نبيل العرومي: ضريبة قاسية ....أب لثمان ساعات

نبيل العرومي: ضريبة قاسية ....أب لثمان ساعات نبيل العرومي
تابعت معظم النقاشات التي صاحبت فتح باب تقديم مقترحات تعديل مدونة الأسرة، من طرف جميع المعنيين.
حاولت من خلال قراءة وتمحص مقترحات الجمعيات الحقوقية النسائية، الاحزاب، وكل من تفضل بتقديم مقترحاته، بغض النظر عن صفته، أن أجد في صلب هذه المقترحات، ما يعنيني، فما وجدت.
قريبا، وبعد مزج هذه المقترحات، وغربلتها، وتصنيفها، وملائمتها، وإحالة خلاصات اللجنة، والصيغة النهائية لمدونة الأسرة، على نظر الملك، ستصدر المدونة الجديدة.
ماذا ستغير هذه المدونة، في علاقة أب مع ابنته الصغيرة، ذات العامين، وقد فرض عليهما الطلاق، أن يعيشا منفصلين، عن بعضهما، والواقع أن انفصام عروة العلاقة الزوجية، لا يعني بالضرورة انفصال ثمرة هذه العلاقة.
ما أتطلع اليه كأب، هو أن تكون مدونة الأسرة الجديدة كريمة معي، وقد فتحت أبوابا جديدة لتواصل الأب وابنته، خارج منطق الثمانية ساعات المحددة أسبوعيا لصلة الرحم، وهي المدة التي تتقلص إلى النصف باحتساب، مسار رحلة تسلم الطفلة وإعادتها.
إلى الآن لم أهضم كأب رزق بطفلة، أن تختزل مدة الزيارة في ثمان ساعات أسبوعية، من مجموعة 168 ساعة أسبوعية، موزعة بين الوالدين حيث يمنح القانون لأحدهما 160، ويتفضل بثمان ساعات على الاخر، وقد يحرم من تلك الثماني ساعات، ما لم يظهر إصرارا وحرصا على التصرف في هذا الحق.
صياغة مدونة جديدة تتجاوز أعطاب المدونة الحالية، لا يمكن أن يحل اشكالات عميقة، بمجرد القبول بتغيير معادلات حسابية رقمية تقنية، وعدم الانتباه الى البعد الانساني، عندما يتعلق الأمر بانفصام رابطة الزواج، ودون الوقوف عند الأسباب.
الثابت أن نهاية العلاقة الزوجية، لا يمكن أن تنتهي بتكريس وضعية تمايز بين طرفين يفترض أنهما يملكان نفس الواجبات والحقوق، إزاء الأطفال.
عندما يتعلق الأمر بفرض النفقة على الأب، باعتباره المكلف شرعا وقانونا بالانفاق، فإن هذا التكليف لا يستقيم دون تمكين هذا الأب من حقوق متساوية مع الزوجة الطليقة في رعاية الطفل المحضون، وقضاء وقت كاف معه، وتتبع كل ما يخصه، من حيث النمو العضوي والنفسي، والمسار الدراسي، والتفاصيل اليومية لحياته، بما تختزله من عمق إنساني.
هذا التقسيم غير العادل والاعتباطي، والضار بحقوق الأب والأطفال على وجه التحديد، ينتقل ليلقي بضلاله على لحظات إنسانية غاية في الخصوصية، عندما ذهبت المدونة إلى حرمان الأب من تمضية وقت أطول، وعلى الأقل فسح الباب لحق المبيت، وقضاء الأعياد بالتناوب بما يضمن المساواة المفترضة في تنشئة الأطفال.
هل قدر الزوج، أن يدفع ضريبة مضاعفة كلما سارت العلاقة الزوجية إلى الباب المسدود، من حيث تحمل عبء النفقة، وتحمل ضريبة الحرمان من رؤية أبنائه بشكل عادي، ويتاح له حيز زمني أكبر للتواجد والحضور في حياة أبنائه، على الأقل لفرض تناسب وجوب النفقة، مع الحق في رعاية الأطفال، بما ينهي ضريبة الثمان ساعات القاسية التي يدفعها كل أب من مشاعره، ومن حقه الأصيل، في رؤية وصلة الرحم خارج قفص الزمن المحدد، والقاتل لأي علاقة سوية وطبيعية بين الأب والأبناء.
أنا الآن أب لثمان ساعات، وانتظر سبعة أيام للإحساس بهذا الشعور، لأن جهة منحت ما لا تملك، إلى جهة أخرى، دون استحضار اعتبارات منطقية، لم يعد الأمر يسمح بتجاهلها، إذا كنا نتطلع إلى تصحيح أخطائنا المشتركة في حق الأطفال.
هي صرخة قبل فوات الآوان لها من الأولوية، ما يفرض طرحها بجرأة وشجاعة وتبصر، وتجرد. فهل من مجيب.
 
نبيل العرومي، رئيس جمعية جنات لحماية الطفولة والأسرة