أشارت السعدية مجيدي، أستاذة التعليم العالي و مديرة مختبر البحث في السياسة الجنائية والقانون المقارن بجامعة القاضي عياض بمراكش، إلى أن سبب تفشي الجريمة السيبرانية بالمغرب راجع بالأساس إلى عدم قيام الضحايا بالتبليغ لدى السلطات المختصة، وإلى بساطة الوسائل المستعملة في ارتكابها وإلى المبالغ المهمة التي يجنيها مرتكبوها من وراء هذه العمليات غير المشروعة. وأضافت مجيدي بأن جريمة المس بالحياة الخاصة للأفراد عبر الوسائط السيبرانية تأتي في المقدمة.
كما تطرقت الى جهود المشرع المغربي للتصدي للجريمة السيبرانية، حيث شهد العقد الحالي طفرة تشريعية غير معهودة شملت كل ما يتعلق بالتكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، بالإضافة إلى إحداث مجموعة من الهيئات لمواكبة للتطور الرقمي..
كيف تنظرين إلى تعدد تسميات الجرائم الإلكترونية، وهل له ما يبرره في نظرك؟
أدى الاستخدام غير المشروع للتطورات التكنولوجية الحديثة إلى بروز ظاهرة إجرامية جديدة ومعقدة، والتي تعددت تسمياتها نتيجة عدم الاتفاق على مصطلح موحد للدلالة عليها، فهناك من يطلق عليها الجريمة الإلكترونية وهناك من يطلق عليها الجريمة المعلوماتية وآخر يسميها الجريمة السيبرانية حسب السياقات الخاصة بكل نوع من هذه الجرائم، حيث تميزت هذه الجرائم بطبيعة خاصة من حيث الوسائل التي ترتكب بها، ومن حيث المحل الذي تقع عليه ومن حيث الجناة الذين يرتكبونها، ومن حيث طبيعتها التي تجمع بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري.
هذا وتتجلى خطورة هذه الظاهرة الإجرامية المستحدثة في سهولة ارتكابها، وتنفيذها الذي لا يستغرق إلا دقائق معدودات، وأحيانا تتم في لمح البصر، كما أن محو آثارها وإتلاف أدلتها غالبا ما يلجأ إليه عقب ارتكابها، فضلا عن أن مرتكبيها يتسمون بالدهاء والذكاء.
والجدير بالذكر أن سر اختلاف التسميات يكمن في النسق الذي يعالج فيه الباحث موضوع بحثه أو أخذا بعين الاعتبار موضوع الحق الذي وقع عليه الاعتداء. فمن يستخدم مصطلح الجريمة الالكترونية فيقصد به الجرائم المرتكبة عن طريق الكومبيوتر وغيره من الوسائل الإلكترونية. أما من يستخدم مصطلح الجريمة المعلوماتية أراد التعبير عن الجريمة التي يكون فيها موضوع الحق المعتدى عليه (المعلومة). أما من يستخدم مصطلح الجريمة السيبرانية فيقصد به الجرائم التي تستهدف شبكات ونظم الاتصال داخل الفضاء الافتراضي. وعلى العموم، يمكن القول بأن استخدام هذا المصطلح الأخير ذو دلالة واسعة يأخذ بالحسبان مستجدات الاختراعات الالكترونية ووسائل الاتصال أي كل ما يخدم المعلومة.
ماذا عن تعريف الجرائم الإلكترونية في التشريع الوطني والدولي؟
أعتقد أن مسألة تعريف الجرائم الإلكترونية من المسائل الشائكة التي تقف كحجر عائق أمام المهتم بالقانون، إذ أنه يصعب وضع تعريف عام وشامل لها لغاية الآن، وذلك خشية من حصرها في مجـــــال ضيق، نظرا للتطور السريع في مجال تكنولوجيا المعلومات، وقد تعددت التعاريف التي أعطيت لها من بينها:
1: تعريف المشرع المغربي
لقد عرف المشرع المغربي الجرائم السيبرانية بالمادة الثانية من القانون 05.20 المتعلق بالأمن السيبراني الصادر سنة 2020 بأنها "مجموعة من الأفعال المخالفة للتشريع الوطني أو الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية، التي تستهدف شبكات ونظم المعلومات أو تستعملها كوسيلة لارتكاب جنحة أو جناية".
