كانت تدوينتي البارحة عن إخوتي "المتقاعدين"، خلت احتجاجا "علي" من هنا وهناك لإخوة لهم في ترسيمة الكلمة "المتعاقدين"، ابتسمت لانتقال الاحتجاج من أمام مقهى "بليما" إلى شرفتي، فقالت "عصافيري" أكتب يا رجل، إنهم إخوة لكم، عقبت على عصافيري، ذاك نص مرتب بالرقم 23 من مجموعتي القصصية المرتقبة "قالت عصافيري"....
23 " المُتَعَاقِدْ":
سألتني عصافيري قائلة: عَمُّو...ما ذا يجري هناك في أزقة الرباط على مقربة من مقهى "باليما"؟ قبل قليل زارنا طائر الدُّوري " الزَّاوْشْ" المتردد على أشجار مقهى البرلمان...كان نافرا من قطرات دماء فائرة لأناس متعاقدين...
قلت في نفسي، ما أصابك يا وطني؟ كيف تحول الطباشير الاحمر للمدرس إلى قطرات دم نَفور من أعضاء جسده، لترسم في الأرض دروسا وعبر.
قلبت مفردة " المتعاقدين " لعلي أجد فيها ما يبرر قطرات الدم...لم أجد فيها أي إدانة للمدرسين على اختلاف مواقعهم ومراتبه...
تأملتها من جديد...برزت لي مفردات من قبل :
- كلمة " عُقد " بضم العين، قالت عصافيري، انها ترمز لعُقَدِ القيمين على شؤون التعليم، اتجاه توسيع رقعة كل معرفة وتبصر وتنوير.
- نسجت من الكلمة مفردة " تَعْقِيدْ "...نطقت عصافيري مُعقبة : نخال الكلمة تدل على سياسة تعقيد الأمور أمام توظيف أبناء الشعب.
- نسجت كلمة " قَيْد " ،أدركت لوحدي، حرارة القيد الذي أرادوا به لجم لسان المدرسين، والحط من كرامتهم.
- ظهرت أمامي كلمة " ينقاد " شمت فيها عصافيري رائحة التوصيف الذي يريدونه لأبناء الشعب، من انقياد وانصياع و تركيع.
- أما كلمة "تعتيم" فقد سبقني طائر " الزاوش" المرابط بشرفني قائلا : عَمُّو لن يكون هناك تعتيم ما دامت أجنحتي تقودني في منعرجات الكواليس هناك...سآتيكم بالخبر اليقين ، على نهج رائدنا "الهدهد" النبيه.
استغربت لحمولة هده المفردة التي تفتقت عنها عبقرية القيمين على شؤون التعليم ببلادنا...
حلقت بنظري من شرفتي، سماء ملبدة بالغيوم، صور تفننت الغيوم في رسمها على أديم الفضاء، من قبيل ما يشبه "القفاز" تدخلت خيوط الشمس المخترقة للغيمة لتضفي عليه لونا أحمر قان... على مقربة منه شكلت الغيمة ما يشبه "بطة " تسبح في الماء حاملة لصغارها، مدربة إياهم على الغوص والسباحة، تناسلت الكثير من الأسئلة الحارقة في ذهني ... أحالني "القفاز الملتهب" على أيادي خفية لا يهما مصير المتعاقدين، ولا تهمها المعرفة، أو التنوير أو بناء رأس المال البشري ذاك الذي تعتبره الدول اللبيبة كأساس كل تنمية.
أحالتني صورة البطة، على الوطن وهي حمالة لأكثر من دلالة، تاهت بي السبل، في تحديد مفهوم: الوطن، والمواطنين، والمواطنة، والتوطين والاستيطان، وما سار في ركبها من مفردات، فقدت الدلالة.
اشتدت عتمة الأفق هناك .... قلت في نفسي لعل اكواما من الكتب تنير لنا الطريق وسط هده العتمة...حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا...