أثار منح الحكومة تسيير رحلات داخلية لشركة أجنبية، الإيرلندية "ريان إير"، عدة تساؤلات ومخاوف بسبب دعم واستعانة المغرب بشركة أجنبية بدل شركة وطنية في النقل الجوي.
وقد نفت وزارة السياحة في بيان توضيحي بخصوص المخاوف المتعلقة بدعم مالي ممنوح لـ(ريان إير) من طرف المكتب الوطني المغربي للسياحة قصد تسيير الرحلات الداخلية.
"أنفاس بريس" فتحت النقاش مع أساتذة جامعيين وخبراء في الاقتصاد والسياحة.
وجاءت أجوبة رضوان زهرو، أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، كالتالي:
دشنت شركة ريان إير مؤخرا، عدة رحلات جوية داخلية بالمغرب بدعوى تشجيع السياحة الداخلية وتعزيز الربط الجوي، بما في ذلك الربط بين الجهات، وذلك في أفق عدد من الاستحقاقات الوطنية والدولية. وحتى إن كان هذا هو الهدف الرئيس، فالسؤال أو الأسئلة التي يمكن طرحها هنا عديدة منها مثلا: لماذا هذه الشركة الأجنبية بالذات دون غيرها، حتى من دون أي دعم أو مساعدة مالية من طرف الدولة، فليست هذه هي القضية! وإن كان الجواب الموضوعي عن هذا السؤال يفرض أولا معرفة دقيقة باستراتيجية هذه الشركة وطبيعة رأسمالها وبنيتها المالية وتركيبة المساهمين فيها وأبرز المزايا التي تتوفر عليها دون غيرها، وما علاقة الفعل السياسي هنا (أي السلطة) بهكذا قرار من المفروض أنه ذو طبيعة اقتصادية بالأساس؟ كذلك ماهي أهمية وجدوى وثأتير مثل هذه الشراكة مع وعلى الناقل الجوي الوطني؟ وهل من المتوقع أن يفتح الباب أمام شركات أجنبية أخرى؟ وما هو الأثر الاقتصادي والاجتماعي والتنموي المتوقع الذي ستحققة هذه الشركة بالنسبة لبلادنا، إذا تمت فعلا أي دراسة للأثر؟ ثم هل شركتنا الوطنية ذات الطبيعة والنظام الخاص جدا - الشركة الملكية للطيران- التى طالما استفادت من دعم ومواكبة الدولة من خلال عدد من عقود البرنامج ومن مخططات للإنقاذ وتطوير الأسطول، لاتزال عاجزة رغم كل ذلك عن تلبية طلب داخلي لا أظنه كبيرا جدا على الأقل في الوقت الراهن، فبالأحرى قدرتها على التصدي لأحد الأشكال الخاصة جدا والقوية للمنافسة العالمية، في مجال يتميز بالليبرالية والسماء المفتوحة ولعبة السوق؟ ثم ألا تفرض الاستراتيجية الوطنية للبيئة والتنمية المستدامة التي يتم تنزيلها اليوم في بلادنا، وكذا التزام المغرب وطنيا ودوليا، بتأمين الانتقال الطاقي والاستجابة التدريجية لمطلب الحياد الكاربوني، على المديين المتوسط والبعيد، (ألا يفرض ذلك) التفكير في وسائل تنقل داخلي أخرى بديلة أقل تلوثا وأكثر صداقة للبيئة، كما تصنع اليوم العديد من الدول اليوم في العالم؟
وإذا كان توفير النقل الداخلي برا أو جوا، بجودة عالية وبتكلفة تنافسية، عنصرا ضروريا لإنعاش القطاع السياحي في أي بلد من البلدان، فإنه يبقى رغم ذلك، عنصرا غير كاف لوحده لتحقيق ذلك، خاصة في ظل وجود عدد من الأعطاب والاختلالات الظرفية والهيكلية تعاني منها السياحة في بلادنا؛ نذكر منها على سبيل المثال فقط:
-ضعف أو لنقل غياب سياسة وطنية واضحة وشاملة ومندمجة، للنهوض بالسياحة الداخلية والخارجية، وضعف ملحوظ في استراتيجية التواصل، التي تعتمدها الجهات الوصية؛ من طرف القطاع الحكومي المعني مباشرة، وخاصة المكتب الوطني للسياحة، والمجالس الجهوية للسياحة، وباقي الفاعلين في القطاع؛ بعبارة أخرى غياب استراتيجية تسويق ناجعة ومستمرة في الزمن.
- ضعف في تكوين وتأهيل الموارد البشرية رغم المجهود الكبير الذي بذل ويبذل لحد الآن، في هذا المجال تحديدا، وأحيانا عدم جدية بعض العاملين في القطاع وقلة صدقيتهم.
- ضعف في العروض المقدمة وفي الخدمات والأنشطة المقترحة، وقلة المواقع والمزارات ذات القيمة الأثرية والتاريخية الكبيرة، خاصة في بعض المدن والجهات. ثم أيضا الخصاص الملحوظ في المتاحف الوطنية وفي دور الثقافة وفي المهرجانات الفنية المغربية الأصيلة والعروض المسرحية والأفلام السينمائية التي تعبر عن واقع بلادنا وخصوصيتها وهويتها.
-الأسعار المرتفعة للمبيت في الفنادق وكذا أسعار باقي الخدمات، وأحيانا بجودة ضعيفة، بالنسبة للسائحين الوطني والأجنبي، على السواء، والتي تبقى على العموم غير تنافسية، مقارنة مع ما هو معمول به في عدد من دول العالم، حتى منها تلك ذات الدخل المرتفع.
- عدم الوعي مبكرا أو عدم الاهتمام إلا إلى وقت قريب جدا، بجدوى السياحة الداخلية. كسياحة داعمة ومكملة ومعوضة أحيانا كثيرة للسياحة الخارجية، والدور الذي يمكن أن تقوم به حاضرا ومستقبلا. إذن هذه بعض القضايا والإشكالات الحقيقية التي يجب أن تحظى بالأولوية لدى الفاعل السياسي وصاحب القرار الاقتصادي، من أجل النهوض بالقطاع السياحي في بلادنا، إلى جانب طبعا الاهتمام بتوفير الوسائل الكافية والجيدة والتنافسية كذلك، للتنقل والحركية داخليا وخارجيا.