هل يعيد الاقتصاد ترميم العلاقات المغربية الفرنسية بعد ان باعدتهما السياسية والخلاف في وجهات النظر السياسية حول العديد من المواضيع خاصة في السنتين الأخيرتين، وكان موضوع الوحدة الترابية للمغرب أحد أسبابها الرئيسية، هذا السؤال طرح بحدة مند زيارة وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه الى الرباط. والزيارة الأخيرة لناصر بوريطة الى باريس تؤكد التقارب بين العاصمتين. زيارة وزير التجارة الخارجية فرانك ريستر الأسبوع الماضي الى الدار البيضاء، كانت تصريحاته واضحة حول تطوير مجال التعاون الاقتصادي والاستثمار بين الجانبين. بل انه في تصريحاته تجاوز الموقف الفرنسي القديم حول دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية الى موقف اكثر تقدما من خلال تشجيع ودعم المقاولات الفرنسية من أجل العمل والاستثمار في الصحراء المغربية، وهو موقف بين ان باريس لا تريد ان تستمر في الغياب عن هذه الأقاليم من الجانب الاقتصادي خاصة ان المغرب قادما على استثمارات ضخمة في البنية التحتية بالمنطقة من جهة ويرد تحويل المنطقة حسب الرؤية الملكية الى منفذ بحري ومنطقة اقتصادية مع العديد من بلدان الساحل الافريقي والتي لا تتوفر على منفد على المحيط الأطلسي .
باريس بعد التردد والمشاكل السياسية والصعوبات التي تعرضت لها بالمنطقة، رأت في الرؤية المغربية لتعاون الاقتصادي مع بلدان المنطقة والتي تحكمها رؤية شراكة رابح-رابح هي المقاربة الأفضل للجانبين ولباقي شركاء البلدين بالمنطقة.
طبعا إذا قمنا بتحليل الأرقام الاقتصادية والتجارية التي تخص التبادل بين البلدين سوف نرى انها لم تتأثر كثيرا بالبرود الديبلوماسي الذي عاشته العلاقات بين البلدين، وهي ارقام تم تبادلها بمناسبة الزيارة الأخيرة لوزير التجارية الخارجية.
ووصلت المبادلات بين باريس والرباط مستوى قياسي في 2023 بلغ 14 مليار يورو. وفرنسا هي أكبر مستثمر أجنبي في المغرب حيث تتمثل غالبية الشركات المنضوية في سوق باريس للأسهم.
كما أن المغرب هو أكبر مستثمر إفريقي في فرنسا، مع محفظة استثمارية بلغت 1,8 مليار يورو في 2022، مقابل 372 مليون يورو فقط في 2015.
فان المغرب هو أول المستفيدين من تمويلات الوكالة الفرنسية للتنمية. وفق الإدارة العامة للخزانة الفرنسية
وفي تصريحاته للإعلام اثناء زيارته للمغرب، ركز الوزير الفرنسي لتجارة ريستر على ضرورة الاستمرار في "العلاقات المكثفة بشكل خاص" بين البلدين.
طبعا هذه العلاقات القوية اقتصاديا بين البلدين بينت على الجانب البرغماتي الذي يجمع بين الجانبين، لكن رغم القوة فإنها تأثرت بالبرود السياسي مما شكل خطرا على حضور المقاولات الفرنسية في المشاريع الكبرى بالمغرب خاصة في المشاريع التي تهم البنية التحتية التي يتم فيها مجهود استثنائي من اجل استضافة كأس العالم المقبلة مع شركائه سنة 2030.
بين فرنسا والمغرب هناك تعاون متعدد المجالات يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وذلك في مجالات متعددة نذكر منها مثلا مجال المياه والبنية التحتية حيث يشمل التعاون تحسين البنية التحتية وإصلاح الموانئ كما تم توقيع اتفاقيات لتعزيز إدارة الموانئ وتحسين استدامة المياه.
في مجال الطاقة والبيئة تم توقيع اتفاقيات لتمويل مشروع محطة “ميدلت” للطاقة الشمسية بقيمة 150 مليون يورو بتمويل فرنسي.
هذه الاستمرارية في التعاون تبين حاجة البلدين لبعضهما البعض، وهو ما كشفته الازمة الصحية لكوفيد وانعكاساتها الكبيرة على المجال الاقتصادي، وهو الامر الذي اثاره الطرفين خلال الزيارة الأخيرة، وهو وجود شركاء اقتصاديين وتجاريين غير بعيدين عن فرنسا أي في المنطقة المتوسطية والافريقية القريبة خاصة في المجال الصناعي، وهو مجال بين فيه المغرب قدرات كبيرة خاصة في مجال السيارات والطيران وصناعة الأدوية بعد كان على الفرنسيين والاوربيين انتظار سلع لم تصلهم ابدا اثناء أزمة كوفيد بعد ان قررت الصين الاغلاق الشامل. وعرفت مصانع وموانئ الصين اغلاقا شاملا تضررت منه سلسلة التبادل عبر العالم، وذلك بفعل سياسة التمركز التي نهجها القوى الكبرى منهالا فرنسا في حصولها على العديد من مواد الاستهلاك الصناعية.
طبعا، في انتظار استمرار تبادل الزيارات بشكل كثيف بين مسؤولي الرباط وباريس هناك ملفات أخرى مهمة في العلاقات بين الجانبين، مثل الهجرة والأمن، خصوصا في وقت "تفقد فرنسا من نفوذها في إفريقيا" بعد سلسلة انقلابات عسكرية في دول منطقة الساحل، هذا بالإضافة الى المنافسة التي تفرضها العديد من القوى الأخرى مثل روسيا، الصين وتركيا الى تسعى الى الحضور بالمنطقة.
المغرب من جهته له أوراق قوية في مواجهة هذه المنافسة خاصة في افريقيا جنوب الصحراء منها العامل الثقافي والديني والقرب الجغرافي واقتراحه منفد بحري مع هذه البلدان بالصحراء المغربية.
لكن في نفس الوقت، ومن اجل بناء شراكة ناجعة وصادقة خطاب العاهل المغربي كان واضحا في تأطير العلاقات الدولية للمملكة " إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات."
الزيارات المكثفة وتبادل التصريحات مند زيارة ستيفان سيجورني لرباط، في أول مهمة له بالمنطقة، بينت أن خطاب الرباط السياسي وصل عبر الروابط الاقتصادية والتجارية التي تجمع البلدين.