أكد عبد الله أبو إياد أستاذ التعليم العالي، بالمعهد الملكي لتكوين أطر الشبيبة والرياضة، إن التضامن يعبر عن وعي بالترابط بين الاشخاص وبين المجموعات البشرية، وأن تيسير التواجد الإيجابي للتضامنية الانسانية في الحاضر والمستقبل لتحرير الفرد المغربي نحو الشخص، هي من أهم وظائف المجتمع المدني.
وسلط الأستاذ أبو إياد الضوء في مداخلة بعنوان " المجتمع المدني وسؤال التضامن الاجتماعي التحديات والآفاق" ألقاها خلال ندوة " التضامن الاجتماعي نحو التقنين والمأسسة" التي نظمها مؤخرامختبر القانون العام والعلوم السياسية بشراكة مع جامعة محمد الأول، على الحركة التاريخية للوعي التضامني المجتمعي المغربي، ومتابعة نشوء سيرورته الذهنية في البنيات الثقافية والاجتماعية، وذلك من خلال متابعة معرفية تحليلية متقاطعة لحقول علمية مختلفة التي تساؤل الادوار والعلاقات بين مؤسسات المجتمع كفواعل مفترضة لتأسيس علاقة إنسانية.
و اعتبر أن التضامن ترجمة لوعي بترابط المصالح، ومن ثم بترابط المصير، فهو يفترض الوعي بالانتماء المشترك الذي يخلق واجبات المعاملة المفتوحة على الخيار الإنساني، إذ عادة ما يترجم ذلك القول المأثور "الواحد للجميع والجميع للواحد"؛ فيجسد ذلك الرابط العاطفي متعدد الجوانب المتشابهة دائما، والتي تربطنا دائما بدون توقف بالآخرين. ولكن التضامن لا يقتصر على الاحساس والشعور بتلك الرابطة العاطفية، بل يتعدى ذلك إلى الممارسة والسلوك.
وأوضح أبو إياد إن التضامن يعبر إذن عن وعي بالترابط بين الاشخاص وبين المجموعات البشرية بغض النظر عن الشكل الذي اتخذه، وهذا الوعي يترجم إلى سلوك إرادي وطوعي يبادر صاحبه بالذهاب نحو الآخر، ومد يد المساعدة له حتى يتغلب على المحنة التي يعاني منها. وقال لذلك كان التضامن استراتيجية أوجدها الانسان لضمان بقائه، وللتغلب على المخاطر التي تهدده. وبعبارة أخرى ليس التضامن وضعا جامدا، بل هو حركية مستمرة تجد ترجمتها في قنوات متعددة، وهي خاصية أتاحت للبشر بناء استراتيجية البقاء وإعادة البناء، وضمن سياق ديناميكية هذا التطور، أصبح حديث عن السياسات التضامنية .Les politiques de la solidarité ، وقنوات التضامن الاجتماعي، وأدوات التضامن.
وبعدما أشار إلى أن التضامن، يعد شكلا من التواصل الإنساني لدى الانسان في الشرط التاريخي والحضاري المرتبط به، وانسجاما مع ما استجد من طرق وآليات التعبير ومظاهر الحضارة، عبر المتدخل عن اعتقاده بأن السياق المغربي، بعلاقة بالفعل المدني، لم تكن دينامياته الاجتماعية والثقافية وكافة تمظهراته الحضارية خالية من التعبير عن فعل مدني فريد، حامل لقيم عديدة من بينها التضامن الذي شكّل "عصب القيم المغربية" بأشكال عديدة.
وذكر بأن الاهتمام بالتضامن بآلة الدولة فقط، وإنما أصبح لاحقا في مؤسسات الشراكة مع هذه الآلة والذين عليهم حق التعاون في تنظيم الاجتماع وجعله في صورة المجتمع الحديث، وما رافقه من تجديد في المقاربة الحقوقية، إذ بدا واضحا الوعي بأهمية التضامن الانساني في اعمال حقوق الانسان بالنظر إلى أن تمتع البشر بتلك الحقوق يظل وثيق الارتباط بتضامنهم، وغياب التضامن يؤدي الى انتهاك حقوقهم، وتستمد المقاربة السوسيولوجية والحقوقية والنفسية أهميتها من التركيز على تعدد الفاعلين المعنيين بتجسيد التضامن، بحيث بات التضامن مسؤولية المنظمات الغير الحكومية والتي جعلت منه مقاربة تمكينية تفاعلية تبنى على العناية بقدرة الافراد على تمكين مجتمعهم وجعله قادرا على خلق بدائل إبداعية لأزماته وروابطها المتطورة في علاقات لا متكافئة مع مكينة الرأسمال العالمي.