2: تعريف المنظمات الدولية للجريمة السيبرانية
إن أغلب الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالجريمة السيبرانية لم تعرفها كاتفاقية بودابست التابعة لمجلس أوروبا التي صادقت المملكة المغربية على برتوكولها الإضافي الأول سنة 2018 وعلى برتوكولها الإضافي سنة 2022، والاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات التي صادقت عليها المملكة المغربية سنة .2013
ولقد عرف مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاقبة المجرمين الذي عقد في فيينا في الفترة ما بين 10 و17 أبريل 2000 الجريمة السيبرانية بأنها: "أية جريمة يمكن ارتكابها بواسطة نظام حاسوبي أو شبكة حاسوبية، والجريمة تلك تشمل من الناحية المبدئية جميع الجرائم التي يمكن ارتكابها في بيئة إلكترونية".
وماهي أصناف الجرائم السيبرانية؟
لقد تباينت أشكال وصور الجرائم السيبرانية مما تعذر تحديدها، فلم يتفق الفقهاء على معيار واحد للتصنيف بل اختلف استنادهم في ذلك بين نظم الحاسوب والدافع لارتكاب الجريمة والوسيلة المستعملة وغيرها من المرتكزات، ولهذا توصلنا إلى أن الجريمة السيبرانية يمكن تصنيفها إلى أربع فئات هي:
1- الجرائم الواقعة على النظم المعلوماتية: وتشمل هذه الجرائم الدخول أو البقاء غير المشروع في نظام المعالجة الآلية للمعطيات؛ وجرائم عرقلة سير النظام أو إحداث خلل فيه؛ وجرائم تزوير الوثائق المعلوماتية واستعمالها.
2- الجرائم الواقعة على أمن الدولة: وتشمل هذه الجرائم الإرهاب المرتكب عبر الوسائط السيبرانية والإشادة به؛ وجرائم التجسس عبر الوسائط السيبرانية؛ وجرائم المس بنظم ووسائل الاتصال التابعة للدفاع الوطني.
3- الجرائم الواقعة على الأشخاص: وتشمل هذه الجرائم التشهير والتحرش الجنسي والابتزاز الجنسي عبر الوسائط السيبرانية؛ وجرائم القذف والسب المرتكبة عبر الوسائط السيبرانية؛ وجرائم الاتجار في البشر عبر الوسائط السيبرانية.
4- الجرائم الواقعة على الأموال: وتشمل هذه الجرائم جريمة غسل الأموال عبر الوسائط السيبرانية؛ وجرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة عبر الوسائط السيبرانية.
وعلاقة بهذا المقتضى، فقد صنفت اتفاقية بودابست الجرائم السيبرانية إلى أربعة أنواع مختلفة هي: الجرائم ضد سلامة المعلومات وخصوصيتها؛ والجرائم ذات الصلة بالكمبيوتر؛ والجرائم المتعلقة بمحتوى الكمبيوتر؛ والجرائم التي تتعلق بالعلامات التجارية والملكية الفكرية.
ما هي الأصناف الأكثر تفشيا وخطورة في المغرب؟
من خلال الاطلاع على المعطيات الإحصائية المنشورة بتقارير رئاسة النيابة العامة، وخاصة التقرير الأخير لسنة 2022،يلاحظ أن حجم انتشار الجريمة السيبرانية ببلادنا عرف ارتفاعا كبيرا، إذ بلغ عدد المتابعين من أجل جرائم المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات 260 متابعا من بينهم 14 أجنبيا خلال نفس السنة، وبلغ عدد المتابعين من أجل النصب عن طريق الانترنت 49 متابعا، وبلغ عدد المتابعين من أجل الابتزاز الجنسي عبر الوسائط السيبرانية 349 متابعا، والتحرش الجنسي بواسطة رسائل هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور 180 متابعا.
وفي هذا الإطار، بلغ عدد القضايا المتعلقة بالجرائم السيبرانية الماسة بالحياة الخاصة للأفراد 1709 قضية وتوبع على إثرها 2005 متهما من بينهم 15 أجنبيا.
وبخصوص الأصناف الأكثر تفشيا وخطورة في المغرب فإنه من خلال استقراء المعطيات المتضمنة أعلاه، يتضح جليا أن ظاهرة المس بالحياة الخاصة للأفراد عبر الوسائط السيبرانية تأتي في المقدمة حيث عرفت في السنوات الأخيرة ارتفاعاً مهولا، وذلك عبر التقاط عمدا أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل سري دون موافقة أصحابها (الفصل 1-447 الفقرة 1 من القانون الجنائي)؛ أو تثبيت عمدا أو تسجيل أو بث صورة شخص يتواجد في مكان خاص دون موافقته (الفصل 1-447 الفقرة 2 من القانون الجنائي)؛ أو القيام عمدا ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته دون موافقته...أو التشهير بهم (الفصل 2-447 من القانون الجنائي). تليها جنحة الابتزاز الجنسي عبر الوسائط السيبرانية عن طريق التهديد بنشر أمور شائنة، المنصوص عليها في الفصل 538 من القانون الجنائي.
