في هذا الحوار مع خالد السراج، عميد كلية الطب والصيدلة بوجدة، يكشف خبايا هذه الإضرابات، محملا المسؤولية لممثلي الطلبة، معتبرا أن وزارة التعليم العالي قامت بعقد عدد من الاجتماعات الموسعة التي حضرها هؤلاء الطلبة، مشددا على أن التكوين الطبي من أولويات كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، وبأنه لا تراجع عن تقليص فترة التكوين من 7 إلى 6 سنوات..
يدخل طلبة كليات شهرهم الرابع من مقاطعة الدراسة، علما أننا في الأشهر الأخيرة من الموسم الجامعي، هل نتوقع من الآن سنة بيضاء؟
عندما نقول سنة بيضاء، يعني أن الكليات والجامعة والوزارة تصدر قرارا بهذا الشأن. لحد الساعة لم نصل لهذا القرار، فالدروس النظرية والتطبيقية منتظمة في الكليات، إلى جانب التداريب الاستشفائية، وبالنسبة لإدارات كليات الطب، فالمحدد هو اجتياز الامتحانات، رسوبا أو نجاحا، مع أنه ما زال أمامنا هامشا زمنيا مفتوحا للاستدراك، يتمثل في الثلاثة أشهر المقبلة، وسينجز الكثير، كما يمكن تمديد السنة الجامعية الحالية ولا يوجد ما يمنع ذلك، وحتى إذا لم يلتحق بعض الطلبة بمدرجاتهم، فإننا لن نضحي بجودة التكوين، ولن يكون هناك فرق بين السنة الجارية وباقي السنوات التي خلت.
هل من بوادر لحد الساعة لحلحلة هذا المشكل؟
طبعا هناك بوادر عملية من جانب إدارات الكليات وكذا وزارة التعليم العالي، وقد أوضحنا ذلك في عدد من المناسبات، وأعطينا الضمانات التي تروم تحسين جودة التكوين لفائدة الطلبة، واستجبنا لعدد من المطالب التي لم تكن سهلة. فقبل أن أكون عميدا لكلية الطب بوجدة، كنت طالبا في كلية الطب وكنت طبيبا مقيما وطبيبا داخليا، ويمكنني القول أن ما تم منحه من امتيازات للطلبة اليوم، يفوق ما كنا عليه قبل سنوات بأضعاف مضاعفة. فهناك أمور ملموسة يتمتع بها الطلاب اليوم في كليات الطب بالمغرب.
مع وجود هذا التباين في وجهات النظر، أين يكمن المشكل بالضبط؟
شخصيا حضرت لجميع الاجتماعات التي أجرتها وزارة التعليم العالي، وضمت أيضا رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وممثلي الطلبة، وهناك جلسات حوارية امتدت لـ 72 ساعة، وأؤكد لك أن هناك مقاربة للحوار غير صحيحة يعتمدها الطلبة، وهي كل شيء أو لا شيء، وهذا غير متاح في جميع المفاوضات النقابية وغيرها. مثلا عندما يتقدم طرف بملف مطلبي ويستجاب لـ 95 في المائة، يتم الرفض الكلي من طرف ممثلي الطلبة، هذا غير معقول. ويبدو أنهم لا يستوعبون تقنيات التفاوض والحوار، وبالتالي فجميع النقط المدرجة في الملف المطلبي تمت الاستجابة لها، وبقيت نقطة فريدة تتعلق بفترة التكوين الطبي، وفصلنا فيها بشكل كبير، ولا صحة للادعاءات بكون الوزارة أغلقت باب الحوار. وتقنيا أعتبر تقليص فترة التكوين جيد، ومن شأنه تحسين جودته.
كيف يمكن القول إن قرار وزير التعليم العالي يندرج في باب السيادة، والحال أن قرار تقليص فترة التكوين الطبي، هو كغيره من القرارات الحكومية التي يمكن التراجع عنها، دون صبغها صبغة سيادة، من قبيل تراجع وزير التعليم العالي عن مشروع بناء كليات متعددة الاختصاصات التي اتخذها الوزير السابق، وأيضا التراجع عن نظام البكالوريوس، وبالتالي هذا القرار ليس بمرتبة قرارات سيادية دستورية؟
عندما نقول إن قرار تقليص فترة التكوين الطبي يندرج في باب القرارات السيادية، فهذا يعني أنه إستراتيجي، وهناك تقييمات تجرى فيما بعد لأي قرار بعد مضي سنوات من بداية تطبيقه.