ولاحظ أن جائحة كوفيد 19 وما فرضته على المغاربة من حجر صحي؛ أدى إلى انتعاش فعل التضامن من داخل مكونات المجتمع المدني، بالإضافة إلى تراجع قيم العولمة وعودة المرجعيات الخصوصية رغم حضور الافتراضي موضحا أن ذلك يحيل على تلاشي الباراديغمات المنتجة للتبعية الغربية وتأكيد التمثلات الإيجابية حول اليقينيات المحلية وذلك بسبب ظهور مناطق غير معولمة ترتكز على إعادة اكتشاف قيمة الاكتفاء الذاتي.
وأضاف أن بمجرد ما تم الإعلان على أزمة "زلزال الحوز" سارع المواطنون من مختلف مناطق المغرب لتقديم المساعدة، بشكل طوعي وتلقائي ومنظم، في قالب عرف انتعاش مجموعة من القيم الوطنية بل وعودة بعضها. هذه الصورة تجعلنا نتجاوز القراءة السطحية لرد فعل المواطنين، نحو قراءته كتجلّ حضاري، إذ يخضع المكون الحضاري لامتحان وجوده ووجود قيمه واستمرارها. كما تجسد الأزمة نوعا من التشخيص لدينامية مكونات المجتمع المدني، حول أهدافها ورؤيتها ومشروعها داخل المجتمع.
وقال الأستاذ أبو إياد في هذا السياق بأن ذلك يكون الافتراضي فرصة لتأكيد التضامن الاجتماعي وتجديده، والعولمي فرصة لاكتشاف إمكانية نشوء مجتمع مدني محلي فاعل ومتضامن، مضيفا أن خلق التضامن الاجتماعي يتعلق بتقوية العلاقة بين مكونات المجتمع ومؤسساته، وفي مقدمتها الدولة على قاعدة المواطنة التي تؤطرها الذات المواطنة والتي لا تقف عند خط الحقوق و المكتسبات، بل تتجاوز ذلك إلى الإقدام على تحمل المسؤوليات العامة سواء من خلال العمل المدني أو الرسمي، وذلك بالإسهام في النهوض بقواعد الوحدة والاجماع الوطني وتوطيد الجوامع والمشتركات الوطنية وفق قيم ومعايير عادلة تقدس الحرية وتشجب العنصرية والظلم والتمييز بين أبناء الوطن.
وأوضح أن التضامن زمن الأزمات؛ يعد مطلبا ملحا، علاوة على كونه تجلّ حضاري للقيم الجامعة، مشددا على ضرورة التركيز على المواطنة داخل فضاء اجتماعي ذو مساحات رحبة للمشاركة، وتدبير الحياة العامة من خلال إعدادات تمكن هذه الثروة البشرية من تحمل مسؤوليات و أداء أدوارها النهضوية.
ومن جهة أخرى أثار الأستاذ أبو اياد الانتباه إلى دور منظمات المجتمع المدني في تعزيز التضامن الاجتماعي؛ ومن التصدع إلى التمكين، وأن خدمة المجتمع المدني تعد أساسا للحد من نزيف الهدر الإنساني، إذ لا يمكن أن تكون تطوعية بل يجب أن توضع لها ميزانية مهمة بأهمية دورها في إنتاج الإنسان الأفضل للدفاع عن الوطن والتضحية والراقي إلى تعبيره الحضاري. وقال لذلك فهي خدمة لا تدخل ضمن العمل التفضيلي أو البعد الانفعالي الهش (الشفقة أو التعاطف)، ولكنها مرفق عمومي يؤمن بقيم الإنسان بأي موقع كان، يسعى للإرشاد والتوجيه والمصاحبة الإنسانية من أجل المعالجة الموضوعية والحاسمة التي تحول دون تطوره.
وشدد على أن التضامن المجتمعي برؤية مغايرة، هو ذلك الذي يتداخل فيها التراث الانساني بالنظرة الاستشرافية، وأن التضامن يعد قيمة مؤسسة للعيش الانساني المبني على الاقتدار للملكات الإنسانية، ووهب الحرية والمسؤولية وتحرير الفرد من الكينونة المشوهة إلى مصاف الشخص، وحتى يكون التضامن المجتمعي ناجعا يكون من المهم إعادة التفكير فيه مثلما دعا إلى ذلك المفكر آلان تورين.
وخلص الأستاذ أبو إياد، إلى القول إن إعادة التفكير تقتضي معاملة الطبيعة البشرية من خلال إدراك سلوك الإنسان وإعادة تشكيل اتجاهاته نحو نفسه والمحيطين به ونحو الحياة بشكل يتوافق مع القيم والمعايير الاجتماعية على قواعد الثقة والمحبة والتواصل والتعاون، وهي وظائف تتم من خلال وجود مؤسسات التربية على تملك التمكين الذاتي، ولا يكون ذلك، إلا باستحضار المجتمع المدني الفاعل في حياة الاجتماع الوطني، وليس بوصفه فائض تنظيمي لحماية العلاقات السياسية القائمة؛ ويتم ذلك بمحاورة الذات وثوراتها ضد الاعتقال الذاتي وتحرير الطاقة الكامنة في إنسانيته عبر التربية في مؤسسات مدنية إنسانية.