ماهو موقفك من مسألة الإرث الذي أخذ جزءا كبيرا من النقاش، ولماذا الإصرار على هذه النقطة خاصة وأن أغلبية المغاربة لا يملكون ولا يتوفرون على عمل قار؟
- شخصيا، موقفي كمهني من موضوع الإرث في سياق النقاش العمومي المفتوح منذ ان وجه الملك محمد السادس رسالته بصفته أمير المؤمنين لرئيس الحكومة، لن يخرج عن الخطوط الكبرى التيحددت بالرسالة الملكية، حيث أسند قيادة تعديل نصوص مدونة الأسرة بشكل مشترك وجماعي، وجاء في مقتطف من الرسالة الملكية: "فقد ارتأينا أن نسند قيادة عملية التعديل، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة وفي هذا الإطار، ندعو هذه المؤسسات لأن تشرك بشكل وثيق في هذه العملية الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الإجتماعي والأسرة."، مع الإنفتاح على هيئات و فعاليات المجتمع المدني من خلال اعتماد مقاربة تشاركية واسعة.. وما يهمني في موضوع الإرث ارتباطا بالرسالة الملكية السامية، هو التأطير الملكي للهيئات المعنية بالموضوع بصفة مباشرة وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى..
وبخصوص موضوع الارث، أود أن أستهل جوابي بالتذكير بمفهوم الإرث، فالمواريث في الأصل اللغوي جمع ميراث وهو لفظ عربي يطلق على معنيين: أحدهما البقاء ولذلك سمي الله تعالى (الوارث) بمعنى الباقي مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "ولله ميراث السموات والأرض"، فالميراث هو المال الذي يبقى بعد صاحبه، والورثة أهل الميت سموا كذلك لبقائهم بعده. أما المعنى الثاني فهو: انتقال الشيء من شخص إلى آخر، وهو في اصطلاح الشريعة الإسلامية (استحقاق الإنسان شيء بعد موت مالكه بسبب مخصوص وشروط مخصوصة)، وهذا يعني ان الإرث هو أحد الأسباب المكسبة للملكية، وهو قابل للقسمة يثبت لمستحقه بعد موت مالكه لصلة بينهما كقرابة أو زواج.
ويتميز نظام الإرث في الإسلام بمجموعة من الخصائص كونه رباني المصدر، تكفل الله تعالى بتحديد الأنصبة، شامل، عادل،
واقعي، متوازن، إجباري، ومن أهم مقاصده تحقيق مبدأ الاستخلاف في المال، توزيع التركة وفق شرع الله، تحقيق العدالة الإجتماعية من خلال تقسيم الثروة من غير ظلم أو تمييز، إنعاش الحركة الإقتصادية وتداول المال من خلال توسيع دائرة المستفيدين منه، ومنع الأغنياء من احتكاره، وقال تعالى: "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"، بعد هذا الاستهلال المقتضب، من جملة المواضيع التي أثيرت في موضوع الإرث.
المسألة الأولى:منع التوارث بين المسلم وغير المسلم، نصت مدونة الاسرة في المادة 332، "لا توارث بين مسلم وغير المسلم، ولا بين من نفى الشرع نسبه"، فإذا كان زواج المسلمة بالكتابي أمر خلافي، فان زواج المسلم بالكتابية (وهي غير مسلمة) لا مانع في ذلك لأدلة متعددة، وبالتالي فكل مسلم تزوج بامرأة من أهل الكتاب فزواجه صحيح طبقا لمقتضيات المادة 50 من مدونة الأسرة الحالية، ومادام الأمر كذلك فإنه يرتب جميع الآثار القانونية الناتجة عن الزواج الصحيح ومنها التوارث بين الزوجين حسب الفقرة السادسة من المادة 51 من مدونة الاسرة "حق التوارث بينهما".
إذن كيف نعتبر الزواج بالكتابية صحيحا وفي نفس الوقت لا نرتب عليه نفس الآثار المترتبة عن الزواج الصحيح.
