وأبعدت الوكالة الرسمية الجزائرية سيناريو الأزمة السياسية عن قرار تقديم موعد الانتخابات الرئاسية من شهر دجنبر إلى شهر شتنبر 2024، رغم أن التقاليد السياسية المشابهة توحي في الغالب بوقوع طارئ سياسي يستدعي تقديم الموعد من أجل الوصول إلى توافق معين، كما حدث مع الرئيس السابق اليامين زروال شهر شتنبر 1998، حين أعلن تنظيم انتخابات رئاسية مبكّرة، لكن الفارق هو أن الرجل قرر حينها عدم الترشح مجددا، وذلك غداة بروز خلاف بينه وبين قادة وضباط في المؤسسة العسكرية حول قانون المصالحة الوطنية.
وذهبت إلى التلميح بأن تبون هو الرئيس الجزائري القادم خلال السنوات الخمس المقبلة من دون تقديم أيّ معطيات بشأن فرضية تقديم الرئيس الحالي لترشحه، كما لم تقدم تفسيرا لدواعي تقديم موعد الانتخابات بالرغم من الفاصل الزمني القصير بين الموعدين (ثلاثة أشهر).
وبدلا من تقديم إجابة عن تساؤلات الجزائريين بشأن خفايا قرار تقديم موعد الانتخابات وإن كانت له صلة بصحة الرئيس تبون، اكتفت الوكالة بالنفي ومهاجمة التأويلات والقراءات بشأن الخطوة.
وقدّمت الوكالة الرسمية، قراءتها، بالقول “يبدو أن الإعلان عن تقديم تاريخ تنظيم الانتخابات الرئاسية إلى شهر شتنبر 2024 قد فاجأ الكثيرين، إذ أثار رئيس الجمهورية ضمن حرصه على الشفافية، ارتباك خصومه ونوعا مّا حلفائه بهذا الإعلان الذي يبدو حادا في الشكل، ولكنه متماسك في المضمون، فمن يتحكّم في التوقيت يتحكم في الوضع”.
وحمّلت البرقية محتوى القرار ثلاث دلالات تتنافى تماما مع العديد من التكهنات التي وردت في تقارير مختلفة بما فيها تلك التي رجّحت فرضية الأزمة السياسية في هرم السلطة، وعدم تحصيل توافق داخل دوائر القرار النافذة حول شخصية الرئيس تبون، ليكون رئيس الجزائر القادم، فضلا عن الموانع الصحية وبدرجة أقل عدم توفيقه في رفع التحديات الحقيقية التي تواجهها الجزائر في السنوات الأخيرة في مختلف الصعد الداخلية والخارجية.
وتحدثت مصادر سياسية عن أن قادة حزبيين كانوا قد طلبوا من الرئيس تبون، خلال لقاءات جمعتهم به، بضرورة مراجعة موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، بحجة أن شهر دجنبر بيومه القصير وليله المظلم لا يسمح بالمشاركة الواسعة في عملية الاقتراع، عكس الشهور الأخرى التي يكون فيها التوقيت متوازنا بين الليل والنهار، وهو ما يكون قد حمله على تقديم الموعد.
لكنّ متابعين للشأن الجزائري توقعوا نتائج سلبية للموعد الجديد المحدد للانتخابات، بسبب عدم مراعاته لتزامنه مع الدخول الاجتماعي والدخول المدرسي، فضلا عن الفصل القائظ الذي يعيق تفاعل الشارع مع النشاط السياسي وخلوّ جهات بأكملها من السكان كالمناطق الجنوبية، بسبب التفرغ لفترة العطل السنوية وموسم الراحة والترفيه، بدل الانغماس في متابعة الحملات الدعائية للمرشحين أو حضورها.
وذكرت الوكالة أن “تقديم الموعد هو العودة الدائمة إلى الشعب، صاحب القرار الوحيد والمحاسب الوحيد لما أنجزه رئيس الجمهورية، ويدل هذا الإعلان على أن رئيس الجمهورية يثق في شعبه ومواطنيه وناخبيه وفي حكمهم ووعيهم. وبطبيعة الحال، بدأت بعض الأصوات المعتادة في تصور السيناريوهات الأكثر سخافة، لعجزها عن فك رموز العلبة السوداء الرئاسية. فالكلام حر والتكهنات مجانية”.
لكنها لم تخف وجود تهديدات خارجية وراء قرار تقديم الانتخابات بقولها “التهديدات الخارجية حقيقية وملموسة، بما يجعل من تقليص العهدة الأولى ضرورة تكتيكية، حيث أنه استباق لاضطرابات مبرمجة، فالرهان الدولي يسبق الرهان الوطني. وعليه، يتعين على الجزائر أن تعزز وحدتها وانسجامها الداخليين، برئيس وجيش ومؤسسات بجاهزية لمواجهة الأزمات الخارجية، والتي هي بالفعل على أبوابنا مستهدفة سيادتنا وأمننا”.
ولا يعرف إن كانت الجزائر تستبق حربا إقليمية في جوارها، أم أن تضخيم الخطر الخارجي هدفه إقناع الجزائريين بفكرة التعجيل بالانتخابات، خاصة أن الشك في أسباب القرار قد تسلل إلى النفوس، وليس ثمة أفضل من تبديد هذه الشكوك سوى التخويف من المؤامرة الخارجية للتغطية على الظروف الداخلية الملتبسة التي قادت إلى التعجيل بالانتخابات.
وأعلنت الجزائر إجراء انتخابات رئاسية “مسبقة” في السابع من سبتمبر 2024، أي قبل ثلاثة أشهر من موعدها المقرر أصلا.
وجاء في بيان صدر عن الرئاسة الجزائرية، إثر اجتماع ترأسه الرئيس تبون وحضره رئيس الوزراء ورئيسا غرفتيْ البرلمان ورئيس أركان الجيش ورئيس المحكمة الدستورية، “قرر رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، عبد المجيد تبون، إجراء انتخابات رئاسية مسبقة يوم 7 شتنبر 2024″.