صافي الدين البدالي: تفاهة التلفزة المغربية في رمضان والتربية على "التكليخة"

صافي الدين البدالي: تفاهة التلفزة المغربية في رمضان والتربية على "التكليخة" صافي الدين البدالي
ظل حظ المغاربة مع التلفزة المغربية في رمضان المعظم جد سيء، لأنهم يعيشون فيه كل أنواع الحيل قصد القفز على عقولهم وعلى أرزاقهم وعلى نفوسهم، بدءا من الساعة القانونية إلى البرامج التلفزيونية إلى التحولات التي تعرفها الأسواق من ارتفاع الأسعار . فلماذا يتم تغيير  الساعة في رمضان، أي العودة إلى الساعة القانونية  المغربية التي تنسجم مع التوقيت العالمي جرينتش بدل اعتماد الساعة الفرنسية الماكرونية؟ ثم لماذا تنقلب البرامج التلفزية  إلى برامج لا تزداد إلا هبوطا وتدنيا في كل رمضان منذ بداية عهد العرايشي و مؤسسة الهاكا ؟ و لماذا الأسواق هي الأخرى تنقلب على المواطنين والمواطنات لتاخد حلة أسعارمخيفة؟ إنها مظاهرتعكس سياسة حكومية في تدبير شؤون البلاد  الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والفنية. وإنها مظاهر مرتبطة بعضها ببعض في إطار نسق مدروس يهدف إلى التربية على  "التكليخة" وعلى تمييع المشهد الثقافي و السياسي، و إلا فما هي  الحكمة  في العودة إلى الساعة القانونية بعد إحدى عشر شهراً ؟ هل القصد منها هو الشعائر الدينية الرمضانية؟ أم القصد أنها تتناسب و أوقات الصلاة في رمضان  ؟ كلا بل القصد منها هو خلق ارتباك نفسي وعقلي عند الصائمين و غيرهم و عند الأطفال و الشيوخ، لأنه ليس هنالك أي مبرر ديني و لا عقائدي لتغيير الساعة ، إنما هو تغيير يدخل في خانة اللعب بالعقول  و بالخواطر حتى لا يستقر الناس نفسانيا ولا  سيكولوجيا و حتى تكون البلاد عند حسن ظن المستعمر القديم /الجديد . أما البرامج الرمضانية التلفزيونية من مسلسلات ووصلات إشهارية فهي خارج السياق المنطقي للفن المناسب و التربية على الذوق الرفيع للفن بكل شعبه . سواء في شهر رمضان أو غيره من شهور السنة .لكن المنطق الفني و الأدبي يفرض برامج و مسلسلات و مسرحيات تكون مناسبة لشهر  رمضان المعظم .  إلا أن  ما يتم تقديمه لا يحترم المجتمع المغربي وثوابته الدينية والأخلاقية ولا علاقة لذلك بالفن الجاد ولا بالمناخ الإجتماعي والسياسي الذي يعيشه الشعب المغربي .
 
إن ما ينفقه الشعب المغربي  من ماله على القنوات التلفزية ، هومن أجل   ثقافة المجتمع، أي  التربية على تخليق الحياة العامة وثقافة التضامن بين الناس و ثقافة التواصل الإجتماعي الإيجابي  والتربية على الحق و الواجب وإبراز الملاحم البطولية للشعب المغربي في مواجهة الإستعمار، وتاريخ المجتمع المغربي الإقتصادي  والسياسي، عبرمسلسلات ومسرحيات تترك الأثر الطيب عند المشاهد، برامج و مسلسلات تحمل رسائل لها بعد اجتماعي وإنساني وبعد تربوي .لكن ما يتم تقديمه هو إهدار للزمان و تبديد للمال العام. ولا يحسبن أصحاب المؤامرة على الذوق الفني الرفيع أنهم يفعلون خيراً بل يفعلون شرا وهم يستهزئون بالمشاهدين أكثر مما يستهزؤون بأنفسهم؛ .لأن العروض المقدمة في القناتين الأولى والثانية في هذا الشهر المبارك لا تستحق إلا الإدانة و المحاسبة وإرجاع الأموال التي تم صرفها على هذه العروض التافهة  إلى الخزينة العامة ، لأنها أموال تعتبر منهوبة، أي جريمة مالية تتطلب محاكمة و متابعة كل المسؤولين على هذه الإنتاجات التي يفر منها المشاهد المغربي إلى قنوات أخرى .
 
وكمثال على ذلك  مسلسل "أولاد يزة" الذي يقدم الأستاذ في أبشع صورة ، دون احترام ولا تقدير للاستاذ الذي هو عماد من أعمدة الأمة، يخرج الناس من دائرة الجهل الى عالم العلم والمعرفة ، وهو المنقذ للناشئة من الأمية والجهل لتكون متعلمة وواعية و صالحة و منفتحة على كل الثقافات .إنه نموذج كل قيم النبل والإنسانية وليس كما اراد أعداء العلم أن يصورونه لنا في تفاهتهم الفنية . أما الأم،في العيد الأممي للمرأة، فهي ليست كما يصورونها، لأنهم ربما لم يكتشفوا المغرب ودور الأم في السهول والجبال وفي المدن و القرى و في المصانع و المعامل و في الحياة السياسية. لقد أصبحنا أمام جهلاء يصنعون لنا ثقافة وفنا يضربان قيمنا في الأعماق .لقد تحولت القنوات الوطنية إلى أداة للهدم، وليس للبناء وتكريس الجهل والتطبيع مع انقلاب أسعارالمواد الغذائية على قدرة المواطن والمواطنة في شهر رمضان ولا تقوم هذه القنوات بتجسيد هذا الواقع و تأثيره على الحياة الأسرية في هذا الشهر على الأقل.
 
 و لكن ان تقدم  التلفزة المغربية عروضا تحط من الشخصيات العمومية كلأستاذ أو الطبيب أو المحامي، فذلك سلوك لا وطني ولا إنساني، وإن الأموال التي تصرف على هذه البرامج هي أموال مبددة و منهوبة على حساب الشعب، لأن الإبداع الراقي هو متنفس للحرية على أساس مقومات رؤية إبداعية صادقة لأي إنتاج يكون هادفا وبناء  يعالج الواقع بكل ما يحمل من تناقضات وفق رؤية  فنية ملتزمة وهادفة.