عبد الرفيع حمضي: بركان.. النهضة والجزائر

عبد الرفيع حمضي: بركان.. النهضة والجزائر عبد الرفيع حمضي
قالت وسائل الإعلام الجزائرية أن ما حدث في مطار بومدين  بالجزائر العاصمة، يوم الجمعة 19 أبريل 2024 ، من توقيف للفريق  الرياضي المغربي ولمدة 10 ساعات .تعود المسؤولية فيه ،إلى عناصر فريق كرة القدم،  الذين حملوا معهم ومن بركان بالذات أشياء ممنوع دخولها إلى التراب الجزائري . 
 
قرأت الخبر واحداً ومثنى وثلات وبدون تعدد ، فتساءلت يا ترى ما هي هذه الأشياء الممنوعة التي عثر عليها في حقائب هذه "العصابة الدولية " القادمة من بركان،عاصمة البرتقال ؟فعادت بي الذاكرة إلى شهر مارس الماضي حيث كنت في زيارة مهنية للجهة الشرقية  .فشاءت الظروف أن التئم مع بعض الأصدقاء ومن مشارب مهنية مختلفة ،حول كؤوس من اتاي المغرب الشرقي، بمطعم جميل على شاطئ السعيدية، وكان الحديث حصريا عن بركان وظروف بركان و الاستثمار في بركان .
بركان التي كانت في بداية القرن عشرين مجرد  فيلاج يطلق عليه "نسيدي  محمد أبركان "يقطنه أقل من مائة  شخص ويحيط به سوق شعبي، يعقد كل خميس.

 
هذا "الفيلاج "الذي لا يبعد إلا بـ 15 كيلومتر عن الحدود الجزائرية المغربية ـ والتي فيها نظر طبعا ـ كيف أصبح الفيلاج إقليما  مهما في جغرافية المملكة المغربية؟ والمائة نسمة أصبحت أكثر من 120 ألف بالمدينة فقط دون الإقليم. وأن إنتاج الحمضيات قد تجاوز 280 ألف طن في السنة ،على مساحة فلاحية تقدر بـ  400 16 هكتار.
هذه الأسئلة وغيرها هي التي كانت وما زالت تؤرق إخواننا الجزائريين على الحدود القريبة وهم لا يجدون  لها أجوبة من الماسكين برقابهم. 

 
من لا يعشق المندلينا البركانية وعصير الكليمونتين؟الذي كان المواطن الجزائري يتقاسمه مع إخوانه المغاربة بمقاهي وأسواق بركان، ويحملون معهم ما يستطيعون لأهلهم وأحبابهم هناك، قبل أن ينتصب العقيد لطفي واقفا ويغلق معبره.
لعل هذه النهضة  والمقصود هنا ليست "النهضة البركانية "طبعا لم تكن بعيدة عن أعين حكام الجزائر وهم لا يستطيعون أن يقدموا أجوبة مقنعة لمواطنيهم حين يتساءلون، كيف فُكِرَ في بناء سد "مشرع حمادي " في بداية الاستقلال ليحول الإقليم  بأتمه إلى منطقة فلاحية ؟ كيف فُكِرَ في مدينة السعيدية؟ المحج الصيفي للجزائريين أكثر من المغاربة و تحولت إلى أحد المنتجعات الواعدة  بالمغرب، بفنادقها وميناءها الترفيهي؟ أين هو الغاز والبترول الجزائري؟.

 
لكن أيضا بركان ليست فقط ، البحر الأبيض المتوسط الممتد على طول الساحل. ولا الضيعات الفلاحية الشاسعة .لكن بركان هي أيضا رجال  بصموا  تاريخ المغرب الحديث في مجالات متعددة مبارك البكاي  الهبيل، أول رئيس للحكومة المغربية .وعبد القادر بن صالح ،المعروف بفرانكو إمبراطور الماء المعدني والمؤرخ جرمان عياش، والعداء العالمي هشام كروج وبطل كرة المضرب  يونس العيناوي  وسعيد بن كراد أشهر الباحثين المغاربة في السيميائيات، وطبعا شاعر المدينة عبد الرحمان أبو علي .ولا يستقيم الحال بدون قصيدة وأغنية "الباسبور الأخضر "لصاحبها الشيخ أحمد ليو البركاني"
 
وفوق تراب هذا الإقليم كذلك ازداد وعاش  كبار المسؤولين الجزائريين .فوزير الداخلية الجزائري الجينرال الزرهوني ولد بالإقليم وبالضبط بأحفير .وكذلك محمد بلحاج مدير ديوان الرئيس الجزائري هواري بومدين بل إن الجنرال عبد الحفيظ بوصوف ولد في منزل عائلة بلحاج .
 
بعدما فرغت كؤوس أتاي وقبل أن يتفرق الجميع ورغم التفاؤل الواضح في عيون الحاضرين الملتئمين حول المائدة إلا أنني  شعرت  -أنا القادم من العاصمة -في نبرات أصواتهم أسف محسوس على فتور حماس البناء والتنمية.
‎وفي الأخير وإذا عدنا إلى مطار بومدين فهاهي مصالح الأمن لا زالت تبعثر أمتعة  اللاعبين بعجرفة وهم يبحثون عن الأقمصة الرياضية دليلهم المادي  الوحيد لاستكمال عناصر الجريمة الكبرى.