬يلزم‭ ‬بها‭ ‬باقي‭ ‬أعضاء‭ ‬الهيئة‭ ‬كرسم‭ ‬اشتراك‭.‬
•‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استقراء‭ ‬الاختصاصات‭ ‬المخولة‭ ‬لمجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬يتضح‭ ‬أنه‭ ‬مخول‭ ‬سنّ‭ ‬قواعد‭ ‬النظام‭ ‬الداخلي،‭ ‬هذه‭ ‬القواعد‭ ‬تطبق‭ ‬على‭ ‬المنتمين‭ ‬للهيئة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لما‭ ‬يتخذه‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬أو‭ ‬قواعد‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬الأعضاء‭ ‬المكونين‭ ‬للهيئة‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬الجهة‭ ‬المخول‭ ‬لها‭ ‬اتخاذ‭ ‬القواعد‭ ‬العامة‭ ‬المجردة‭ ‬لتطبيقها‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المواطنين‭ ‬هي‭ ‬الجهة‭ ‬التشريعية‭ ‬عبر‭ ‬القواعد‭ ‬القانونية،‭ ‬طبقا‭ ‬للمادة‭ ‬السادسة‭ ‬من‭ ‬الدستور،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬فإن‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬يحدد‭ ‬رسوم‭ ‬انخراط‭ ‬خاصة‭ ‬تطبق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يود‭ ‬ولوج‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬بالدائرة‭ ‬المذكورة‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬تمكين‭ ‬المجلس‭ ‬المذكور‭ ‬من‭ ‬اختصاصات‭ ‬يتجاوز‭ ‬نطاق‭ ‬القانون‭ ‬التشريعي‭.‬
•‭ ‬أغلب‭ ‬الأنظمة‭ ‬القانونية‭ ‬المشابهة‭ ‬للقانون‭ ‬المغربي‭ ‬لا‭ ‬تفرض‭ ‬شروطا‭ ‬مالية‭ ‬خاصّة‭ ‬كواجبات‭ ‬للانخراط‭ ‬منفصلة‭ ‬عن‭ ‬واجبات‭ ‬الاشتراك‭ ‬الخاصة‭ ‬بهيئة‭ ‬أو‭ ‬نقابة‭ ‬أو‭ ‬جمعية‭ ‬للمحامين،‭ ‬منها‭ ‬القانون‭ ‬الفرنسي‭ ‬باعتباره‭ ‬مصدرا‭ ‬تاريخيا‭ ‬للقانون‭ ‬المنظم‭ ‬للهيئة‭ ‬بالمغرب،‭ ‬اذ‭ ‬لا‭ ‬يتضمّن‭ ‬أي‭ ‬شرط‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل،‭ ‬وكذلك‭ ‬القانون‭ ‬السنغالي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستلزم‭ ‬أيّ‭ ‬مبلغ‭ ‬كواجب‭ ‬للانخراط‭ ‬في‭ ‬المهنة،‭ ‬ونفس‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للانضمام‭ ‬لبعض‭ ‬هيئات‭ ‬المحامين‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يشترط‭ ‬أيّ‭ ‬واجب‭ ‬ماليّ‭ ‬كمقابل‭ ‬للولوج‭ ‬الى‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة،‭ ‬وأنه‭ ‬حتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقوانين‭ ‬التي‭ ‬نصت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الشرط‭ ‬فإنها‭ ‬قيدته‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬صلاحية‭ ‬تحديد‭ ‬مبلغ‭ ‬واجب‭ ‬الولوج‭ ‬للمهنة،‭ ‬وأعطت‭ ‬صلاحية‭ ‬تحديده‭ ‬للسلطة‭ ‬الحكومية‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬وزير‭ ‬العدل،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬مقدار‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يتجاوز‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متطلب‭ ‬لدراسة‭ ‬طلب‭ ‬القيد‭.‬
•‭ ‬تمكين‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬مبالغ‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يود‭ ‬الولوج‭ ‬الى‭ ‬المهنة‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬تمليك‭ ‬المهنة‭ ‬للمهنيين‮ ‬‭ ‬وترك‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭ ‬وإعطائهم‭ ‬للمهنيين‭ ‬خارج‭ ‬القانون‭ ‬صلاحية‭ ‬اقتصار‭ ‬الولوج‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬يتوفّر‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المبالغ‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬ضدا‭ ‬على‭ ‬فلسفة‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬المواطنين‭ ‬سواسية‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭.‬
