وقال الباحث إن الخطاب الديني الذي صاغه الفقهاء إبّان العصر الوسيط، ما زال هو الخطاب الأكثر تأثيرًا على مجتمعاتنا الإسلامية كافة. إذ لا يزال السؤال عن الحلال والحرام بمعناه الفقهي الضيق، يسبق السؤال عن النافع والضار بالمعاني الاجتماعية والصحية والبيئية. ولا يزال السائلون يسألون إن كان الإدمان حرامًا، والتدخين مكروهًا، والمشروبات الغازية حلالا طيبا، أكثر ما يسألون عن ضرر ذلك على صحة الإنسان. كما أن السائلين مازالوا يهتمون بالسؤال عن جواز التجارة مع "الكفار" أكثر ما يهتمون بمضامين الصفقات التجارية وأثرها على الميزان التجاري.
ولفت الباحث الانتباه إلى أن الأسئلة عن الأكل الحلال تسبق الأسئلة عن الأكل الصحي، بل تلغيها في معظم الأحيان، ولا تزال الأسئلة عن الزواج الحلال تسبق الأسئلة عن الزواج السعيد، بل تلغيها في معظم الأحيان. كما لا تزال الأسئلة عن اللباس الحلال تسبق الأسئلة عن اللباس المناسب للمناخ والملامح والوظيفة، بل تلغيها في معظم الأحيان. فلا غرابة والحال كذلك أن تستثمر بعض الشركات هوس الحلال لأجل تسويق منتوجات لا علاقة لها بمسائل الحلال والحرام، اللهم الرغبة في تعطيل عقل المستهلك أمام أسئلة الجودة والأسعار !
واستنتج رئيس مركز الحوار العمومي، أننا نعاني من تمركز حاد حول ثنائية الحلال والحرام، الكفر والإيمان، أهل الجنة وأهل النار، دار الحرب ودار الإسلام، حيث يهمنا أن يكون الملاكم الذي انتصر بالضربة القاضية مسلما حتى وإن كان يحمل الراية الأمريكية، يهمنا أن يكون الهدّاف الذي سجل الهدف الأسطوري مسلما حتى وإن كان يحمل قميص فريق أوروبي. وفي المقابل لا يهمنا أن يكون نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل مسلما طالما الأدب لا يشفي الغليل. المعضلة كلها في الغليل إذًا !
وخلص الباحث إلى أنه لا يمكن القفز على مرحلة إصلاح الخطاب الديني. فإذا كان الخطاب الديني الشائع عندنا يخالف مقاصد الدين، بحيث ينمي مشاعر الشقاء والرعب والغيرة والكراهية والتواكل، والتي هي جذور الفتن والتسلط والريع، فسيكون إصلاح الخطاب الديني هو المدخل إلى إصلاح الوجدان، ومن ثمة إمكانية المساهمة في تطور الحضارة الإنسانية. وهو ما ينطبق عليه مضمون الآية الكريمة (حتى يغيروا ما بأنفسهم).
ويذهب سعيد ناشيد إلى إنه مقتنع بأن إصلاح الخطاب الديني وظيفة الفلاسفة العَمليين والحكماء المصلحين بالدرجة الأولى، طالما يتعلق الأمر بتفكيك المفاهيم، وقلب القيم، وتهذيب الغرائز، وإصلاح الحضارة، أي المساهمة إجمالا في تربية النوع البشري.