ما هي أسباب انتقال وترديد المتن القائل "الْحَبَّةْ والْبَارُودْ مَنْ دَارْ الْقَايَدْ" في ميدان التبوريدة؟

ما هي أسباب انتقال وترديد المتن القائل "الْحَبَّةْ والْبَارُودْ مَنْ دَارْ الْقَايَدْ" في ميدان التبوريدة؟ لوحات الفنان حسن الزرهوني

من المعلوم أنه بعد وفاة السلطان الحسن الأول سنة 1894 ميلادية، شهدت منطقة عبدة حضورا مخزنيا أكثر كثافة، وذلك بوجود قائد قوي وحامية عسكرية وأعوان سلطة يتميزون بنفوذ كبير ضمن إيالة القائد عيسى بن عمر، الشيء الذي ميز حكمه بالاستمرارية وردع التمردات الداخلية والخارجية في زمن السيبة، حيث استطاع القائد بسط سلطته على قبائل عبدة وغيرها بالقوة. ولم يكن باستطاعة أي أحد، أفرادا كانوا أو جماعات ان يثور عليه.

 

في نفس السياق انتفضت قبيلة الربيعة وأسقطت حكم القائد الحافظي، حيث هدموا رْيَّاضَهُ المسمى السِتِّينِيَّةْ. وهاجموا منازل بعض العمال وقياد المخزن، كدار الحاج العمراني، ودار القائد هَرْمَا بَنْ الضَّوْ الْحَمْرِي. وتسببوا في شتى المضايقات للقائد عيسى بن عمر الذي أفزعته هذه الإنتفاضة، حيث صرف أموالا مهمة لحماية قصبته، وتمكن في الأخير من القضاء على انتفاضة أولاد زيد الذين لم يجرأ أي واحد منهم أن يمتلك بندقية كسلاح يدافع بها عن نفسه وعن عائلته وممتلكاته وقبيلته.

 

في ظل هذه الظروف العصيبة تم إبداع وتأليف مجموعة من المتون العيطية والْبَرَاوِيلْ والأمثال الشعبية، نذكر من بينها المتن القائل (الْحَبَّةْ وَالْبَارُودْ مَنْ دَارْ الْقَايَدْ). إذ نجد هذا المتن يتردد كتيرا عند ساكنة قبيلة عبدة بالخصوص، ثم انتقل بعد ذلك كالنار في الهشيم إلى عدة قبائل أخرى خصوصا في ميدان التبوريدة، مثل دكالة واحمر والشياظمة والشاوية وغيرها من المناطق بالمغرب.

 

وقعت هذه واقعة لشخصية تاريخية ينحدر من عاشها وكان سببا في شيوعها من دوار الْعَجَّامَةْ بقبيلة أولاد زيد، كان رجلا مسنا، مولعا بسنابك الخيل وصيحات الفرسان على صهوات خيولهم، وعاشقا لرائحة البارود. كان الرجل قيد حياته يسمى بـ "الْحُسَيْنْ الْعَجَّامِي". وفي تلك الفترة كان القائد قد أمر بتجريد متمردي أولاد زيد من أسلحتهم، إلا أنه بقي محتفظا ببندقيته من نوع بُوَشَفْرَةْ.

 

كان "الْحُسَيْنْ الْعَجَّامِي" يتردد أسبوعيا على سوق جمعة سحيم باكرا رفقة إبنه. وكان محافظا على ممارسة طقوسه الخاصة في السوق كل يوم جمعة. وكان هاجسه الوحيد في السّوق هو أن يقوم بإعداد الشّاي بنفسه وسط خيمته، واحتساء كؤوسه المعطرة بنكهة جدور فحم شجر الأرﮜان. وعندما يتلذذ مذاق الشّاي المعسّل، مباشرة يطلب من ابنه أن يسلمه بندقيته المحشوة بمادة البارود، ثم يطلق ثلاث طلقات نارية في الهواء أمام خيمته.

 

هذه العادة التي كان يداوم عليها "الْحُسَيْنْ الْعَجَّامِي" بالسوق الأسبوعي بجمعة سحيم لم يستسغه جواسيس القائد حيث بلغ الخبر لعيسى بن عمر، فبعث الرقّاص للقائد الشهلاوي السحيمي قائد الربيعة في أواخر القرن التاسع عشر بأن يلقي القبض عليه ويسلمه لمحاكمته بقصبة عيسى بن عمر.

 

أثناء الاستنطاق والاستفسار حول ما يقوم به الرجل من عمليات إطلاق البارود وسط السوق الأسبوعي، وخلال تبادل الحديث بين القائد عيسى بن عمر و "الْحُسَيْنْ الْعَجَّامِي" تبين للقائد أن الرجل له طقوس روحانية خاصة، يعيشها في لحظة احتساء الشاي بعد إعداده على نار ودخان جدور فحم شجر أركان، الممزوج برائحة البارود.

 

وبدل معاقبته على هذه العادة، راودت القائد عيسة بن عمر فكرة التيقن من أقواله، حيث هيأ له ثلاث صالات، كل قُبَّةْ تحتوي على صينية جاهزة لتقديم كؤوس الشّاي، وأمره القائد بأن يعد له كأسا من الشّاي. دخل الحسين العجامي إلى الصالة الأولى وجلس أمام الصينية، وقدم له أحد الخدم الماء السّاخن لإعداد الشّاي، فلما تذوق كأس الشّاي سأله عيسى بن عمر:

 

ـ كيف هي نغمة الشاي؟

فأجابه بلغة مول الصينية

ـ (هَاذْ أَتَايْ مْعَظَمْ شْوِيَّةْ) أي أن الماء السّاخن تم طهيه على نار عظم الذرة.

 

ثم انتقل الرجل للصالة الثانية بنفس الطريقة السابقة، فلما تذوق الشّاي الحسين العجامي الشاي وسأله القائد عيسى بن عمر عن مذاقه، أجابه قائلا:

ـ (أَتَايْ زِينْ وَلَكِّنْ مُّوكَّدْ شْوِيَّةْ) أي تم طهيه بـ "لَوْكِيدْ" بمعنى أن النار تم إشعالها بالمواد العضوية للبقر التي تستعمل كأسمدة.

 

أما في الصالون الثالث فقد قدموا للحسين الْعَجَّامِي الماء السّاخن على لهيب نار جدور فحم شجر الأرﮜان، فلما تذوق كأس الشاي المعسل، تردّد وتنفس الصعداء وصاح صيحة العلام فقال للقائد:

 

ـ (أَرَى لِيَّا الْمُكَحْلَةْ وَالْحَبَّةْ وَالْبَارُودْ).

 

في هذه اللحظة تيقن القائد عيسى بن عمر من أقواله وكلامه وعفى عنه وأجابه قائلا (مَنْ الْيُومْ الْحَبَّةْ وَالْبَارُودْ مَنْ دَارْ الْقَايْدْ) وكان للفقيد سي الحسين العجامي ما يريد حيث بقي يتردد على السوق الأسبوعي بجمعة سحيم وحافظ على ممارسة طقوسه في إعداد وشرب الشاي وإطلاق البارود، وكان كلما أنهى حصة البارود يتم تزويده من قصبة القائد إلى أن توفي رحمة الله عليه.

 

ملاحظة: الحكاية الشفهية أكد لي تداولها بمنطقة عبدة الفنان الباحث حسن الزرهوني