تعليق‭ ‬على‭ ‬الحكم
يعيد‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬إشكالية‭ ‬مبالغة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مجالس‭ ‬هيئات‭ ‬المحامين‭ ‬بالمغرب‭ ‬في‮ ‬فرض‭ ‬رسوم‭ ‬مرتفعة على‭ ‬المرشحين‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬التسجيل‭ ‬بالهيئة‭ ‬لممارسة‭ ‬المحاماة،‭ ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تبرر‭ ‬فيه‭ ‬مجالس‭ ‬الهيئات‭ ‬موقفها‭ ‬بحماية‭ ‬المهنة‭ ‬من‮ ‬إغراقها‭ ‬بعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المرشحين،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬لجوء‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬مباريات‭ ‬الأهلية‭ ‬لممارسة‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬لامتصاص‭ ‬الأعداد‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬خريجي‭ ‬كليات‭ ‬الحقوق،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الالتزام‭ ‬بتعهداتها‭ ‬السابقة‭ ‬بإنشاء‭ ‬معاهد‭ ‬لتكوين‭ ‬المحامين،‭ ‬فضلا‭ ‬عما‭ ‬توفره‭ ‬واجبات‭ ‬الانخراط‭ ‬من‭ ‬مداخل‭ ‬مالية‭ ‬مهمة‭ ‬تنعش‭ ‬ميزانية‭ ‬مجالس‭ ‬الهيئات‭ ‬وتمكنها‭ ‬من‭ ‬النهوض‭ ‬بالجانب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للمهنة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬نوادي‭ ‬ومراكز‭ ‬اجتماعية،‭ ‬وبناء‭ ‬مقرات‭ ‬لائقة‭.‬
في‭ ‬المقابل‭ ‬يرفض المعارضون لهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬رفع‭ ‬رسوم‭ ‬التسجيل‭ ‬في‭ ‬مجالس‭ ‬الهيئات‭ ‬باعتبارها‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬ولوج‭ ‬أبناء‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬غير‭ ‬الميسورة،‭ ‬وتؤدي‭ ‬الى‭ ‬احتكار‭ ‬المهنة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬حركات‭ ‬احتجاجية‭ ‬تمثلت في‮ ‬‭ ‬تنسيقية‭ ‬وطنية‭ ‬للحاصلين‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الأهلية‭ ‬لمزاولة‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة،‭ ‬والتي‭ ‬حددت‭ ‬مطلبها‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬إلغاء‭ ‬رسوم‭ ‬الانخراط،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تأجيل‭ ‬موعد‭ ‬أدائها‭ ‬وتقسيمها‭ ‬إلى‭ ‬أقساط،‭ ‬ونظمت‭ ‬عدة‭ ‬مظاهرات‭ ‬أمام‭ ‬البرلمان‭ ‬للمطالبة‭ ‬بالأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬بهذا‭ ‬المطلب‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬مراجعة‭ ‬القانون‭ ‬المنظم‭ ‬لمهنة‭ ‬المحاماة‭.‬
كان‭ ‬لافتا‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬أنه‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬حجج‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬يكرّس‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة‭ ‬أمام‭ ‬القانون،‭ ‬ويجعل‭ ‬للبرلمان‭ ‬صلاحية‭ ‬التشريع‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬الضرائب‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التكاليف‭ ‬المادية‭ ‬بشكل‭ ‬حصري،‭ ‬ومن‭ ‬قانون‭ ‬المهنة‭ ‬والقوانين‭ ‬الداخلية‭ ‬لمجالس‭ ‬الهيئات،‭ ‬وكذا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬قوانين‭ ‬مقارنة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬أفريقيا‭ ‬“التجربة‭ ‬السنغالية“،‭ ‬وأوروبا‭ ‬“التجربة‭ ‬الفرنسية‭ ‬كمصدر‭ ‬تاريخي‭ ‬لقوانين‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬بالمغرب“،‭ ‬وأمريكا‭ ‬“من‭ ‬خلال‭ ‬قوانين‭ ‬الهيئة‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الولايات“‭.‬