المسألة الثانية: كيفية احتساب الوصية الواجبة على مستوى الممارسة العملية، هناك طريقتين لاحتسابها، تختلف نتائجها في كون واحدة تعطي النصيب الأفضل للحفدة وهي الطريقة التي دافع عنها العلامة سيدي محمد التاويل بما يلي: "إن هذه الوصية أوجبها القانون لكي لا يحرم الحفدة من ميراث جدهم أو جدتهم، وبالتالي مادام أنها في ظاهرها ميراث فلماذا ستعطى منقوصة؟
المسألة الثالثة: مسألة التعصيب.. وهو يعني لغة من عصَب اي شدَّ وقوّى، والتعصيب هو الإرث بلا تقدير، واصطلاحا "أخذ كل الميراث عند عدم وجود صاحب فرض أو أخذ ما بقي عند وجوده".
وقد نظمته مدونة الأسرة من المادة 348 إلى المادة 354، والفقه توسع بشكل دقيق في أقسامه، وهي إما عاصب بنفسه، أو عاصب بغيره، أو عاصب مع غيره، ودليل كل حالة حسب الفقه دائما إما بنص شرعي، أو حديث نبوي شريف مثلا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"، أو إجماع العلماء.
المسألة الرابعة: مسألة تدبير واقتسام الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية المؤطرة حاليا بالمادة 49 من المدونة، والتي يوصي بشأنها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مذكرته المرفوعة للهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة بما يلي: "بتعديــل المادة 322 من مدونة الأسرة الخاصة بالحقوق المتعلقة بالتركة، بإضافة نصيب أحد الزوجين مـن الأموال المكتسبة بعد الـزواج لتصبح كالتالي: "تتعلق بالتركة حقوق خمسة تخرج على الترتيب التالي: 1- الحقوق المتعلقة بعين التركة.
2- نفقات تجهيز الميت بالمعروف.
3- ديون الميت، بما فيها نصيب الزوج من الأموال المكتسبة بعد الزواج.
4- الوصية الصحيحة النافذة.
5- المواريث بحسـب ترتيبها في هذه المدونة".
كما يوصي أيضا بتعديل للمادة 49 من المدونة يقضي بإضافة بند إلى نموذج عقد الزواج يتعلق باختيار الزوجين للنظام المالي، ونموذج يحدد بقرار لوزير العدل يتضمن الأنظمة المالية الموجودة، وحقوق والتزامات الطرفين، بحسب كل نظام مالي يتم اختياره ضمانا للموافقة المستنيرة.
وهنا أختم جوابي على هذا السؤال، ان موضوع الارث وما يرتبط به من مواضيع أسرية، والاجتهاد فيه له ضوابط وشروط يجب ان تتوفر في المجتهد مع مراعاة طبعا النوازل الجديدة وتطور الأحداث على جميع المستويات في احترام تام للنظام العام الأسري، وأن المؤسسة المختصة للإفتاء في هذا الباب هم علماؤنا وفقهاؤنا الأجلاء وتحديدا مؤسسة المجلس العلمي الأعلى، وهو ما أشارت اليه الرسالة الملكية "ندعو هذه المؤسسات لأن تشرك بشكل وثيق في هذه العملية الهيئات المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى...".
ما هي الملاحظات المسجلة بعد 20 سنة من النسخة الأولى من المدونة على مستوى الزواج والطلاق؟
- بعد 20 سنة من تطبيق المدونة وما واكبها من مستجدات وأحداث، وأرقام صادمة على مستوى الزواج، نسجل تراجع ابرام عقود الزواج بشكل مؤثر جدا، والإحصائيات الأخيرة والتي تزامنت مع فترة تفشي وباء كورونا وما بعدها تستلزم التدخل العاجل للبحث في جميع الأسباب وإيجاد الحلول،ووشخصيا أعتقد أن هناك عوامل عديدة ساهمت في هذا التراجع، منها ماهو قانوني وإداري تعقيد مساطر ابرام عقد الزواج، فمثلا الطريقة التي كان يبرم بها عقد الزواج بمدونة الأحوال الأشخصية الملغاة كانت أكثر ليونة وسلاسة مقارنة مع الطريقة التي أصبح يبرم بها عقد الزواج في ظل مدونة الأسرة، إثقال كاهل الأطراف بمجموعة من الوثائق، بعدها ضرورة وضع طلب للحصول على إذن قاضي الزواج، ثم التوجه لدى العدلين قصد إبرام عقد الزواج، وبعدها تقديم هذا العقد إلى مؤسسة أخرى وهي قاضي التوثيق من أجل مراقبته، وتضمينه بالسجلات من طرف الناسخ يطريقة يدوية قديمة وبالية، ثم الخطاب عليه...!!! ، ومنها ماهو قيمي أخلاقي مرتبط بمدى اقتناع الشباب بمؤسسة الزواج، تأثير الإعلام، بصرف النظر عن العوامل الاقتصادية المتعلقة بسوق الشغل ومعدل البطالة.. على مستوى الطلاق أو التطليق، أعتقد أن نسبته أيضا في ارتفاع صاروخي مهول، وعلى رأس هذه الأسباب في اعتقادي الشخصي هو مسطرة الشقاق التي جاءت بها مدونة الاسرة الحالية والتي تم استعمالها وتنزيلها بطريقة أضرت بالأسرة المغربية، إضافة إلى باقي العوامل الأخرى التي تطرقت اليها على مستوى الزواج.