تجب الإشارة في هذا الصدد، إلى أن سبب تفشي الجريمة السيبرانية بالمغرب راجع بالأساس إلى عدم قيام الضحايا بالتبليغ لدى السلطات المختصة، وإلى بساطة الوسائل المستعملة في ارتكابها وإلى المبالغ المهمة التي يجنيها مرتكبوها من وراء هذه العمليات غير المشروعة، كما أن الضحايا غالبا ما يتميزون بنوع من السذاجة، إما بسبب حداثة سنهم وقلة تجربتهم في الحياة، أو لكونهم حديثي العهد في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة.
ماذا عن التحديات التي تطرحها الجريمة السيبرانية على المؤسسات الأمنية والقضائية والجامعية؟
من المعلوم أن الجريمة السيبرانية أفرزت تحديات وصعوبات قانونية وعملية أمام أجهزة العدالة الجنائية بمناسبة تطبيق القوانين التي وضعت لمكافحتها، وما صاحب ذلك من جدل بين فقهاء القانون حول كيفية مواجهتها زجريا نظرا لخصوصيتها وطبيعتها المعقدة، بحيث تغيرت الجريمة من صورتها التقليدية المتمثلة في صورتها المادية إلى أخرى معنوية، الأمر الذي نتج عنه عدة مشاكل في التطبيق العملي، بداية بالقانون الجنائي الموضوعي بحثا عن إمكانية تطبيق نصوصه التقليدية على هذا النوع من الجرائم واحترام مبدأ الشرعية والتفسير الضيق للنصوص الجنائية، وصولا إلى الشق الإجرائي المرتبط بقانون المسطرة الجنائية حيث من الصعب اكتشاف هذه الجرائم أو تحديد مصدرها ونسبتها لمرتكبها نظرا لعدم اعتراف هذه الجرائم بالحدود الإقليمية للدول حيث ترتكب الجريمة في دولة على شبكة الانترنت وتحقق أثرها في دولة أو دول أخرى متعددة ومن قبل شخص أو أشخاص يحملون جنسيات مختلفة، مما يثير إشكالا قانونيا في تحديد مكان وقوع الجريمة ومن ثم القانون الواجب التطبيق عليها، فضلا عن تباين التوجهات القضائية بين مختلف محاكم المملكة خلال عرض هذا النوع من القضايا أمامها.
وعلاوة على ما تقدم ذكره، فإن تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي كانت تعد ذات يوم مجالاً للخبراء والباحثين فقط، أصبحت الآن في متناول الجميع، بمن فيهم المجرمين السيبرانيين، إذ أن محركات الذكاء الاصطناعي المنتشرة في الانترنت المظلم تمكن الجناة من تخصيص المحتوى لضحايا محددين، مما يعزز فاعلية هجماتهم ونجاحها في اختراق وابتزاز الضحايا كالتلاعب بالصور البريئة وتحويلها إلى محتوى إباحي مزيف، إضافة إلى إخفاء هوياتهم وانتحال هويات وأصوات أشخاص آخرين للإفلات من تعقب أجهزة العدالة الجنائية. كما أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي أصبحت تستغل في إنجاز البحوث العلمية بدون أدنى جهد من قبل الطلبة الباحثين، الأمر الذي يفرض ضرورة تدخل المجتمع الدولي والقطاعات المعنية لضمان مستقبل رقمي آمن للجميع.
وقد حاول المشرع المغربي قدر الإمكان التصدي للجريمة السيبرانية بفعل تزايد تهديداتها يومًا بعد يوم، ورغبة منه في مسايرة الاتفاقيات الدولية، بسن تشريعات خاصة أو إضافة نصوص أخرى إلى مجموعة القانون الجنائي المغربي من أجل ملاءمته التطور الحالي، بوضع إطار عام لأهم صور الجريمة السيبرانية متمثل في تسعة فصول للجرائم الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات بموجب القانون رقم 03.07، ودمجه في القانون الجنائي. وفي مقابل ذلك، خص صورا أخرى لهذه الجرائم في إطار قوانين خاصة أهمها القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين اتجاه المعطيات ذات طابع الشخصي. والقانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، والقانون 05.20 المتعلق بالأمن السيبراني، والقانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، بالإضافة إلى مجموعة من القوانين الأخرى، حيث شهد العقد الحالي طفرة تشريعية غير معهودة شملت كل ما يتعلق بالتكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، بالإضافة إلى إحداث مجموعة من الهيئات مواكبة للتطور الرقمي (المجلس الوطني لتكنولوجيات الإعلام والاقتصاد الرقمي؛ المركز المغربي للإنذار وتدبير الحوادث المعلوماتية؛ الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات؛ المديرية العامة لأمن نظم المعلومات).