عبد الخالق حسين: الدعاء الجماعي بعد التراويح.. جلسة عمومية للعلاج النفسي

عبد الخالق حسين: الدعاء الجماعي بعد التراويح.. جلسة عمومية للعلاج النفسي عبد الخالق حسين، رئيس المجلس العلمي لطانطان
أكد عبد الخالق حسين، رئيس المجلس العلمي لطانطان، أن ما جرى به العمل في تاريخ المملكة المغربية، في صيغة الدعاء التي يرددها المغاربة في المساجد بشكل جماعي بعد صلاة التراويح، هي الصيغة التالية: (سبحان الملك القدوس.. رب الملائكة والروح، جُلِّلَت السماوات بالعزة والجبروت..)، وهو دعاء جماعي جميل ورائع.

وأضاف رئيس المجلس العلمي المحلي لطانطان، أن هذا الذكر  يحمل نفحات روحانية خاصة.. "عشنا أجواءها الجميلة والجليلة ونحن صبيان صغار.. ولازلنا ونحن كبار نعيش نوستالجيا الطفولة البريئة التي كان فيها التدين مغربيا فطريا وسطيا.. بعيدا عن لغة التبديع والتفسيق والمفارقة والعبوس.. كنا نفطر في رمضان ثم نتسابق الى الصفوف الأولى في المسجد؛ نستنشق عطر القرآن الكريم والذكر الحكيم الذي يجلل المكان.. نحمل المصحف بين أيدينا بكل فخر ونخوة كأننا نحمل لباس وحلوى العيد.. ننتظر دخول الإمام لنقف في الصف بين الكبار.. نشعر أننا كبرنا ورشدنا ونضجنا.. وأننا فارقنا عالم الصغار.. وفعلا كنا كبارا في صغرنا.. 

أذكر أننا كنا بعد الصلاة، نتحدث في مواضيع الكبار، قصص الأنبياء وترقيع الصلاة.. وكم قرأ المشفع في الركعة من آيات، هل ثمنا أم ربعا.. كانت اهتماماتنا كبيرة مثل أحلامنا..

وبعد انقضاء صلاة التراويح؛ كنا نتقدم بكل إعجاب - فقد كبرنا- الى جهة المحراب؛ لنشارك في عرس الدعاء الجماعي مرددين بصوت متناغم جميل و خاشع ومؤثر:(سبحان الملك القدوس..) نكررها ثلاثا.. ثم نردفها: (رب الملائكة والروح، جللت السماوات بالعزة والجبروت ؛ وتتعززت بالقدرة وقهرت العباد بالموت.. اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك..).

العجيب؛ أنه يروى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أمر أحد الصحابة بقراءة هذا الدعاء لدفع الغم والهم والوسواس".

وأهاب عبد الخالق حسين، رئيس المجلس العلمي لطانطان، بكل الأئمة والمؤدنين بأن يحافظوا على هذه الأذكار المباركة لسببين: 
أ-  لحماية الأطفال والشباب من الاغتراب الذي سببه اتساع المدينة وضعف العلاقات الاجتماعية بسبب الغزو التقني والفردانية القاتلة التي تسببت فيها الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي.. فأجواء الذكر الجماعي تقدم تعويضا روحيا للتفكك الاجتماعي.. إذ أن الذاكر يحس بانتمائه لأسرة كبيرة متحابة يحضن بعضها بعضا.. 

ب- لكون الذكر الجماعي بمثابة جلسة للعلاج النفسي.. فالمرأة أو الرجل أو الشاب الذي أثقل كاهله بالضغوط المتنوعة الناتجة عن طبيعة الحياة المعاصرة.. يجد في لحظة الذكر بصوت مرتفع نوعا من العروج والتسامي النفسي والروحي.. إن غشيان الرحمة وتنزل السكينة وحفوف الملائكة يلمسها (المشارك في جلسة الذكر) بعد الصلاة.. إنه عملية جراحية روحية تجرى بلطف للذاكر فتستأصل منه الحزن والعسر والقلق.. فيحس الإنسان أنه قد فارق ألما وازعاجا باطنيا يؤرقه ويعذبه ولكن لا سبيل للتخلص منه..

إن جلسة الذكر الجماعي بعد التراويح تضع الوزر الذي ينقض الظهر وتزيل الهم الذي يشق الرأس وتفرغ القلب من الحزن الذي يشغل البال ويبدد طاقة الانسان..

ها نحن أصبحنا نسمع أخبار المرض النفسي وتداعياته.. فهذا يعالج هناك وهذا حاول الانتحار وهذه تعيش حالة اكتئاب.. والدواء بين أيدينا.. ماكان أجدادنا يذكرون شيئا من هذه الاحزان المتلاحقة التي تعذب الناس اليوم.. لأنهم كانوا محافظين على هذه الجلسات الربانية التي على بساطتها كانت تبسط الحياة أمام الناس.. كان كل فرد يحس بأنه داخل أسرتين أسرته الصغيرة البيولوجية أبا وأما وأسرته الكبيرة، أسرة المسجد وجماعة المسجد. التي تضمه وتسأل عنه وتواسيه وتزوره وتعوذه إذا مرض وتستدعيه لأفراحها وأحزانها..

كثيرا ما أتساءل ويحيرني السؤال: في زمن الفردانية والأنانية التي تنخر العالم.. ما الذي يجعل المواطن المغربي، عندما يموت جاره يسارع ليصلي في جنازته، ويصر على اتباع النعش في اليوم الشديد الحرارة في عز الصيف.. ويقف على القبر حتى يوارى التراب ثم تقرأ سورة ياسين ويرفع الدعاء.. إنها ساعات من الجهد والصبر والعرق والإجهاد.. وهذا الجار لا تربطه معه قرابة ولا مصالح مادية.. صدقوني إنها بركات المسجد وجماعة المسجد وأخوة المسجد ورابطة الصلاة الجماعية وروحانية الأذكار الجماعية..

فلنحافظ على ما جرى به العمل في مملكتنا الشريفة..وفمن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها.. وجزى الله خيرا أجدادنا وعلماءنا ومشايخنا وشيوخ زوايانا الذين حافظوا على هذا الموروث العظيم، الذي يجمع ولا يفرق ويؤلف ولا يفتت ويحبب ولا يبغض..

ولنرمم تديننا المغربي ذو الخصوصية الفريدة والذي أصيب بعضه بعاديات وريح عقيم، جاءت صرصرا فبدعت وفسقت وكفرت.. تعامل الناس كأنهم في جاهلية جهلاء ويحتاجون للدخول إلى الإسلام من جديد !!؟؟.

ولنقل لكل من يتجرأ على توابثنا ومقدساتنا ومذهبنا وتصوفنا وماجرى به العمل عندنا لقد أخطأت العنوان.. إن المملكة الشريفة بإمامة أمير المؤمنين لترى إلى المآلات المأساوية المستقبلية التي تنتظر المتنطعين والغالين في الدين رأي العين..

وإننا بتربيتنا الصوفية السنية وبمذهبنا المالكي وارث فقه عمر بن الخطاب وفقهاء المدينة السبعة وزعيم اعتبار المقاصد الشرعية.. وبرعاية بصيرة وحكمة إمارة المؤمنين لعلى "يقين اليقين" أن أنموذجنا المغربي في تدين الرحمة والسلام والتعارف والوسطية.. لهو الحل والعلاج والمستقبل والملجأ والفتح.. الذي سوف (تطلبه وتقلده) الأمة الإسلامية كلها.. وبيننا الأيام.. أليس الصبح بقريب.. والله أعلم