أعتقد أن كلفة إغلاق الحدود بين الجزائر والمغرب منذ 1994 ارتفعت بشكل كبير وانعكست على العلاقات المغربية الجزائرية وهذه الكلفة لها أبعاد وانعكاسات سيئة على عدد من المستويات، خاصة وأن المغرب استمر في سياسة اليد الممدودة مع الجزائر، تلتها مبادرات ملكية تذكر بالعودة إلى وحدة المغرب العربي. وبالتالي هذا التوتر بين البلدين ينعكس على المستويات الأمنية والديبلوماسية.
ومنذ 2021 إلى اليوم تضاعفت التّكلفة على اعتبار أن سياسة التّصعيد لدى الجزائر أدت إلى الزيادة في الإنفاق العسكري والزيادة في كلفة التجهيزات العسكرية، والتي تضاعفت لأكثر من 10 مرات في الجزائر. كما تضاعفت بشكل معقول في المغرب بخلاف الجزائر.
وبسبب التّصعيد الحاصل، يحاول كلّ طرف تسليح جيشه، على اعتبار أن الجزائر تسلح جبهة البوليساريو وتقوم بحرب «الضربات الخاطفة» للاستفادة من الدعم الإيراني والروسي لتسليح الجبهة. وبالتالي فالمغرب مضطرّ للزّيادة في الإنفاق والمراقبة والمنطقة العازلة التي تعتبرها البوليساريو مستباحة تباشر فيها عمليات بين الفينة والأخرى.
فاستخدام الحروب بالوكالة في المنطقة ينعكس حقيقة على الأمن بين البلدين، ومنطقة شمال إفريقيا التي تظل منطقة متوترة. وحتى على مستوى التحالفات تتسع، وتخسر المنطقة تكتلا إقليميا كان يمكن أن يكون من أكبر التكتلات الإقليمية. فالإحصائيات تشير إلى فشل اتحاد المغرب العربي يكبّد شعوب المنطقة واقتصادياتها أزيد من 30 مليار دولار، كان بالإمكان استثمارها في قطاعات منتجة ومتكاملة بين البلدين، وبين دول المنطقة، خاصة وأن الجزائر أشهرت سلاح الغاز وأنهت العمل من خلال أنبوب الغاز المغاربي، وصارت تكلفة الغاز مرتفعة، والمبادرات الاقتصادية أصبحت منعدمة وتراجعت معها العلاقات الإقتصادية بين الدول المغاربية، مما اضطرها للاستنجاد بدول أخرى، لينعكس ذلك على اقتصاد هاته البلدان.
وبذلك صارت دول المغرب العربي رهينة مع تحالفات أخرى من قبيل الاتحاد الأوروبي بشكل منفرد من خلال شراكات منفردة، مما يضيّع الفرص على بلدان اتحاد المغرب العربي، حيث حاولت الجزائر إعادة إحياء الاتحاد المغاربي من دون المغرب، وهذا خسارة لشعوب المنطقة.
أكيد أن تيسير التّنقل والنّقل بين بلدان المغرب العربي سيسهم في ازدهار اقتصاد المنطقة وسياحتها وحتى علاقاتها الاجتماعية، خاصة وأن بلدان المغرب العربي متكاملة، فالجزائر تنتج الغاز والبترول وتعتمد على بعض الصناعات الميكانيكية، والمغرب وتونس بلدان فلاحيان وسياحيان، مما سينعكس على الناتج الداخلي الخامّ لهذه البلدان، وجعله تكتلا قويا في محيط المنطقة الاقتصادي على وجه الخصوص. وعلى العكس من ذلك فالموازنات السّنوية للبلدان تتجه لصالح البلدان الأوروبية وغيرها التي تمدّ هاته البلدان المغاربية بالصناعات الغذائية، وتجعل المنطقة في مواجهة التحديات الأمنية والجيواستراتيجية.
فالجزائر تتناقض كلّية مع بعض مفردات الأمن وصارت معزولة سياسيا وأمنيا، خاصة في منطقة السّاحل وجنوب الصحراء التي فشلت فيها. وهو ما يجعل من إغلاق الحدود مع المغرب خسارة، يكبّد خسائر فادحة للشعوب، خاصة وأن مقومات النجاح والموحّدات بين البلدين كبيرة وكثيرة. فالجزائر بحملاتها الإعلامية تحاول أن تجيّش وتهاجم وتعادي المغرب، غير أن ما يجمع بين شعبي البلدين في المصير المشترك والتاريخ والاقتصاد والأمن والسّياسة كثير.
عصام لعروسي/ خبير في الدّراسات الاستراتيجية والأمنيّة