ولهذا، وجب التفكير في آليات قانونية تراعي الحفاظ على الأسرة قدر الإمكان، بدل استحداث مساطر جديدة تفتح الباب على مصراعيه في توظيفها توظيفا سلبيا ينعكس على استقرار الأسرة، ويحدث إخلالا كبيرا على مستوى الأمن الأسرى الذي ننشده جميعا.
ماهي مطالب العدول بعد اللقاء الأخير مع وزير العدل؟
- بالنسبة لمطالب العدول المفصلية والأساسية، والتي بدون تحقيقها "مؤسسة التوثيق العدلي"، لن تراوح مكانها وستكون ضحية عدم تجديد وتحديث إطارها القانوني وملاءمته مع دستور 2011 وتوصيات ميثاق اصلاح منظومة العدالة، سواء على مستوى قانون المهنة أو القوانين الخاصة، فمثلا مؤسسة قاضي التوثيق والإطار القانوني المنظم لها في علاقتها مع مؤسسة العدول سواء في قانون 16.03 أو مدونة الأسرة أصبح متجاوزا، وبمعادلة بسيطة سيتبين أن وزارة الإقتصاد والمالية في علاقتها مع مؤسسة العدل قطعت أشواطا كبيرة مقارنة مع وزارة العدل، اليوم العدول يسجلون عقودهم إلكترونيا وفي وقت وجيز جدا، ويقومون أيضا بإجراءات التصريح بالأرباح العقارية إلكترونيا وغيرها.. بخلاف وزارة العدل لازال العدول يعانون من تعقيد المساطر القانونية والادارية، لهذا وجب إعادة النظر في الإطار القانوني بما يتلاءم مع الدستور وتوصيات اصلاح منظومة العدالة، نفس الأمر ينطبق على الحرمان من التلقي الفردي على مستوى المعاملات المالية وآلية الايداع الذي تعتبر في نظري مسألة حياة أو موت للمهنة، فإما أن نتمكن من الحصول على هذا المطلب المشروع الذي سيمنح المهنة الأمل في البقاء والاستمرارية والمنافسة مع باقي المهن التوثيقية وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وإما أن المهنة سائرة الى زوال، مهنة التوثيق العدلي كنظام توثيقي أصيل حظي بعناية ملوك الدولة العلوية على مر العصور، يتعرض للتضييق من طرف جهات منافسة والإهمال والتقصير من قبل الجهات المختصة رغم أن الملك أعطى تعليماته لاتخاذ التدابير اللازمة لتسهيل ولوج المرأة لممارستها، ومن ضمنها طبعا التدابير التشريعية التي لم تحظى بالاهتمام اللازم. وحسب بيان هيئة العدول، فإن وزارة العدل فتحت مرة أخرى حوارا على مستوى النقاط الخلافية، خطاب القاضي، التلقي الفردي، وآلية الإيداع، وتقليص عدد الشهود وغيرها من النقاط، والتي تأسس رفضها في السابق على آراء بعض المؤسسات التي لم نتمكن من الاطلاع على فحواها ومضمونها إلى حدود كتابة الأسطر، مما سيدفعنا لطرح السؤال التالي،زهل مبدأ الشفافية (الحوار العدل والشفاف) في تدبير المرافق العمومية يعطي الحق للإدارة في التكتم على آراء المؤسسات المتدخلة، ومصادرة حق هيئة العدول (كشريك أساسي في الاصلاح) في الاطلاع عليها من اجل الدفاع عن حقوقها المشروعة؟.