ولماذا نطلق عليه سيادي وكأننا نتحدث عن النظام السياسي في البلاد أو دين المغاربة أو لغتهم وغيرها من الأمور التي تشكل تجليات السيادة الوطنية؟
السيادة في اتخاذ قرار تقليص فترة التكوين يعني أنه اتخذ من قبل الحكومة. من غير المقبول أن تتدخل جهة ما، معتبرة أن ذلك لا يتوافق مع مصالحها. لنكن واضحين أكثر، الدول عندما تتخذ قرارات تهم تعليم طلبتها أو تلاميذها، تكون مستقلة في ذلك، وبالتالي لا أحد يمكنه المزايدة علينا في هذا الباب. الحكومة اتخذت مقاربة تشاركية قبل القرار، ولم نكن أمام فجائية اتخاذه، وأجرينا تقييمات مكثفة للسنتين السادسة والسابعة من كليات الطب، وخلصنا إلى أن السنة السابعة عام فارغ بيداغوجيا، بل عام يفقد فيه الطالب ما اكتسبه خلال السنوات الست من الدراسة.
ألهذه الدرجة، تشكل السنة السابعة مضيعة لزمن التكوين الطبي؟
نعم، لهذه الدرجة، هناك طلبة بالسنة السابعة انتهى بهم الأمر بكل أسف ومرارة إلى قضاء عقوبات سجنية، ومن الواضح أنهم مع كونهم مدانين قضائيا، هم في نفس الوقت ضحايا لهذا الخلل البيداغوجي الخطير.
لكن هذه حالات معزولة، من ضمن أكثر من 2000 طالب في السنة السابعة في طور التداريب الاستشفائية، ولايمكن اتخاذ قرار بناء على خطأ فئة قليلة، قال القضاء كلمته فيهم، وإلا فإن هناك أطباء ممارسين ارتكبوا جرائم ومخالفات.. ولا ننس أنك خريج السنة السابعة، وكونت مسارك الطبي والإداري بكل مهنية..
الحمد لله أنها حالات معزولة، لكن المشكل يبقى قائما في فراغ التكوين الطبي في السنة السابعة، وشخصيا لم أدرس السنة السابعة، أنا طبيب داخلي سابق في المستشفى الجامعي، وكل من اجتازوا السنة السابعة يجمعون على أنها مضيعة لزمن التكوين الطبي، وكما قلت لك هي فارغة من الناحية البيداغوجية. تقنيا الطالب في هذه السنة يبتعد عن كلية الطب والمستشفى الجامعي ويشتغل في مستشفيات إقليمية، وبالتالي يتحرر من رقابة عميد كلية الطب، وهيئة التدريس. ويعتبر هذا الطالب "موظفا" يسد به الخصاص في هذا الجناح الطبي أو ذاك. وهنا يمكن أن نتخيل ما يمكن أن يترتب عن تحرر هذا الطالب من كل مسؤولية أو رقابة..
لكن ما الذي يمكن أن يعوض ساعات التكوين في السنة السابعة، رغم فراغها كما قلت من الناحية البيداغوجية؟
ما كان عليه الحال في السنة السادسة، هو أنها كانت مخففة من الناحية التكوينية، على اعتبار أن التصور السابق كان أن السنة السابعة هي نهاية التكوين، وامتداد للسنة السادسة السابقة، والواقع أن طالب السنة السابعة يفرغ نفسه من أي تكوين عملي.
لاستدراك هذا الأمر، سيتم تكثيف التكوين في السنة السادسة، مع حذف السنة السابعة، وفي الأخير سيجد الطالب أنه أمام حجم ساعات التكوين الطبي أكثر مما كان عليه النظام السابق، الذي كان فيه إهدار حقيقي للزمن البيداغوجي. والأهم هو أن الطالب لن يضيع حقه في التكوين، بل سيبقى تحت أنظار الكلية والمستشفى، وتداريبه الاستشفائية ستتم على أكمل وجه، إلى جانب امتحاناته السريرية، وسيحضر أطروحته في الدكتوراة بشكل جيد، وبعدها يلج سوق الشغل، بكل كفاءة واستحقاق، مع العلم بأن الوزارة هي الأولى بمراعاة التكوين كما وكيفا، لأن هؤلاء الطلبة هم عماد قطاع الصحة سواء في القطاع العام أو الخاص..
يعني لا خوف على القيمة العلمية لدبلوم كلية الطب بالمغرب وخارجه؟
أبدا، لا خوف على ذلك، بل من شأن هذا التقليص في فترة التكوين أن يحسن من جودة التكوين الطبي، مع العلم بأن عددا من الدول الأجنبية، تعتمد 6 سنوات في كلية الطب. والمذكرات التي أصدرتها وزارة التعليم العالي تؤكد أن الست سنوات من الدراسة في كليات الطب تتوج بدبلوم دكتور في الطب أو الصيدلة أو طب الاسنان، بخلاف ما يتم الترويج له تزييفا للحقائق.