يثير‭ ‬الحكم‭ ‬إشكالية‭ ‬تأويل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬الواردة‭ ‬في‮ ‬قانون‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‮ ‬والنظام‭ ‬الداخلي‭ ‬لمجالس‭ ‬الهيئات،‭ ‬فبينما‭ ‬تنص‭ ‬المادة‭ ‬20‭ ‬من قانون‭ ‬المهنة على‭ ‬أن‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬يبتّ‭ ‬في‭ ‬طلبات‭ ‬التسجيل‭ ‬في‭ ‬الجدول‭ ‬بعد‭ ‬استكمال‭ ‬عناصر‭ ‬البحث‭ ‬داخل‭ ‬أجل‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬إيداع‭ ‬الطلب‭ ‬وأداء‭ ‬واجبات‭ ‬الانخراط،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المادة‭ ‬91‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬اختصاصات‭ ‬مجالس‭ ‬الهيئات‭ ‬إدارة‭ ‬أموالها‭ ‬وتحديد‭ ‬واجبات‭ ‬الاشتراك،‭ ‬وتعتبر‭ ‬مجالس‭ ‬الهيئات‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬هي‭ ‬سندها‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬واجبات‭ ‬الانخراط،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬مقتضيات‭ ‬قانون‭ ‬المهنة‭ ‬لا‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬تقييد‭ ‬قبول‭ ‬طلبات‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬على‭ ‬شرط‭ ‬أداء‭ ‬مبلغ‭ ‬مالي،‭ ‬وأن‭ ‬مجالس‭ ‬الهيئات‭ ‬تخلط‭ ‬بين‭ ‬واجبات‭ ‬الاشتراك‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬المحامين،‭ ‬وواجبات‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬المهنة‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬والذي‭ ‬يمكن‭ ‬استرجاعه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬قبول‭ ‬طلب‭ ‬التسجيل‭.‬
كان‭ ‬لافتا‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬أنه‭ ‬استند‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للقول‭ ‬بعدم‭ ‬قانونية‭ ‬رفع‭ ‬واجبات‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬حينما‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬فرض‭ ‬رسوم‭ ‬“ضخمة“‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يحصر‭ ‬الولوج‭ ‬الى‭ ‬المهنة‭ ‬على‭ ‬أبناء‭ ‬الفئات‭ ‬الميسورة،‭ ‬وكان‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬استحضرت‭ ‬الدور‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للنيابة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬طلب‭ ‬الطعن،‭ ‬حينما‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العام،‭ ‬بل‭ ‬وعلى‭ ‬دور‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬كمدافعة‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬وعلى‭ ‬انتاج‭ ‬العدالة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬فضاء‭ ‬لتكريس‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭.‬
يتزامن‭ ‬صدور‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬القضائي‭ ‬مع‭ ‬نقاش‭ ‬عمومي‭ ‬واسع‭ ‬حول مراجعة‭ ‬قانون‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة أمام‭ ‬تقديم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬ظل‭ ‬عالقا‭ ‬أمام‭ ‬البرلمان،‭ ‬بعد‭ ‬تعثر‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬ومجالس‭ ‬الهيئات‭ ‬والجمعيات‭ ‬المهنية‭ ‬المختلفة في‭ ‬ظل‭ ‬تزاحم‭ ‬مشاريع‭ ‬إصلاح‭ ‬القوانين‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالعدالة‭ ‬والولوج‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭.‬