قبل أن يطلع المغاربة على نص مدونة الأسرة الجديدة، التي سهرت اللجنة الملكية على مراجعتها، شرع التكفيريون ومن يدور في فلكهم من المتطرفين الدينيين وأمراء الدم في قرع طبول الحرب وشحذ السيوف والأقلام ورفع المجانيق، دفاعا عن "الشريعة" و"الإسلام" و"أمة محمد"، حتى وهم لم يقرأوا سطرا واحد من مشروع المدونة، بل لم يطلعوا إطلاقا على مخرجاتها وطفراتها القانونية والتشريعية.
فهذا السلفي المدعو أبو محمد الرحالي قد نشر في صفحته على الفايسبوك: " إذا خرجت المدونة مخالفة للشريعة الإسلامية، وتؤثر على صحة عقود المناكحات والطلاق والحضانة والإرث وغيرها، فعلى المغاربة المسلمين أن يرفضوا التحاكم إليها عصيانا مدنيا حتى تلغى، فكيف سيقبل المسلم بعقود باطلة تدخل عليه الحرام في حياته الزوجية وما يتصل بها، وهي أخص وأكثر الأشياء حساسية في حياة المؤمن؟!".
وبنبرة لا تخلو من تحريض، يكتب المدعو حامد الإدريسي في حسابه عل "فايسبوك"، فيقول: "أي طلاق لا يتم وفق الشريعة لا يقع، كل من تلفظ زوجها بالطلاق فهي طالق، حتى لو لم تتم الإجراءات القانونية، وعليها مراجعة العلماء في ذلك".
ويتابع افتراءاته على المدونة التي لم يقرأها أصلا، فيقول: "المدونة اليوم أصبحت مناقضة للشريعة، فلا تقع أحكامها على الناس، حتى وإن أعطيناها الصبغة القانونية. وعليه لا يمكن أن يستمر هذا الأمر. فالناس تقع في الحرام، والوزر يحمله القضاة والمشرعون الذين يطبقون القانون الوضعي على الناس، فيما فيه نصوص قطعية واضحة، مثل الطلاق الشفهي، فهو مجمع على وقوعه. الأمر خطير، فهذه أعراض المسلمين، ولا بد من وقفة لله".
وبأسلوب لا يخلو من الابتزاز، انبرى"مول الفوقية شخصيا الرسمية" منافحا عن "الشريعة" ومحذرا الدولة ومؤسساتها من مغبة اعتماد المدونة الجديدة، لأن هذا الأمر سيؤدي إلى إشعال حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وقال في تدوينته الفايسبوكية: "أي محاولة للعب بالدين، ستجرنا إلى حرب أهلية، إذا بدأت والله لن تنتهي حتى يفنى نسلنا. الإصلاح شيء، ومحاربة شرع الله شيء.. كلنا يريد الإصلاح، لكن لا تجعلني في حرج من ديني، ولا تجعل الدولة في حرج من مؤسساتها، ولا تجعل وطني في حرج من الأمة الإسلامية والتاريخ".
إنه الفكر الوهابي الابتزازي نفسه الذي يقسم المجتمع إلى دار إسلام ودار كفر، وأن على الدار الأولى حق الجهاد ضد الدار الثانية حتى يفنى نسلها وتنكسر شوكتها، ويستوى في ذلك المثقفون التنويريون والجمعيات النسائية والمؤسسات الحقوقية وكل المخالفين للتحنيط الفكري ومن لهم رؤية اجتماعية أخرى مخالفة. فالكل وجب الجهاد ضده، حتى يظل التكفيريون سادة التشريع والقانون، ولا كلمة تعلو على مرجعيتهم النصية التي تعود إلى 14 قرنا. هذا هو الأسلوب الذي يعتمده هؤلاء التكفيريون الذين يريدون للمغاربة أن يبقوا رهائن الدرجة الصفر من العلاقات الاجتماعية والخضوع والمهانة دون استحضار للتطور الاجتماعي والفكري الذي أخذ يحكم العلاقات الأسرية.