على ذكر المذكرات الوزارية، هناك واحدة مؤرخة في 30 يونيو 2022 والأخرى في 9 يونيو 2023، وجههما وزير التعليم العالي لرؤساء الجامعات وعمداء كليات الطب والصيدلة وكليتي طب الأسنان، جاء فيها أن مدة الدراسة في هذه المؤسسات تستغرق ست سنوات، يعني أن طلبة السنتين الأولى والثانية، أجروا مباريات الولوج، وهم يدركون أن فترة التكوين 6 وليس 7 سنوات؟
فعلا، كان طلبة السنتين الأولى والثانية على علم تام بتقليص فترة التكوين قبل اجتيازهم مباريات الولوج لكليات الطب والصيدلة برسم سنتي 2022 و2023. وبالتالي لا حق لهم في المشاركة في مقاطعة الدراسة، ما دام أنهم اختاروا بمحض إرادتهم الدراسة في كليات الطب بناء على مدة 6 سنوات من الدراسة، وعليهم أن يتابعوا دراستهم ويعودوا للمدرجات.
عندما نستثني طلبة السنتين الأولى والثانية من هذا الأمر المتعلق بتقليص فترة التكوين، يبقى لدينا طلبة السنة الثالثة إلى السابعة، هل بجرة قلم تنزل هذه القرارات؟
أنا قلت لك إن الوزارة ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات أجروا لقاءات ماراتونية مع الطلبة، ليس هذه السنة بل منذ ثلاث سنوات خلت، يعني حتى طلبة باقي السنوات، سبق في علمهم هذا التقليص في مدة التكوين، ولا مبرر لهم اليوم، في عدم متابعة الدراسة، بل تسقط مزاعم عدم علمهم بذلك، بمحاضر الاجتماعات التي كانوا حاضرين فيها، وتمت الإجابة عن كل تساؤلاتهم فيما يخص آفاق تكوينهم وتخرجهم من الكليات، وضمانات تكوين جيد، ومتابعة دراستهم في السلك الثالث. وبعد ذلك أعلنوا الرفض المطلق وأعلنوا مقاطعة الدراسة، وكأننا أمام جهة تعلن الرفض من أجل الرفض..
أعلن أساتذة كليات الطب رفضهم لتدخل الطلبة في المناهج الدراسية والبيداغوجية، هل ترى أن الطلبة يتدخلون فيما لايعنيهم؟
بلاغ أساتذة النقابة الوطنية للتعليم العالي، هو عنصر من عناصر الإجابة حول منهجية الحوار مع الوزارة، فهذه الأخيرة، تجاوزا، ناقشت مع الطلبة من باب إبداء حسن النية والتعبير عن المرونة في تنزيل القرارات، مع العلم بأن المناهج الدراسية اختصاص حصري للأساتذة. والأساتذة، مشكورين، تفهموا منهجية الحوار مع الطلبة، وكان السلم الاجتماعي هو المحدد لها. لكن أن تصل الأمور حد مقاطعة الدروس فهذا غير مقبول بتاتا.
البعض يتحدث عن أن قرار تقليص مدة التكوين من 7 إلى 6 سنوات، مرده بالأساس، وقف نزيف هجرة الأطباء لأوروبا، خصوصا نحو فرنسا وألمانيا، والحال أنه يمكن لهذه الدول وغيرها أن تضيف سنة أخرى في التكوين لفائدة هؤلاء الطلبة..
لابد من توضيح الأمور، ووضع حد لهذه الأخبار الزائفة. عندما قررت الوزارة تقليص مدة التكوين، لم يكن الغرض منع الطلبة أو الأطباء من الهجرة للخارج، ما دام أن حق التنقل مضمون دستوريا لجميع المواطنين. رغم هذا التقليص في مدة التكوين، ما زالت هناك إمكانية الهجرة للخارج، لان المرجع في التكوين ليس عدد السنوات، بل حجم التكوين وجودته ومن المحتوى البيداغوجي متمثلا في عدد الساعات وطبيعة المواد التي تدرس والتداريب السريرية. ومن خلال التمارين التي أجريناها، تبين لنا أن محتوى الست سنوات من التكوين الطبي في المغرب، يفوق مثيله في بعض الدول الأوربية.
