ادريس المغلشي: (لبراربا) barba..  ذاك الثائر الصامت  

ادريس المغلشي: (لبراربا) barba..  ذاك الثائر الصامت   ادريس المغلشي
(لباربا) كلمة ايطالية ستصبح لقبه المشهورمن طرف مجموعة  من اصدقائه بعدما هاجر الى ايطاليا واستقبلوه هناك. محققا بذلك حلمه الأبدي الذي راوده لسنين عديدة لكنه لم ينهزم . قد يلتفت عند سماعها اكثر ممايثيره اسمه الحقيقي عبد الحي. رجل كثوم يعتمد على الصمت في كثير من مواقفه  ليحوله لانجاز . دائما يرفض المقارنة بين ايطاليا وبلده الأصلي مع وجود الفارق. تهزمنا تصاريحه في الجانب الإنساني الخدماتي وهو يحصي لنا اعطابنا وتخلفنا رغم كل مانشاهده من صور الحياة العصرية . يثور في وجهنا عندما نريد القيام  بتلك العملية الرديئة التي تشبه إلى حد بعيد المقارنة .

كان مهاجرا منذ صغره لايستقر في مكان بالتحديد .هاجر من منطقة (الحاشية) الرحامنة قرب انزالت العظم شابا يافعا بعدما رفض البقاء في ضيعة الحاج خليفة والحاج عمر  مقابل اجرة ( الكانزا) كباقي العمال الذين ألفوا ذاك الواقع المر، وهم يتحركون في نفس المسار كله روتين قاتل. حين ينتفض ضد ذاك الواقع ويثور في وجهه متحديا كل الظروف، مفرغا في وجهه شحنة كبيرة من الغضب تدفعه لمغادرة البيت الكبير وهو يستقبل في وجهته (المسجون )  يناجيه لعل ذاك الافق الممتد هناك على مد البصر يلوح من خلاله في المستقبل القريب أمل يغير واقعا . في حالة انفعال كان يشبه  هؤلاء المعتادون على قتل الزمن في طريق مهجورة وفية لعوامل ألتهميش ونفس الصور التي تتكرر  مشبها هؤلاء بتلك الدواب التي تترك لوحدها تعود بدون صاحبهابعدما الفت الطريق فلا تضلها. هم مقتنعون ومكتفون في معيشهم اليومي بأسواق  المحرة ولعرارشة . والنزول لابن جرير يوم الثلاثاء او باقي الايام كحاضرة محتضنة لكل هذه القرى . 

انتقل مغامرا إلى مدينة اكاديرلمدة طويلة لم نعد نسمع عنه سوى اخبارقليلة تأتي متقطعة تكفي لوحدهالطمأنة الأسرة انه لازال حيا يرزق . كنا صغارا نعتقد ونحن نلعب في حواشي القرية بمناسبة العطل المدرسية أن تلك المدينة ذكر  اسمها لوحده يخيف بل كنا نتصور انها لبعدها توجد وراء الشمس  لاتكاد تراها العين . تفسير يعود لغيابه على الأقل لمدد طويلة قد تفوق في بعض الاحيان اربع سنوات مستمرة بدون زيارة. كان سماع اخباره على قلتها  كفيلة بتبريرغيابه. لكن كنا نحس بآلام ولوعةالفراق والبعد حين تدمع عين جدتي في الأعياد والمناسبات ،وهي تفتقد مكانه بين اخوته الذكور الثمانية . يعتبر الوحيد الذي خرج متحديا الظروف باحثا عن الافضل رغم ضيق العيش وذات اليد ،استطاع ان يجد له موقع قدم خارج بلدته الاصل ويفرض اسمه وسط مناخ مغاير شديد التقلبات يتطلب حزما وجدية لاتخلو منها شخصيته .
 
استطاع كذلك بعد جهد جهيد ان ينتقل الى مدينة اليوسفية عاملا بقطاع الفوسفاط كسائق لآلية كبيرة من خلال  صوره الأولى بهذه المنطقة التي جعلتنا نفتخر به كموظف ببذلته الزرقاء .كنا نستقبله في ايام عطلته السنوية (الكونجي ) حين  يتمكن من زيارة أهله فكنت تحس من خلال وجوده أن قراره لايستقر على مكان محدد بل هناك مخططات لمكان آخر.
 
لكنه يجعل من بعض كلماته رسائل اطمئنان لوالدته التي تربكها رحلاته المستمرة . مايثيرني في علاقته بأمه انه الوحيد الذي  يقتحم عليها خلوتها وهو يعدل من الخمار على رأسها بعدما قل  بصرها ويرتب حاجياتها بنظام وهو يقول بالتوازي كلاما فيما يشبه همهمات أن البنات تركنها بدون اهتمام فتقاطعه هي على العكس من ذلك  حتى لايغادر المكان وقد ترك وراءه لغطا كثيرا، فيستدرك الأمر معتذرا في استحياء كبير . ذاك هو (لبارابا ) الثائر الصامت الذي غادرنا في غفلة منا فترك وراءه صمتا قاتلا .