وبالتالي فخلفية هذا القرار ليس منع الأطباء من الهجرة للخارج، بل هو تصحيح خلل بيداغوجي، تبين بشكل واضح من خلال تقييمات طويلة. وهنا أعود لما تحدثنا عنه في البداية، "سيادة القرار المغربي"، بما يناسب صحة المواطن ولا يتنافى مع جودة التكوين.
وأشير هنا إلى نقطة جوهرية، هناك هجرة سنويا لحوالي 800 طبيب لخارج المغرب، لكن في ظل التدابير الحالية للوزارة، يمكن الجزم أنها ستتقلص كثيرا. كنا أمام راتب شهري للطبيب لا يناسب سنوات دراسته ومركزه الاجتماعي، مع طول مدة التعاقد متمثلة في 8 سنوات بعد نهاية التخصص، وبعدها تطول مسطرة الاستقالة من القطاع العمومي، ولا يستجاب كثيرا لهذه الطلبات، هذا كان يراه الأطباء تقييدا لحرياتهم. اليوم في ظل الإصلاحات الجوهرية، تم رفع الراتب الشهري من 8 آلاف درهم إلى 13 ألف درهم، وانخفضت مدة التعاقد من 8 سنوات لثلاث سنوات فقط. ولهذا أعتقد أنه من المجحف أن ننكر أن بلدا كالمغرب يواجه تحديات اقتصادية، وفي ظل المعطيات الدولية، ويقوم بهذه المجهودات كلها، ونصدق من يروج أن الدولة لم تقم بأي مجهود يذكر..
الأساس هو أن اليوم نحن أمام تحفيزات جديدة وجاذبية أكثر للأطباء لوقف نزيف الهجرة، مع التأكيد على أنه لا يمكن منع الأطباء من حقوقهم الدستورية..
هل كان من الضروري الرد على عنفوان هؤلاء الطلبة بحل مجالسهم التمثيلية، واتخاذ قرارات بالطرد والتأديب في حقهم، ألا يمكن أن يؤدي ذلك لتوثر الأجواء عوض التهدئة والحفاظ على ما قلته، السلم الاجتماعي؟
لم يكن اتخاذ قرار حل مجالس الطلبة وإصدار تدابير زجرية في حق بعضهم، من باب اختلافنا معهم، أبدا، بل بناء على ممارسات غير قانونية، خطيرة، واتخذت أبعادا جنحية، ارتكبت باسم ممثلي الطلبة وباسم مكاتبهم المنحلة.
الإضراب حق مشروع للطلبة، لكن أن يصل الأمر للتهديد سواء في حق الطلبة، مثل منع الطلبة من ولوج المدرجات أو ارتكاب السب والقذف في حق المسؤولين الإداريين، فهذا مرفوض بتاتا، والإدارة اتخذت قرارتها لحماية الحرم الجامعي من هذه الممارسات غير القانونية والمنصوص على معاقبة مرتكبيها بنص القوانين. إذا كنا نحرص على السلم الاجتماعي فالحرم الجامعي هو من بين فضاءاته الأولى، ولن نسمح بأي تجاوزات غير قانونية، ولم نجبر أحدا على الدخول. لكن لن نسمح أيضا بتقييد حق باقي الطلبة في متابعة الدراسة.
ألا ترى أن هناك وجها مشرقا في حركية هؤلاء الطلبة، وهو المتعلق بغيرتهم على وطنهم، ومطالبتهم بتكوين جيد؟
نحن لا نشكك بتاتا في وطنية هؤلاء الطلبة وغيرتهم على بلدهم، وانخراطهم في حماية الصحة العمومية، ولكن بدورنا، نريد فهم لماذا هذا الإصرار من جانبهم على التكوين لسبع سنوات رغم كل ما أسلفنا حول دواعي اللجوء لتقليص مدة التكوين.
في ظل تقليص مدة التكوين من 7 إلى 6 سنوات، ما موقفكم في حالة ما إذا شاء بعض الطلبة إجراء تداريب إضافية تطوعية وقبل الحصول على شهادة الدكتوراه؟
الموقف واضح، اتخذت الدولة قرار تقليص مدة التكوين من 7 إلى 6 سنوات، وهي تتحمل مسؤولياتها الكاملة بخصوص هذا القرار، وبخصوص التدابير المصاحبة لتنزيله على أحسن وجه، وفي حالة ما إذا كانت هناك اختيارات فردية لبعض الطلبة بإجراء تداريب إضافية، فعليهم من جانبهم تحمل مسؤولياتهم بخصوص هذه الاختيارات الفردية، علما بأن هذا الأمر يبقى قابلا للنقاش للتوافق حول كل ما من شأنه أن يضمن مصلحة الوطن وصحة المواطن وكذا الحقوق الدستورية لطلبتنا.